في زاوية أقلام كتب عدلي صادق، مقالا بعنوان: مدارات – تربية مارقة، جاء فيه: في مطلع هذا الأسبوع، أغلقت وكالة التعليم البريطانية عدداً من المدارس التي يديرها إسلامويون من أهل الغلو في الدين.
ولم يُذكر شيء في الإعلام العربي، عن خلفية قرار الوكالة البريطانية.
ولأن بريطانيا ذات آثام تاريخية وإرث استعماري، فإن السياق أوحى بالتعدي على خصوصية المسلمين من منطلق الكراهية لهم، ونقطة على السطر.
غير أن الأمر ليس على هذا النحو، لأن هناك، في القارة الأوروبية، شئنا أم أبينا، استغلالا أصوليا متطرفا لهامش الحرية واحترام الخصوصيات الثقافية.
وفي خضم أحداث سوريا والعراق، على صعيدها «الداعشي» تنبه الغرب لأصل البلاء، وجاءت في هذا السياق، حكاية المدارس التي أغلقت في بريطانيا.
واللافت أن المرجعيات الإسلامية المستنيرة، لا تكلف نفسها مشقة الخوض في موضوعات التطرف وأنماط التربية المارقة، طالما أنها بعيدة عن حاراتها.
وتستنكف عن أي نطق، مراكز الفتوى والإرشاد والمتابعات الفقهية لأحداث الساعة.
وعندئذٍ لا تغذية للوعي الديني العام للمسلمين على مستويي الناشئة والواعظين.
هذه المراكز والمرجعيات، أدمنت الرياء والبحبوحة والمكوث في الهوامش الواسعة لخصوصياتها الفقهية، ولا تتصدى لظاهرة مسيئة لصورة ديننا السمح، ولحياة المسلمين.
لقد غطت الصحافة البريطانية، بمهنية عالية، واقعة إغلاق بعض المدارس في بريطانيا، واستمعت إلى شهادات أخصائيين اجتماعيين وأعضاء الهيئات التدريسية، وتأكد أن بعض المتكلمين المعتوهين، يعلّمون الصغار في سن السادسة، كيف يهتفون ضد المسيحيين، بينما الأوجب، في بلاد كهذه، الإعلاء من شأن قيم التعايش والمساواة والعدالة وعدم التمييز.
واستُنطق أحد الأطفال – حسب صحيفة «صاندي تايمز» – فتدفق باستذكار محفوظاته التي لقنها له معلمون معتوهون: المرأة البيضاء داعرة، والمسيحيون كفار.
وأرسلت الوكالة التي تصرف على تلك المدارس، تطالب القائمين على العملية التعليمية فيها، بتصحيح منطقهم، ونبهتهم إلى أن عملية التوعية التي يقومون بها غير متوازنة وتخالف قيم التسامح الإنساني والتعايش بين المواطنين ومحددات الدستور.
لكن المدارس لم تغير ولم تبدل، وعندما مضت في نهجها، أوقعت خلافاً كبيراً بين وكالة التعليم ذات الموازنة الهائلة (54 مليار جنيه إسترليني سنوياً) ووزارة الداخلية، حول أحقية أيٍ منهما الأجدر بمعالجة الموضوع.
فقد رأت الداخلية، في الصبر على مدارس من هذه الشاكلة، صبراً على مستنبت للبغضاء بين الناس وللإرهاب الأعمى مستقبلاً.
أما وكالة التعليم، فقد آثرت الصبر الجميل والنصح وتشديد الضوابط.
ولم ينكشف الموضوع كله، إلا عندما اضطر مايكل غوف، السكرتير العام لوكالة التعليم الحكومي (وزير الدولة للتعليم) للاعتذار من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، عن التوبيخ العلني لزميلته وزيرة الداخلية تيريزا ماري ماي، بسبب هذا الموضوع.
المفارقة، أن المتطرفين في بريطانيا، في نهج حياتهم القبيح المُسيء للإسلام وللمسلمين، لا يكلفون أنفسهم عناء المقارنة بين الأوضاع في بلدانهم الأصلية وما يُتاح لهم في الغرب.
وكأنهم غائبون عن الوعي لا يقرأون ولا يتابعون.
فقبل أيام حكم القضاء الاسكتلندي، لصالح مواطن من أصل هندي من السيخ، رفع دعوة ضد رب العمل لأنه ابتسم بسخرية ظاهرة، وتمتم بكلمات لم يسمعها الهندي، تعليقاً على لفافة الرأس التي يرتديها، وأوقعت المحكمة غرامة مالية ثقيلة على المدان بالازدراء.
نعم إن البريطانيين ذوو إرث إمبريالي، لكن لديهم قوانين ومحاكم نافذة القرارات تنحني لها كل الهامات، ودستور يلتزمون به.
ولا نميل إلى نظرية المؤامرة، ونقول إن الحرية التي تمتع بها الإسلاميون في بريطانيا، كانت ملعوبة لغايات الفتنة الإمبريالية.
فلا منطق في هذه النظرية لأن ما فينا يكفينا ولا نحتاج إلى متآمرين على هذا الصعيد.
إن هؤلاء الدواعش من طائفتي السُنة والشيعة، يُعلّمون الصغار في المدارس، الكراهية وكيف يستعدون ليوم النفير وللفرقانات وللغزوات ذات القفزات في الهواء، ويستعذبون أسلوب التغالظ مع الناس ومع أنفسهم.
فقد انتشر الإسلام بأخلاق المسلمين وليس بسيوفهم.
أما عندما تتردى ثقافة الحياة والاجتماع الإنساني، وتُمتشق المتفجرات التي هي سيوف اليوم، فإن نكبة فادحة تحل بالمسلمين، وتضعهم بالجملة، في دائرة الاشتباه والدفاع عن النفس دون ذنب اقترفوه!