استقبالات شعبية لنجوى كرم.. وغياب جمهور الشعر -
رسالة عمّان عاصم الشيدي -
لفتت مشاركة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في الأمسيات الشعرية لمهرجان جرش من خلال الشاعرتين: شميسة النعماني وحصة البادي انتباه الأدباء العرب المشاركين في المهرجان. معتبرين أن صوت الشاعرة العمانية بات حاضرا ومنافسا في المحافل الشعرية العربية.وكانت الشاعرتان قد شاركتا في أمسيتين مختلفتين على مسرح أرتيمس المفتوح في جرش. ولم يخرج مضمون النصوص العمانية في الأمسيتين عن مجمل طرح الشعراء العرب.. حالة من الالم والتشظي، وانكسارات الذات ومحاولة ترميمها في زمن يتسامر فيه الآخر “على ضفاف جراحنا”. وإضافة إلى الشاعرتين العمانيتين شارك في الأمسيات الشاعر البحرين علي الشرقاوي الذي تألق في نصوصه الشعبية أكثر من الفصيحة. والمغربي يحيى عمارة والفلسطيني سليمان دغش. وبين أعمدة جرش الضخمة والمنتصبة في وجه السماء وقفت الشاعرة شميسة النعماني تنادي “لا تمت” ليرتد رجع صوتها من اتجاهات المدينة المتخمة بالأعمدة “لاااااا تمت”
“لا تمت مثلهم.. لا تمت كالمسنين.. لا كالذين إذا حبّة القمح نامت على كفّهم.. عقروها.. لا تمت.. غاضباً.. لا تمت.. قاعداً.. لا تمت.. نائماً.. لا تمت.. واقفاً.. مُتْصاعداً.. في السماء.. ومت نجمةً.. في الفضاء.. وعشْ.. ملكاً.. لا يموت!….. لا تمت مثلهم.. أنتَ للخيل.. لا فارساً للأماني.. أنت للبحر.. لا شبكاً للموانئ.. أنت ترعى النجوم.. على الأفق.. لا سيّداً.. في العدم”.
وفيما كان جمهور جرش يصفق عاليا للنعمانية كانت هي قد بدأت الطواف حول الشعر مرة أخرى بقصيدتها “طواف”:
“وكم طائفٍ بالقلب ما نال حجّة
وأنت بلا طوفٍ تحجّ وتعمرُ
وتسعى بأشواطٍ من الوجد والهوى
وغيرك يسعى، لا يمر وتعبرُ
وترمي ثلاثاً بالصبابة أضلعي
فنذوي من الجمرات وهي تسعّرُ
لحاك النوى أسرفت يا فاتن الهوى
أتقتل نفساً بالجوى ثمّ تنكرُ
تعيث الصبا بالقلب كلّ صبيحةٍ
وفي خلوات الليل تغفو وأسهرُ
فديتك كيف ابتعت سحرك والكرى
ومفتونة بالحب تخفي ويظهرُ؟
أجبت ابتساماً ثمّ قمت محبّة
وقلتَ الذي يسبي الفؤاد ويأسرُ
نعاسٌ يغشّي الجفن والقلب ناهضٌ
يموج مع النايات فيك ويسكرُ
ويغرق في لذّات روحكِ هائما
ويطفو مع الأنداء منكِ تُعطّرُ
أفردوسَ هذا العشق تفديك مهجةٌ
تلملم منك الدفء وهو مبعثرُ
أحبّك كالأيام يزداد عمرها
قرونا وأحقابا ولا الحبّ يقفرُ
ومع التفاعل الكبير للنص العمودي عادت شميسة النعمانية إلى نص حديث حمل عنوان “دندنة” فقرأت منه:
“هي دندنة
في فجر صبحٍ باغتت زهري وحنّائي وكُحلي
في صوتها بُعث الجمال قيامةً
الكون يعزفها
وأمّي والسما والروح تعزف (دندنة)
هي دندنة
لحن الأهازيج التي انفرجتْ
وبدءُ حكاية
وسفوحُ قلبٍ أشركت بالحزن بعد الدندنة
تتموّج الألحاظ والطير المسافر
والزخارف بالسقوف
ودربُ أغنيةٍ وموسم نخلةٍ
والشمس لا تجري
وصوت الريح دندن في الدّفوفِ
عن المُخبّأ في يديّ:
(الحبُّ)
وهو اللازمانيّ المقدّسُ
وهو صوت العارفين من الخلود على دويّ الدّان
هذا الهوى
ترك السواحل والسماء وظلّهُ
هجر البدايات الطليقة واستقرّ موحّدا عارٍ من الحزن السليطِ
ممدّدٌ في كفّي العشبيّ
متّحدٌ ومنفرد
حب
تغادره الصحاري والضفاف وجزرها
يشتدّ موجاً أبجديّاً عاصفاً في لحن أمّي
وهي ترقع كلّ أحزان الزمان بدندنة
“…”
ثم صعد على المسرح الشاعر البحريني علي الشرقاوي وهو يحمل ميراثا طويلا من النصوص الفصيحة والتقليدية.. وقف الشرقاوي ونظر إلى الفضاء الأزرق أمامه وخلفه وعن يمينه وعن يساره ثم قال:
“جروح قلبي وتر.. وينك يا عازف عود.. اعزف نغم للبدر.. يمكن تراه يعود.. ويشوف حال الذي.. من شوقه صاير عود.. اعزف نغم يا وفي.. يغسل شقى حالي.. في الريج ماي البحر.. من ضربتك حالي.. من ذاق طعم الهوى.. مهما جفا بيعود!).
