سمير عواد -
الآن، وبعد مرور عام على إعلان المبادرة، لا يبدو أن الوضع تحسن، ولم تتحقق وعود القادة الأوروبيين، والجيل الجديد في أوروبا، في الطريق إلى الضياع، وهناك من يحذر من نتائج اجتماعية وسياسية مدمرة، تشبه ثورة ما يعرف باسم الربيع العربي. وأصبح خطر اتساع الهوة بين الشباب الأوروبي والنخبة السياسية، أكبر من السابق، والنتيجة اليوم عقيمة، وتراجع حماس القادة الأوروبيين لدفع هذه المبادرة، ودب اليأس في نفوس الشباب في أوروبا، وبدأ من يستطيع منهم، هجرة وطنه، وشدوا الرحال إلى بلدان أخرى في أوروبا وأبرزها ألمانيا وبريطانيا والنرويج. ومنهم من عاد إلى مقاعد الدراسة، لزيادة تحصيله العلمي، بانتظار تحسن الوضع في سوق التشغيل، والحصول على فرصة ذهبية تسنح للهجرة إلى أحد البلدان. أما الذين يشعرون باليأس، فقد تعلموا بسرعة العمل في مهن مثل البناء وبيع الخضروات وصيد الأسماك، وهم لم يفكروا يوما أن الوضع الاقتصادي المزري في بلدهم، سوف يدفعهم لمزاولة هذه الأعمال الشاقة.
واستنادا إلى إحصائيات نُشرت في السياق قبل مدة وجيزة، هناك ستة ملايين أوروبي تحت سن ال25 بدون وظيفة عمل، والبلدان الأكثر تضررا، هي التي مازالت ترزح تحت عبء الأزمة المالية العالمية، اهتزاز الثقة بالعملة الأوروبية الموحدة، وهي أسبانيا واليونان وإيطاليا، وكذلك دول جنوب أوروبا.
وقدم شباب أسبانيا الدليل على نقمتهم من النخبة السياسية في بلدهم، وفشلها في التغلب على تردي الوضع الاقتصادي، ووضع أفكار لمكافحة ظاهرة الباحثين عن عمل في أوساط الشباب. وهم اليوم نموذج لما يعاني منه الشباب في دول أخرى تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي.
وحوّلت المفوضية الأوروبية 620 مليون يورو إلى باريس، حيث يُفترض أن تسهم هذه الأموال في برامج مكافحة ظاهرة الباحثين عن عمل بين الشباب، حيث تبلغ نسبتها في فرنسا حوالي 25 %، وهي نسبة مماثلة لما هو قائم في بلدان أوروبية أخرى، وكلما اتجه المرء جنوبا، كلما زادت نسبة الشباب الباحث عن العمل هناك.
في الماضي كان المرء إذا التقى شبانا من بلدان أوروبية في برلين أولندن أوباريس، إما أتوا للسياحة أوللدراسة أوالتسوق، أما اليوم، تكثر اللغات الأسبانية والأوروبية والفرنسية في مقاهي برلين، لكن إما الشباب يعملون كنادلين ونادلات في المطاعم والمقاهي، أو يدرسون الألمانية في معهد اللغة، تمهيدا للعمل. وهكذا بدأت هجرة عمل من نوع آخر في أوروبا.
وتجدر الإشارة أن مازلو أندور المفوض الأوروبي لشؤون التشغيل والشؤون الاجتماعية والاندماج، أشاد بالحكومة الهولندية، لأنها استغلت هذه المبادرة بصورة يُحتذى بها على حد قوله. فمن المحتمل أن يستفيد نحو مليون شاب فرنسي من مبادرة تشغيل الشباب التي اقترحها قادة ورؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي، ونسبة كبيرة منهم، من أصول مهاجرة، لأن سوق العمل في فرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، لا يتسامح مع أبناء الأصول المهاجرة. وفي ألمانيا، هناك ظاهرة ملفتة للنظر، حيث إن نسبة عالية من الأتراك الذين أنهوا تعاليمهم وتدريبهم المهني في ألمانيا، عادوا إلى بلدهم الأصلي، وحصلوا على فرص عمل رائعة هناك.في نفس الوقت، يزيد عدد المسنين بين الألمان. وقال قادة أوروبا، أن ضمان تشغيل الشباب، في مقدمة أهدافهم التي وضعوها للمرحلة القادمة، وتنص هذه المبادرة على توفيرعرض للعمل إلى كل شاب بلا وظيفة عمل، يبلغ من العمر أقل من 25 عاما، وفي مدة أقصاها أربعة أشهر، وإذا تعثر ذلك، يمكنه الحصول على فرصة لتعلم مهنة أو التدرب على العمل.
وإلى جانب ستة مليارات اتفق قادة أوروبا عليها لتمويل مبادرة تشغيل الشباب، هناك ملياري يورو من بنك الاستثمار الأوروبي، ويقال أن قيمة أموال دعم المبادرة وصلت إلى تسعة مليارات يورو.
لكن ذلك لم يجد نفعا كما كان قادة أوروبا يأملون، وما زالت ظاهرة الباحثين عن عمل متفشية بين الشباب الأوروبي، ولم تنخفض نسبة الباحثين عن عمل بينهم. ووفقا لسلطات الإحصاء الأوروبية، بلغت نسبة الباحثين عن عمل بين الشباب الأوروبي لمن هم تحت سن 25 عاما، خلال شهر أبريل الماضي، إلى 23,5 %، بعدما كانت نسبتها في مارس، 23,6 %، وفي فبراير، 23,6%.
ومن المنتظر أن تصبح ألمانيا هدفا للشباب العاطل عن العمل في بلدان أوروبا، حيث نسبة العاطلين عن العمل بين الشباب الألمان، لا تتجاوز 7,9 %، وهي أدنى نسبة على مستوى أوروبا. وبحسب بيانات المفوضية الأوروبية في بروكسل، هناك اليوك 5,6 مليون شاب باحث عن العمل في أوروبا.
ودعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عند إعلان تمويل مبادرة تشغيل الشباب الأوروبي، إلى الحرص على حسن استخدام الأموال وقالت أن المسؤولية الآن ملقاة على عاتق الحكومات الوطنية، التي يجب أن لا تتأخر في استثمار هذه الأموال في الطريق الصحيح للتغلب على أزمة البحث عن عمل بين الشباب، وبحيث يشعر الشباب في أوروبا، أن الهدف من هذه الأموال، منحهم فرصة أفضل للحصول على وظيفة عمل، والأفضل أن يكون ذلك في أوطانهم.
لكن يبدو أن فرنسا فقط سمعت نصيحة المستشارة الألمانية، حيث هناك تحسن ملفت للنظر، لكن المشكلة كما يراها البعض، أنه ليس كافة دول الاتحاد الأوروبي تحصل على دعم مماثل لما حصلت عليه فرنسا، ولا يسمح الصندوق الأوروبي بدعم جميع الدول بنفس الحجم المالي. كما يشكو البعض من أن الحصول على دعم من بنك الاستثمار الأوروبي، يواجه عراقيل البيروقراطية الأوروبية.
وهناك من يبحث منهم عن طريق ثالث، وهو الهجرة إلى بلدان الهجرة التقليدية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.