بالرغم من عمق واتساع العلاقات الوثيقة بين لبنان وسوريا، على مدى العقود الماضية، ومع إدراك حجم التأثيرالسوري على الساحة اللبنانية، بفعل عوامل عديدة، إلا أن القيادة والقوى السياسية اللبنانية توافقت منذ بداية تطورات الأوضاع في سوريا على ما أسموه مبدأ (النأي بالنفس)، بمعني أن لبنان ينأى بنفسه ويبتعد عن التدخل، على أى نحو، في تفاعلات التطورات السورية، وذلك من أجل إغلاق المجال أمام أية محاولات لتوريطه، ولوعلى غيرإرادته، في تلك التطورات. ويضاف إلى ذلك أن القيادة والقوى السياسية اللبنانية تدرك جيدا أن الحفاظ على مصالح لبنان واستقراره يتطلب الابتعاد عن اتخاذ جانب أي من الأطراف على الساحة السورية.
وبرغم الجهود اللبنانية الرسمية والحزبية، على نطاق غير قليل، إلا أن الواقع تأرجح، إلى حد ملموس وبدرجات متفاوتة أيضا، ليس فقط لأن حزب الله اللبناني شارك – ولايزال يشارك – بشكل مباشر في القتال إلى جانب القوات السورية النظامية لأسباب أعلنها من جانبه، ولكن أيضا لأن أطرافا لبنانية وإقليمية حاولت – ولاتزال تحاول بين فترة وأخرى – الدفع بلبنان إلى التورط بشكل أو بآخر، أوعلى الأقل نقل المواجهات إلى ساحته، وإثارة القلق والتوتربين قواه السياسية وطوائفه المختلفة. وتقف الاشتباكات في طرابلس، والتفجيرات في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومحاولات اغتيال بعض القيادات الأمنية، وحتى عمليات عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، خلفا للرئيس السابق العماد سليمان، شاهدا واضحا على محاولات هذا الطرف أو ذاك جر لبنان إلى أتون حارق.
وفي الوقت الذي يتحمل فيه لبنان، الدولة والمجتمع، أعباء كبيرة ومتزايدة، نظرا لاستقباله مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، وغيرهم، وهو أمرله تبعاته الاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية كذلك، فانه من المهم والضروري بالنسبة للبنان واستقراره، ومن أجل الحفاظ عليه، أن تتعاون كل الأطراف اللبنانية، دينية وطائفية وحزبية ونخبة سياسية – وبغض النظر عن خلافاتها فيما بينها – في الحفاظ على هدوء واستقرارالساحة السياسية اللبنانية، والنأي بلبنان، بشكل فعلي، عن الانجرار بأى شكل إلى دائرة الحريق الذي يتمدد في ربوع الشام، والذي يخلط كل الأوراق. ومع الوضع في الاعتبار أن محاولات جر لبنان لن تتوقف، لأسباب كثيرة، فان مسؤولية اللبنانيين، والقيادات اللبنانية تظل حاسمة في الحفاظ على لبنان في ظل هذا الوضع الدقيق، خاصة وأن الجميع يدرك أن انتقال المواجهات المسلحة إلى الساحة اللبنانية، من شأنه أن يثيرالكثيرمن المشكلات والتعقيدات والمخاطر الشديدة، سواء على الصعيد اللبناني الداخلي، أوعلى صعيد النطاق الإقليمي كذلك. ومن المؤكد أن لبنان يحتاج كذلك إلى كل مساندة عربية مخلصة وفاعلة لتمكينه من الحفاظ على استقراره ومواجهة المخاطر المحدقة به، فاستقرار لبنان يخدم كل المنطقة من حوله.