وفي الأمسية الثانية التي شاركت فيها الشاعرة حصة البادية أثبتت التجربة أن الشاعرة يمكن أن تحب المشهد عن ثلاثة شعراء آخرين بجوارها.. وهو ما حققته الشاعرة حينما بدت متألقة ومحلقة عاليا علو أعمدة جرش وأثارها الباقية رغم القرون المتعاقبة.
بدأت حصة أمسيتها بقصيدة “حداد يليق بغيمة”
“نمشي بأرضِ اللهِ لا ندري بأيّةِ قرية
سنقولُ للأحلامِ: يا أحلامُ بلغناكِ ربعَ القلبِ
دونكِ صدقَنا وأمانَ قريتِهم فبيضي واصفري
ونقولُ للأشواكِ: يا أشواكُ عفوَكِ ما انتبهنا – حين أخلصنا – لغيرِ الوردِ
لو أنَّا انتبهنا رُبَّما كُنَّا اجتنبنا الوخزَ
واخترنا السلامةَ في رحابِ الياسمينْ
لو أنَّ أهلَ القريةِ استهدوا بضوءِ الروحِ
للفتوى لما نَحروا الفَصيلْ
لو أنهم قرأوا نوايا الغيمِ لاشتملوا قلوبا لا تَضيقُ بصدقِها…
ولرُبَّما اعتذروا بغيرِ الشعر ِعن لومِ النخيلْ
لو أنَّ حزبَ الرملِ آمنَ بالجفافِ
وسيلةً للماءِ عبرَ الشوقِ لارتحنا
وأمَّنَا الطريقَ حقائبَ النجوى ونِمْنَا ظامئينْ
لو أنَّ ميزانَ القبيلةِ يَعجِم الخُلصاءَ لانتبذ
المحبةَ سكتةً
أو غَضبةً في جيبِ صعلوكٍ نبيلْ
أو لاستعار الصوت مِن حَلْقِ المُفَوَّهِ في تجلِّي فخرِه القزحيّ
للزُمَرِ التي لا تُحسِنُ الإلقاءَ إِنْ عَظُمَ الجوى
ليحوكَها صمتًا يَشيخُ ولا يموتْ
للقهوةِ السمراءِ منطقُها وللنجمِ المُعلَّقِ في سماءِ القومِ منطقُه
وللمأسورِ والقتلى- رمادَ الحربِ- منطقُهم وللفُصحى لُغاتْ
تَهوي لُغاتُ الكونِ دونَ بلاغةِ الحُرِّ الصَموتْ
لو أنَّ فرسانَ القبيلةِ أحسنوا الرؤيا
وجَسَّ الدمعِ لاختفتِ الطريقُ وباركَ الأحلافُ بيعتَنا
وما بكتِ الجيادْ
لو أنَّ قاضينا تبسَّمَ مرةً أو صافح َالمحكومَ
لانتهتِ الجريمةُ واطمئنَّ الناسُ
للعدلِ المُعلَّقِ بين جبهتِه ومِشنقةِ البلادْ
لو أن قافيةَ المساءِ سفينةٌ لتحملَّتْ تُعساءَ قريتِنا
وما تخفي القبائلُ من مراثيها.. خُطى عشاقِها
ولجاءَ بالغُيَّابِ حدسُهمُ ولكنَّ القوافلَ ضلَّلت
حدسَ العِبادْ
نمشي بأرضِ اللهِ تنقُصنا المحبةُ
كي نرى ألوانَ هذا الكونِ
في مزجٍ تكاملَ باختلاف ْ
نمشي وعِليتُنا تؤمُّ غمامةَ الأرزاقِ في دربِ القوافلِ
والنياقُ البيضُ أحرقَها الجفاف ْ
شتّى قلوبُ الناسِ يا ربَّ المحبة ِ
هالَنا ما تنجبُ البغضاءُ من نسلِ التناحرِ..
