فوزي بن يونس بن حديد -
abuadam-ajim4135@hotmail.com -
إذا أردت أن تختبر صبرك فقف في طابور طويل، أو انتظر إلى أن يأتي دورك، فسياسة الأدوار أصبحت هي الشائعة في كثير من المؤسسات الخدمية أينما ذهبت وحللت، قد تنتظر طويلا وقد يقصر انتظارك حسب الذين جاؤوا قبلك وأخذوا مواضعهم، وقل انتظروا إني معكم من المنتظرين، واصبر وما صبرك إلا بالله، هذا الانتظار يعتبره كثيرون مملّا ومضيّعا للوقت خاصة إذا كان المراجع في عجلة من أمره، والكل يصادفه هذا الوضع حتى في محلات البيع والشراء، خاصة في أيام رمضان حينما يزداد الازدحام وتمتد طوابير السيارات عدة كيلومترات فهل صبرك ينفد؟ أم أنك تستفيد من ساعات الانتظار ودقائقه؟
لو تفحّصت في وجوه المنتظرين ستجد أمامك ألوانا من التعامل مع الحدث، منهم من يتأفّف طوال انتظاره لأن لديه معاملات أخرى يريد تخليصها، ومنهم من يتفنّن في تضييع وقته مع هاتفه النقال، ومنهم من تصيبه غفوة من طول الانتظار وآخرون يتصفحون الجرائد التي بين أيديهم، لكن لا تجد من بين المنتظرين من يقرأ كتابا أو يستغل وقته في مفيد إلا من رحم ربك، وهو ما يخفّف حالة الاحتقان التي عليها المنتظر، فالدقيقة عنده تصبح ساعات ولكنها تسير بسرعة فائقة حينما ينتظره موعد آخر أو أراد أن يلتحق بمؤسسة أخرى مرتبطة بإنهاء معاملته هنا أولا.
فالإنسان كما وصفه القرآن الكريم خلق عجولا، يتعجل كل شيء، ولا يريد أن يسمع شيئا اسمه انتظار وصبر، وكأن الدنيا خلقت له ولم تخلق لغيره، لا يتحمّل الانتظار، يريد تخليص معاملته بسرعة حتى لو كان ذلك على حساب آخرين، ويريد أن يخلّص نفسه مما هو فيه بأسرع وقت ممكن، خاصة إذا وجد نفسه في طابور طويل، ويزداد احتقانه حينما لا يحصل على مراده في اليوم نفسه وحين يطلب منه الموظف مراجعته بعد يوم أو يومين لأن المعاملة ناقصة أو أنها تأخذ مزيدا من الوقت.
يبدو أننا لم نتعلم كيف ننتظر، فالانتظار ثقافة وتربية للنفس على الصبر والتحكم في الأعصاب، واستفادة من الوقت الضائع الذي يمر في كثير من الأحيان في ما لا يعني، بينما كان من الأفضل له استغلاله في القراءة والاطلاع فيستفيد من الجهتين، يستفيد معلومات تفيده في حياته وخبراته من جهة، ويستفيد كونه قد قضى وقته في شيء مفيد يثاب عليه من جهة أخرى، ومن هنا نكون قد حققنا صفة القراءة التي أمرنا بها ديننا الحنيف في قوله تعالى :»اقرأ»، ونزعنا من صدورنا عقدة التخلف التي وصمنا بها الغرب، ظن أنه وحده من يملك ناصية الثقافة والمطالعة، وما العربي إلا كتلة من اللحم والشحم لا يفقه ما يدور حوله همّه الاستمتاع بالحياة، وصفته الاستهلاك دون الإنتاج، همجيّ بطبعه لا يعرف النظام ولا يستغل وقته في ما يعود عليه بالنفع العام.
ولكن نستطيع أن نغيّر النظرة بالثقافة، والانتظار بالمطالعة، واستغلال الوقت بالمفيد من القول، حتى تكون مجتمعاتنا مثاليّة وتعطي الآخرين انطباعا جيدا عن تعاليم الإسلام السمحة التي جاء بها خير البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، ولتكون أمتنا الإسلامية خير أمة أخرجت للناس تعلّم الآخرين المبادئ والقيم لا أن تستوردها من جديد بعد أن فقدتها برهة من الزمن، استفاد منها الآخرون فتقدموا، وتركناها وراء ظهورنا فتخلفنا، ولا نستطيع أن نتقدم من جديد إلا إذا ركبنا الحضارة الإسلامية من منبعها الصحيح وطفنا بها حول العالم نعلنها صراحة أن الإسلام هو من أتى بهذه القيم الرصينة والأخلاق الرفيعة والمبادئ النبيلة، فهل يتحقق الأمل رغم الألم؟ وهل ينتبه العربي إلى مجموع الثقافات التي كانت سائدة في العهد النبوي الأول واستفاد غيرنا منها وصار هو في المقدمة؟