أحمد حمدان الدرمكي -
إن المتأمل في حال غالبية الشعوب العربية التي خرجت تطالب بالحرية والعدالة والمساواة ونبذ الظلم وسياسة التهميش لها في جميع جوانب الحياة، تحت نبراس مقولة غامضة لم أجد لها أي تفسير عقلاني أو منهجي، والتي تسمى بالربيع العربي أو بالصحوة الإسلامية، والحالة المأساوية من الفوضى والدمار والقتل والتشريد والفتن الطائفية التي اجتاحت هذه المجتمعات التي تطالب بالحرية في إطار هذه المقولة المنمقة من الخارج والمسمومة من الداخل، وهي في حقيقة الأمر تنجرف بدون وعي ثقافي وفكري إلى الفوضى والتطرف والجهل والهمجية وليس الحرية، فالحرية أرقى بكثير من أن تكون هكذا…!!!
ولكن قبل كل شيء، هل هذه المجتمعات العربية قد بلغت المستوى الثقافي والفكري الذي يؤهلها للخروج من أجل المطالبة بالحرية والعدالة والمساواة بإدراك تام لمعنى الحرية والسبل الثقافية الراقية من أجل الوصول إليها؟! ولكن للأسف، فإن المتأمل والمتتبع لأحداث تلك الثورات العربية التي يزعم أنها قامت من أجل سيادة الديمقراطية ونبذ الدكتاتورية في مجتمعاتها، ومن خلال الترجمة المنطقية لتلك الأحداث سوف تجد أن تلك الشعوب لم تصل حتى الآن إلى النضج الثقافي والفكري الذي تستطيع أن تدرك من خلاله المفهوم الروحي العميق لمعنى الحرية – على حد قول الكاتب – لذلك فلا عجب أن تشاهد الثمار الفاسدة لتلك الثورات القاصرة والمراهقة التي خرجت تطالب بالحرية دون أن تدرك المعنى الجوهري لها، فما قيمة تلك الحرية المنشودة..؟! إذا كان الدمار والخراب والفوضى لمجتمعات بأسرها هو نتاجها، فأي عقل وأي منطق( هذا يقبل أن يكون ثمن حريته دمار أمته وخرابها. وفي الجانب الآخر لا نستطيع أن ننكر أن التضحية هي ثمن الحرية، ولكن هذه التضحية لها قوانين عقلانية وحدود منطقية، لكي لا تخرج عن ضوابط العقل ومحاوره.
فبالله عليكم، هل ذلك الحصاد الكاسد (حصاد الحرية) الذي تم حصده ومازال يحصد من تلك الثورات العربية، عقلاني ومنطقي؟! ولكن في حقيقة الأمر..العقل والمنطق يرفضان تماما) هذا السلوك غير المبرر، والبعيد كل البعد عن موازين العقل ومقتضياته، والذي تنتهجه بعض المجتمعات العربية من أجل الحصول على الحرية المزعومة.
والعجيب في هذا كله، هل هذه الحرية تستحق هذا الثمن الباهظ الذي فاق تصور العقل ومقاييسه؟! وهل هذه الشعوب قد بلغت الحرية التي تبحث عنها؟! بتأمل قليل (بنفس) تعي وتدرك حقيقة الأمور، سوف تجد أن هذه الشعوب لم تصل إلى الحرية التي تزعمها، لأنها في حقيقة الأمر لم تسلك طريق الحرية من الأساس، بل سلكت طريقا مغايرا (تماما) قادها إلى عتبة الدمار والفوضى، وربما إلى العبودية وليس الحرية. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها فهي واضحة تماما ( كالشمس في وضح النهار. ولكن مع هذا كله، لماذا تصر هذه الشعوب على المضي قدما) في المسار الخاطئ الذي يقودها إلى حتفها المشؤوم.. وهل هناك من يضلل هذه الشعوب لكي تسلك هذا الطريق بقصد اهلاكها ودمارها؟!…. وهل سوف تصحو هذه الشعوب فعلا من سباتها؟!…. ولكن مع كل هذه التساؤلات تبقى حقيقة واحدة، وهي أن هذه الشعوب ما زالت تعج في نوم عميق ولم تصحو إلى الآن من سباتها كما يطلق عليها المضللون بالصحوة الإسلامية والربيع العربي. ولكني على يقين تام، بأن هناك من يرسم لها الطريق نحو الهلاك والدمار مستغلا في ذلك القصور الفكري والثقافي لهذه الشعوب بمعنى الحرية.
أخيرا، يا ترى إلى متى سيمكث هذا الربيع المؤلم والمحزن الذي ما زال يخيم بظلاله السوداء على الأمة العربية والإسلامية؟! تبقى الإجابة على هذا السؤال محصورة بين فكي تلك المجتمعات، لكونها الوحيدة القادرة على الإجابه على هذا السؤال، وكتم أنفاس هذا الربيع الذي يحمل بين طياته سموما ( قاتلة لتفتك بهذه الأمة المضطربة الأركان، لذا يجب عليهم وعلينا أيضا ) تدارك الأمة قبل أن تسقط إلى الحضيض، وانتشالها من بين قضبان المصيدة (مصيدة الحرية)، لكي تستطيع أن تقف من جديد، وتمسك بزمام الدنيا بكل ثبات وفخر، وهي تعلن إلى العالم أنها ثابتة وباقية، مادامت الشمس تشرق من مشرقها وتغرب من مغربها. وإفساح المجال لأنفاس ربيع مزهرا بالأمل والتفاؤل لحاضر ومستقبل الأمة العربية والإسلامية.