نوافـذ – تخوين الوطن

أحمد بن سالم الفلاحي -

Dreemlife11@yahoo.com -

تستوقفني بين فترة وأخرى بعض الأطروحات التي يكتبها عدد من شباب هذا الوطن، وهي الأطروحات والمناقشات التي يغالي فيها هؤلاء في الحكم على مجموع الجهود التي يبذلها الآخرون، حيث تصل هذه المغالاة إلى تصويب سهام «التخوين»، وعدم الاخلاص، والتمرغ في وحل النفاق الوظيفي، والعمل على تضخيم المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، تأتي هذه الأحكام في حق الآخرين من قبل هؤلاء الكتاب دون أن تكون لهم دراية كاملة بحقائق الأمور، ودون أن يطلعوا على نوايا هؤلاء العاملين، في موقف من مواقف الامتحانات الصعبة التي يكون عليها المتعاطي مع الكلمة، فالكلمة مسؤولية دينية، ومسؤولية أخلاقية، ومسؤولية مجتمعية، ومسؤولية وطنية، وهناك تشديد كبير في مسؤولية الكلمة، (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، أن تصيبوا قوما بجهالة، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، فالمسألة أكبر بكثير من التبجح بكتابة مقالة عن الجهة الفلانية، أوالشخصية الفلانية، كنوع من «إلقاء القيء» على أرصفة المارة، ومن ثم تنتهي القضية، المسألة فيها سؤال عن حقيقة ما كتبت، وان لم يسألك البشر اليوم وفقا لقانون منظم لهذه المسألة، فأنت قريبا أمام سؤال كبير: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:”وهل يكب الناس على وجوههم في نار جهنم إلا حصائد السنتهم”، لن تجد له إجابة قاطعة حينها لأنك لم تطلع على خفايا الأمور، وحقائق المعرفة.

اليوم، وحسب ما أقرا، في كثير – للأسف من اللعب بالكلمات – توجه إلى أعضاء مجلس الشورى على وجه الخصوص الكثير من التهم المجازف في القائها، هذا بخلاف التهم المباشرة الموجهة إلى كثير من كبار المسؤولين في الدولة، وكأن هؤلاء المتلاعبين بالكلمات ليست لهم أخطاء، ولعمرهم طوال سني أعمارهم لم يرتكبوا خطأ واحدا يحاسبهم عليه القانون، في الوقت أن مخالفة أية قاعدة، على سبيل المثال، من قواعد المرور تعد جريمة يحاسب عليها القانون، فهل هناك من يستطيع أن يؤكد انه لم يخالف ولا مرة واحدة شيئا من قواعد المرور؟ إذن ما دام الأمر كذلك فالصمت أولى، لأن الجميع واقع تحت وطأة المخالفات مع سبق الاصرار والترصد.

وعودة إلى التقليل من شأن الجهد الذي يبذله أصحاب السعادة في مجلس الشورى، أقول ان النظرة النمطية السائدة لدى عدد كبير من المواطنين تجاه هؤلاء الرجال يجب أن يعاد النظر فيها، لأنه لا يساورنا أدنى شك في إخلاص هؤلاء الاعضاء، وفي تفانيهم، وفي حرصهم على مصالح الوطن العزيز، يبذلون جهودا مقدرة، ويتعاطون مع المسألة الوطنية بكل جهد صادق، وبكل نية خالصة، نقرأ لهم ذلك من خلال مداولاتهم المستمرة طوال أدوار الانعقاد السنوي المتتالية، والتي تقطع اليوم تجربتهم الوطنية سبع فترات ناجحة، وتكفي الاشادة السامية لهم بذلك، وهي تاج على رأس هذه الجهود الصادقة في حق الوطن ومن يعيش فيه، وبالتالي يصبح من الظلم فعلا أن تقزم جهودهم، بمثل هذه الكتابات والتي لا تصنف أكثر من انها كلمة حق يراد بها باطل، وما ينطبق على التهم الموجهة إليهم ينطبق على التهم الموجهة إلى كبار المسؤولين في الدولة، مع اليقين أبدا والإيمان المطلق في قول الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء مرفوعا إليه، فقد أخرجه أبو نُعَيْم والحاكم وابن مَنْدَه عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ: « إن الله لا يَجمع هذه الأمة على ضلالة أبدًا، وإن يد الله مع الجماعة، فاتَّبعوا السواد الأعظم، فإنه مَن شذَّ شذ في النار» وكذا أخرجه التِّرمذي، وأخرجه أيضاً ابن ماجة والدَّارَقُطْنِيُّ عن أنس مرفوعًا، كما جاء في بعض المصادر.