د. فاطمة بنت أنور اللواتية –
umjannah@gmail.com
تشهد السلطنة عقد العديد من المؤتمرات والندوات والكثير من الفعاليات الأخرى في مجالات مختلفة. هذه الفعاليات المختلفة تصاحبها عادة العديد من الأنشطة مثل الدورات التدريبية وزيارات مسؤولين لدول أخرى واستقبال وفود دول عربية وأجنبية من أجل الاستفادة من تجاربهم. وكلما لمسنا ضعفا في مجال من المجالات الحياتية عقدنا له مؤتمراً أو ندوة. فمثلا لتشجيع المواطنين وخصوصا التجار الصغار عُقدت بتوجيهات سامية من صاحب الجلالة ندوة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سيح الشامخات في ولاية بهلا خلال الفترة 21-23 يناير 2013م حيث أقرت عددٌ من القرارات. وقبل شهر تقريبا عقد مؤتمر ومعرض عمان للصحة بمركز عمان الدولي للمعارض. وفي العام الماضي وبعد ظهور نتائج الاختبارات الدولية للرياضيات والعلوم أُقيمت ندوة حول تلك النتائج تحت عنوان «ندوة مناقشة نتائج الدراسات الدولية 2011 (TIMSS) وPIRLS) 2011)» لمناقشة ووضع حلول لنتائج تلك الاختبارات الدولية. وها نحن الآن انتهينا قبل أيام من ندوة في مجال التعليم: ندوة التعليم في سلطنة عمان- الطريق إلى المستقبل. فجميع هذه الندوات والمؤتمرات والوفود والفعاليات التربوية والتعليمية والسياحية والصحية في المجال التربوي والصحي والاقتصادي والمالي- جميعها تهدف حسب ما هو ظاهر إلى تغيير وضعنا الحالي إلى وضع أفضل.
عملية التغيير عملية جوهرية في حياة البشر وبسبب الرغبة الطموحة إلى حياة أفضل تجد أن البشر يفكرون ويعملون من أجل الوصول إلى المبتغى والمراد. إن الفكرة التغييرية الطموحة التي توجه هم المواطن والمسؤول نحو عملية التغيير بعيدة المدى التي تشمل الوطن بأكمله والمواطنين بأجيالهم الحاضرة والقادمة هي فكرة سامية بسمو العقل الذي يخطط لها ويعمل من أجلها وهي مطلوبة في ظل الظروف والأوضاع العالمية. وهذا ما نشهده عبر المحاولات الإنسانية وعملهم الدؤوب واختراعاتهم المختلفة لتطوير وتغيير حياة الإنسان وعالمه بجميع أبعاده نحو الأفضل.
والتغيير بشكل عام كفكرة يأخذ مسالك مختلفة فمنها ما يتحقق بأسلوب أخلاقي راق ومنها ما يتخذ أساليب تبريرية ووسائل ملتوية أحيانا للوصول إلى هدف يخدم فئة أو مجموعة ما من الأفراد.
والتغيير أيضا بمفهومه العام له مسالك مختلفة من حيث الاتجاهات لذلك فإن الخط البياني للعملية التغييرية لا يأخذ اتجاها تصاعديا فقط وإنما يسير في كلا الاتجاهين التصاعدي والتنازلي. وهذه هي الحقيقة التي لا ندركها أو لا نرغب بإدراكها حينما نسأل: «لماذا لا يوجد هناك أي تغيير؟!!
