حاربوه بسبب موقفه من الإسلام

سمير عواد -

samirawad01@yahoo.de -

انعكست صحة كريستيان فولف رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية السابق، على الفترات والمراحل الصعبة التي مر بها، خلال صراعه المرير والمستميت مع وسائل الإعلام الألمانية المناهضة له، بعد أن بدأت حملة مركزة ضده لتجريده من منصبه وشرفه. فقد كان ناصع الوجه عندما كان يشغل منصب رئيس الحكومة المحلية لولاية سكسونيا السفلى خلال الفترة من 2003- 2010، ثم بدأت مشكلاته بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية الألمانية بتاريخ 30 يونيو 2010، ورضي حينها باقتراح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي رأت أنه الرجل المناسب ليخلف رئيس الجمهورية المستقيل هورست كولر، لكن المطلعين في برلين، كانوا يعرفون أن هدف ميركل الخفي، كان إبعاد فولف المولود في عام 1959 وكان في تلك الفترة صاحب شعبية واسعة في ألمانيا، عن منافستها على منصبها.

كان فولف أصغر من استلم أعلى منصب في الجمهورية الألمانية، وبعد أن اعتاد الألمان على أن يكون رئيس ألمانيا رجلا طاعنا في السن وإلى جانبه امرأة أولى عجوز، جاء إلى قصر الرئاسة «بيلفيو» في برلين، زوجان شابان، واستعادت ألمانيا شبابها الضائع.

وقبل أيام قدم للصحافة في برلين، كتابه الذي يحمل عنوان «من القمة إلى الحضيض» والذي يُعتبر، وجهة نظره تجاه ما تعرض له خلال وبعد تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية، وبرأي العديد من المتتبعين العرب والمسلمين، دفع فولف الثمن باهظاً، وحاربته وسائل الإعلام خاصة المتعاطفة مع إسرائيل، وأبرزها دار النشر «أكسل شبرنجر» التي تصدر عنها صحف «بيلد» و»دي فيلت» ومجلة «دير شبيغل»، لأنه قال عبارة هزت معسكر المحافظين الألمان، وكذلك معسكر المتعاطفين مع إسرائيل، وكانت العبارة التي كان فولف أول مسؤول ألماني كبير يقولها وكان في كلمته إلى الشعب الألماني بمناسبة الذكرى العشرين لاستعادة ألمانيا وحدتها «لقد أصبح الإسلام جزءاً من ألمانيا».

وكان فولف قبل ذلك، أول رئيس حكومة عيّن امرأة مسلمة من أصل تركي، في منصب وزير بحكومة ولاية سكسونيا السفلى.

ويقول فولف في كتابه «من القمة إلى الحضيض» انه كان يعتقد في نهاية يناير 2012 أنه اجتاز أسوأ مرحلة في حياته، ولم يعد أمام صحيفة «بيلد» التي قادت الحملة ضده، شيئا لتقوله، بعد أن كانت تستغل كل معلومة لتجعل منها قنبلة إعلامية، وبدأت بالقول أن فولف اشترى منزلا في مدينة «بورغز فيدل» بالقرب من هانوفر، مقابل خمسمائة ألف يورو، كان قد استدان المبلغ من صديق وزوجته، واستغلت الصحيفة تغاضي فولف عن ذكر ذلك عندما استجوبه برلمان ولاية سكسونيا السفلى، وراحت لعدة أيام تتساءل عن أسباب هذه الصداقة، وما إذا قدم فولف خدمات سياسية لصديقه وزوجته، إلى أن أعلن فولف أنه يعتذر عن كتمان ذلك عن البرلمان، ثم قال انه حصل على القرض من صديق مقرب وليس هناك ما يتعارض مع ذلك، ثم لقاء فائدة بسيطة. وفي مقابلة تلفزيونية تمت لاحقا قال فولف انه يريد أن يعيش في بلد، ليس محظورا فيه أن يستدين سياسي من صديق مقرب.