لا فضاءَ لصوتِنا المُنبَّتِ في صخبِ الهتافْ
ثم قرأت قصيدة بعنوان “تعويذة الدمع”
“لكَ اللهُ.. خَدَّرتَ حُزنَ المحيطينَ
أرخيتَ قلبَك للباكياتْ
وأنهكت َدمعَك.. بالغتَ في الحَزْمِ
شيّبتَ جفنيك كهلا صبيّا
أيا خازِنَ الدمعِ يا طِفلَ قلبِ الغريبةِ هلا تمهَّلتَ؟
هلا تيممت بالحرفِ؟ هلا انطلقتَ قصائدَ..
هلا انسكبتَ قواريرَ وَجْدٍ تَعتَّقَ في أصغريكْ؟
وهلا تَمثَّلتَ في ساحةِ الروحِ وجها نبيّا؟
لك اللهُ.. كمْ غيّبتك الليالي وما غبتَ..
أذكيتَ دربَ المشوقِ وما عُدت َ
.. أفنيتَ زوّادةَ القلبِ ما قُلتَ: حسبي
ولا قُلتَ: أَرْجِع ُ
هُمْ أمَّروكَ ببابِ المَشَقَّةِ..
هُمْ بايعوكَ بأرضِ النخيلِ
ودربُ الحكاياتِ يشهدُ..
غيماتُنا الخضرُ تشهدُ
ما كنتَ من آيةِ الغيمِ يا راعيَ الغيمِ يوما خَليّا
وها عدتَ يا وردةَ الضوءِ تُخفيكَ عنِّي..
ففيم التجلدُّ؟ هذي المسافاتُ تَغْزِلُ ثوبَ انعتاقِكَ، تُرْسِلُ
سِربَ الحمائمِ.. تُنبيكَ عن حارساتِ السكينةِ
تَهْدِلُ بالوجدِ.. سِجادةُ البُعدِ تَعْرِفُ..
تُرْهِفُ..
تَغرِفُ ما خَمَّرَ الوقتُ شجوا عصيّا
أيا خازنَ الدمعِ من لي بقلبكَ..
من لي بِسِرِّ التفرُّدِ في مقلتيك إذا
ما تحدّر هالاتِ جمرٍ تروح وتغدو إلى مقلتيَّا؟
تعال إناءُ الأسى شِركةٌ
ودربُك يُفضي إلى راحتيّا
تعال ستعتادُنا العابراتُ
لغَزْلِ المقيلِ يحاكُ عليّا
تعال وصوتُكَ شبابتي
ولا كونَ يُقصيكَ عن ناظريّا
تعال سيُذْعِنُ حُرَّاسُنا
ويكتبُنا الليلُ معنىً خفيّا
نوارسَ تلعقُ أوجاعَها
لتعبُرَ بالحلمِ خِدْرَ الثريَّا
أيا خازنَ الدمعِ للدمعِ أهلٌ
وللصمتِ كلُّ فصاحاتِه..
إذا جئت بالقلبِ
تسعى إليّ
وسقط ُوجيبِ الأسى بالشمالِ
وحناءُ كَفْيَّ طقسَ اكتمالِ
يسيرُ به البعدُ ينسى وأنسى
وينسون نسيانَه في يديّا
تعال لنجمعَ شملَ البخورِ
بما قد تقطَّعَ من شملِنا
ونبذرَ أيامَنا القادماتِ
بفيض المقيظِ على رملِنا
تقاصرَتِ الريحُ عن منكبيك َ
أمانا بعدلِك سمحَ المحيّا
عشياتُك العمرُ كم شِمتُها
تسابيحَ تُسكِنُ شَعثَ التَخوُّفِ
بين اقترابِك والمُنحنى
وأعددتُ قبل الحضورِ التعاويذَ
أخشى عليكَ وأخشى غيابَكَ..
إني أعيذك ذاتَ الحنينِ بحرفِ السماواتِ:
لا تكُ إلا لدربي الأمانَ
ولا تكُ إلا لقلبي سَميّا
سيحتاجُكَ الصيفُ غيمَ المقيلِ
ويحتاجك الصحبُ فيءَ الضُحى
وتحتاجُك البيدُ غيما سخيّا”.
ورغم حضور الشعر بشكل جيد في أمسيات مهرجان جرش إلا أن الجمهور فضل الاصطفاف أمام الفندق بالمئات لاستقبال الفنانة نجوى كرم، فيما غاب عن حضور الفعاليات الشعرية. ورصدت “عمان” فتيات يبكين لأنهن لم يستطعن أخذ صورة تذكارية مع الفنانة نجوى كرم التي بدا أن لها شعبية كبيرة في الأردن. وكان الفندق الذي تقيم فيه وفود مهرجان جرش واجتماع اتحاد الكتاب العرب يشهد زحاما كبيرا قبيل خروج وعودة الفنانات اللاتي يقمن فيه.. فيما لقيت أغلب الفعاليات الثقافية حضورا شحيحا جدا عكس الحالة العامة التي تمر بها الأمة العربية.