د. ناصر الندابي -
الحكمة هي أغلى شيء يمكن أن يمنحه الله للإنسان بعد الإيمان والتحلّي بمكارم الأخلاق، وهي أمل كل الناجحين،فالحكمة هي ضالة المؤمن،فأينما وجدها فهو أولى بها،والحكمة هي رأس العلوم،فكما قيل:الملوك حكّام على الناس،والحكماء هم حكّام على الملوك.
وما من مجتمع تفشت فيه الحكمة إلا ساد المجتمعات وقاد الأمم.
هكذا كان –وما زال –المجتمع العماني عبر عصوره،وقد شهد لهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،حين وصف ما تميز به أهل عمان من الحكمة في التعامل مع الناس؛فقد قال عليه الصلاة والسلام يوما لرجل أرسله إلى قوم وقد ضربوه وشتموه:“لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ”.
وقد شهد عبدالملك بن مروان لأهل عمان بتلك الحكمة،إذ قال يوما لجلسائه:أخبروني عن حي من أحياء العرب فيهم أشد الناس،وأسخى الناس،وأخطب الناس،وأطوع الناس في قومه، وأحلم الناس وأحضرهم جوابا،قالوا يا أميرالمؤمنين ما نعرف هذه القبيلة ولكن ينبغي لها أن تكون من قريش قال:لا،فقالوا:ففي حمير وملوكها؟ قال:لا،قالوا ففي مضر؟قال:لا،قال: مصقلة بن رقية العبدي العماني:فهي إذا في ربيعة ونحن هم،قال:نعم.
ومما يروى عن الحكم العمانية قولهم:”عورة توارت وشجاعة ثارت”وقصتها كالآتي:يروى عن السلطان فيصل بن تركي انه قد وفد إليه شيوخ من آل وهيبة ليعزوه في مصابه بوالدته،فوافقوا أن رزق السلطان بمولود حديث،فأرادوا أن يجمعوا بين التعزية والتهنئة في جملة واحدة فبقوا يتداولون الحديث بينهم في ليلتهم،فلما دخلوا عليه قالوا:”كفيت المصيبة وهنئت بالطيبة،فرد عليهم من فوره:”عورة توارت وشجاعة ثارت”.
ومن الحكم العمانية أيضا:” اعرف طويتك فاقبض عني هديتك”وقصتها أنه كان رجل يدعى حمودة،أرسل إلى الشيخ نور الدين السالمي أربعمائة قرش،وقال:هذه هدية،وكان هذا الرجل مشهورا بالبخل،وبمعاملته بالربا ففهم الشيخ أنه يقصد من هذه الهدية شيئا،فقال لابنه الشيخ أبي بشير:احفظ هذه الدراهم حتى اطلبها منك،فجاء حمودة هذا بعد مدة هو وغريم له يختصمان عند الشيخ،فقال حمودة للشيخ: أنا حمودة يا شيخ،فقال الشيخ السالمي:أنت حمودة ،قال: نعم،فنادى الشيخ ولده أحضر الكراع بدراهمه فاحضره فقال حمودة هذه هديتك قبل كل شيء فقال:ما هذا يا شيخ لا تفضحني أنا ما اعطيتك إياها لأجل شيء قال: لكن أعرف طويتك فاقبض عني هديتك،واذهبا إلى غيري ليحكم بينكما .