لكن فولف كان مخطئا في ظنه، أن صحيفة «بيلد» نفذت منها المعلومات التي هدفها إجباره على الاستقالة. وسرت شائعات بأن زوجته «بتينا» كانت بائعة هوى، قبل أن تعرفت عليه، وأصبح المرء عندما ينقر على خدمة البحث «غوغل» على اسم بتينا فولف، كانت المعلومات عن اتهامها ترد أولا، إلى أن كسبت معركة قانونية ضد «غوغل» لشطب هذه الاتهامات. وتجدر الإشارة أن بتينا فولف، انفصلت عن زوجها، بعد فترة وجيزة على استقالته من منصبه، ونشرت كتابا تحدثت فيه عن حياتها معه، ولم يكن برأي الكثيرين، معينا لفولف في صراعه المرير مع الإعلام المتحامل عليه، وأنجبت طفلا منه ولها طفل من علاقة سابقة وتعيش اليوم مع رجل آخر، وتربطها مع فولف علاقة صداقة، حيث يرعيان طفليهما، علما أن لفولف ابنة بالغة من زوجته الأولى.

ولعل أبرز ما في كتابه، أن فولف، حذر من أن ما تعرض له من حملة إعلامية شرسة، إذا ما تحولت إلى مسألة روتينية وسلاح بيد الذين يتحكمون بوسائل الإعلام في ألمانيا، يهدد الديمقراطية، بمعنى أنه يمكن التخلص من أي سياسي، إذا برأيها تبنى موقفا لا يناسبها، مثل الموقف الذي أعلنه فولف ولا يزال يتمسك به، حيال الإسلام في ألمانيا، والذي يراه أنه الديانة الثالثة بعد المسيحية واليهودية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من ألمانيا. وإلى اليوم، يكن المهاجرون الأتراك خاصة وكافة المسلمين من عرب وغيرهم، احتراما كبيرا لفولف، لأنه أعطى الإسلام في ألمانيا المكانة التي يستحقها، وفي الواقع الإسلام الديانة الثانية في ألمانيا بعد المسيحية وقبل اليهودية نسبة لأعداد المسلمين المتزايدة، فهناك أربعة ملايين مسلم، غالبيتهم من الأتراك، استفادوا من ألمانيا وأفادوها، وأصبحت موطنهم.

وأشار فولف خلال المؤتمر الصحفي إلى أن كل ما قيل عنه قبل محاكمته كان مجرد شكوك، لكن وسائل الإعلام الألمانية اعتبرتها أدلة وأدانته قبل المحاكمة.

وأشار إلى أنه قرر التنحي عن منصب رئيس الجمهورية بتاريخ 17 فبراير 2012 بعدما أعلن المدعي العام بهانوفر أنه قرر رفع دعوى ضد الرئيس الألماني واتهمه باستغلال مناصبه السياسية للمنفعة الشخصية، وقال فولف: إن المدعي العام في هانوفر، جمع المعلومات التي تضمنتها صحيفة الاتهام من الصحف الألمانية التي كانت تقود الحملة ضده. وأعرب الرئيس الألماني السابق عن حزنه العميق لتخلي رفاقه السياسيين في محنته وأنهم علاوة عن الدفاع عنه كانوا يدلون بتصريحات ويتهربون من ذكر اسمائهم ويطالبونه بالتنحي عن منصبه. ورفض فولف عرض المحكمة بأن يدفع عشرين ألف يورو غرامة، مقابل إغلاق ملف الدعوى، لكنه رفض بشدة وقال إنه يريد إثبات براءته أمام القاضي. وشاهد الألمان مباشرة على الهواء فولف في طريقه إلى قاعة المحكمة، في اليوم الذي تم الإعلان فيه عن براءته، وأنب القاضي المدعي العام لأنه وضع صحيفة الاتهام بناء على معلومات من الصحافة، وقال المدعي العام انه سيستأنف لقناعته أن فولف مذنب. لكن قبل أن يقدم فولف كتابه إلى الصحافة في برلين، تراجع المدعي العام، لعدم وجود أدلة لديه، عن استئناف القضية وبذلك حصل فولف على براءته مائة بالمائة، وهو اليوم حر، لكن بعدما دفع الثمن باهظا.

لكن ماذا عن المستقبل، فالرئيس الألماني السابق ما زال يبلغ 55 عاما من العمر، ولكنه يرتبط بعلاقات وطيدة مع شخصيات في العالم الإسلامي، ولذلك هناك من اقترح تعيينه وسيطا بين الحضارات.