الكثير منا يكرر هذه العبارة وهو «أننا بعد كل تلك المؤتمرات والندوات والجهود المختلفة ما زلنا كما كنا لم نتغير نحو الأفضل»، فما الفائدة التي نجنيها من الأموال الطائلة التي تصرف والجهود التي تبذل؟ كيف يمكن أن يتحقق التغيير المطلوب؟ هذه المناشدات والتساؤلات تكشف عن رغبه جامحة لإحداث تغيير إيجابي ملموس. لكن واقع الحال أن التغيير بشكله العام حادث لا محالة في النهاية بغض النظر عن الرغبة او عدم الرغبة في ذلك. فهناك عدة حقائق بحاجة إلى المزيد من التوضيح:
أولا: إننا نتغير، لأن التغيير سنة كونية وبالتالي فعملية التغيير تحدث لكن إذا لم يحدث التغيير نحو المنحى التصاعدي فإنه يأخذ منحى تنازليا وبالتالي يصبح تغييرا سلبيا.
ثانيا: التغيير الذي يحدث في بعض مناحي الحياة يمكن ملاحظته بسهولة إلا أن هناك من التغييرات الحادثة في الحياة الاجتماعية لا يمكن أن يلاحظها الفرد أو لا يعتبرها تغييرا أساسا لعدم تلمس نتائجها المادية.
ثالثا: البنية الاجتماعية تتكون من عدد من المكونات فالتغيير قد يصيب بعضا من هذه المكونات بطريقة إيجابية وقد يصيب البعض الآخر بشكل سلبي. هذه الحقائق تثبت أن التغيير يحصل في المجتمعات البشرية بغض النظر عن نتائجها إن كانت ملموسة أم لا أو كانت ايجابية أم لا.
لقد عبر أحد الكتاب مقربا فكرة التغيير بحركة الماء الذي تحت قدمينا حينما نقف في بحيرة أو جدول ماء والتي رغم عدم إحساسنا بحركة الماء فيها إلا أنه متحرك ومتغير وغير ثابت. ونحن كشعب عرفنا الأفلاج والوديان نستطيع إدراك أن الماء الذي يجري تحت قدمينا في تلك الأفلاج أو الوديان حتي في حالة شبه الجمود الذي نلاحظه في بعض المواقع فهو في الواقع متغير. وإذا بقي الماء على حاله في نفس محله فإنه يتغير ولكن إلى مستنقعات وهنا أيضا فهو يتغير من حال إلى أخرى. وهذه هي سنة الحياة فالتغيير إما أن يأخذ منحى إيجابيا فيتحول إلى صفاء وجمال وتنمية وازدهار أو يأخذ منحى سلبيا فيتحول إلى عكس كل ذلك.
وتغير الماء على سبيل المثال إلى الحالة السالبة يعود إلى عدد من العوامل الجوية أو بسبب ضعف منبعه أو مصدره الذي يبطئ حركة سير الماء ثم تتحول تلك المياه إلى مياه راكدة حينما تنقطع عن المصدر الذي يمدها بالحياة والتجدد. فكل ماهو جديد وبديع قد يتحول إلى قديم ومتعفن إذا انقطع عنه مصدر ومنبع تجدده وتغيره نحو الأفضل.
إننا نشهد في مؤسساتنا الإجتماعية والثفاقية والتعليمية والصحية وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة تغييرا لكنه ليس في المسار المطلوب وهذا بسبب الركود أو عدم قوة الدافع التي تحرك الراكد منه وتجدد القديم منه لجعله في حلة جديدة. فالتغيير الحاصل ليس ذلك التغيير الإيجابي الملموس في جميع مناحي الحياة والذي يختلف نوعا ودرجة عن التغيير غير الملموس. وتجاه هذا النوع من التغيير تتزايد مطالبات العمل من أجل الرقي بالبلد ومحاسبة المفسدين والفاسدين ومطالبة المسؤولين بأن يبروا بقسمهم.
قبل عدة أيام حدثت قصة طريفة مع مسؤول في إحدى الفعاليات حينما قام شاب سائلا ذلك المسؤول بعد محاضرته النظرية التي استعرضت أعماله سائلا: متى ستستقيل؟.
هذا نوع من التغيير الحادث في حياتنا والذي بدأنا نشهده ومن أجل ذلك…نأمل في إعادة النظر!.