مذابح جماعية ومواجهات طائفية وشائعات وأكاذيب -
اكتسب تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام شهرة واسعة وأهمية كبيرة على المستوى الاقليمي والدولي منذ بداية المواجهات بينه وبين النظام السوري ثم أخيراً محاولاته غزو مدن ومحافظات عراقية والاستيلاء عليها، وتردد انباء عن اقامة مذابح جماعية بعد هروب الجيش العراقي من الموصل وغيرها امام داعش، ثم تردد انباء اخرى عن استمرار تقدم افراد التنظيم المسلح الذي يمتلك امكانيات جيش كامل الى المزيد من الأراضي العراقية وقرب وصولهم الى بغداد…
ولم تكن المنطقة بحاجة إلى المزيد من التوتر ففيها مايكفيها ويزيد، زيف الدم في سوريا لا يتوقف، ولم يكن قد توقف في العراق منذ سنوات طويلة، والمشاكل الطائفية تزداد تعقيداً مع استمرار التدخلات الخارجية سواء من القوى الدولية أو من بعض الدول المجاورة…
ويوم بعد يوم تطيّر المواقع والوكالات ومحطات التلفزيون صور ومشاهد فيديو لعمليات اعدام جماعي، يرتكبها تنظيم داعش ونزوح جماعي في المقابل للسكان العراقيين في المدن التي دخلها جيش داعش، وفي الخلفية تتناثر بعض الاخبار عن سيطرة شبه كاملة لهم على مقاليد الحكم وادارة المدن التي احتلوها، وأخبار أخرى عن وجود حالة من الرضا بين السنة العراقيين، بل ان هناك من بلغ به الخيال حد ان يؤكد وجود علاقة تجمع بين داعش وقيادات المقاومة العراقية التي يتردد أن قائدها هو عزت الدوري احد أهم قيادات نظام صدام حسين.
لا أحد يتفق حتى الان على وجود جهة معينة تدعم وتمول هذا التنظيم ، ليس ثمة دليل يمكن من خلاله معرفة ذلك… تاريخ التنظيم منذ بداية تكونه يبدو وكانه تطور طبيعي لتكوينات أنظمة اسلامية مسلحة ولدت وترعرعت في العراق منذ بداية الفوضى وسقوط بغداد.
تدرج تنظيم (داعش) في عدة مراحل قبل ان يصل الى ما هو عليه اليوم، فبعد تشكيل جماعة التوحيد والجهاد بزعامة ابي مصعب الزرقاوي في عام 2004، تلي ذلك مبايعته لزعيم تنظيم القاعدة السابق اسامة بن لادن ليصبح تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. وكثف التنظيم من عملياته إلى ان اصبح واحدا من اقوى التنظيمات في الساحة العراقية وبدأ يبسط نفوذه على مناطق واسعة من العراق إلى ان خرج الزرقاوي على الملأ عام 2006 في شريط مصور معلنا عن تشكيل مجلس شورى المجاهدين بزعامة عبدالله رشيد البغدادي، وبعد مقتل الزرقاوي في الشهر عينه، جرى انتخاب ابي حمزة المهاجر زعيما للتنظيم. وفي نهاية السنة، تم تشكيل دولة العراق الاسلامية بزعامة ابي عمر البغدادي.
وفي 19 ابريل 2010 قتلت القوات الامريكية والعراقية ابي عمر البغدادي وأبي حمزة المهاجر.
وبعد حوالي عشرة ايام، انعقد مجلس شورى الدولة ليختار ابي بكر البغداداي خليفة له والناصر لدين الله سليمان وزيراً للحرب.
وفي تاريخ التاسع من ابريل سنة 2011، ظهر تسجيل صوتي منسوب لابي بكر البغدادي يعلن فيها ان جبهة (النصرة) في سوريا هي امتداد لدولة العراق الاسلامية، واعلن فيها إلغاء اسمي (جبهة النصرة) و(دولة العراق الاسلامية) تحت مسمى واحد وهو (الدولة الاسلامية في العراق والشام)، لكن (جبهة النصرة) رفضت الالتحاق بهذا الكيان الجديد.
اختلفت التقديرات لأعداد مقاتلي داعش وعلى سبيل المثال يقدر تشارلز ليستر الباحث في مركز (بروكينجز) في الدوحة عددهم (داعش) في سوريا بما بين ستة وسبعة آلاف، وفي العراق بما بين خمسة وستة آلاف لكن لا أحد حتى الآن يمكنه التأكد من الارقام الحقيقية، الا أن التنظيم يمتلك العديد من الدباباتو الصواريخ والسيارات المصفحةو السيارات الرباعية الدفع والأسلحة المتنوعة التي حصل عليها من الجيش العراقي والجيش السوري وغيرهما.
كم دولة وكيان يهددها تنظيم داعش ..؟
يبدو أن الاجابة ستكون طويلة قليلاً لأن التنظيم بالفعل يهدد كل الدول والكيانات القريبة منه والبعيدة أيضاً، فهو يهدد بشكل مباشر ايران وتركيا وسوريا بالطبع والعراق اللذين يحتل اجزاء منهما ،وأمريكا التي لا يزال لها وجود عسكري واقتصادي بالعراق، ولبنان والكويت اضافة الى باقي دول المنطقة.
التهديدات كانت مباشرة بحق رعايا من تلك الدول، فقد قام التنظيم بخطف العشرات من الرعايا الاجانب بالعراق منهم اتراك، فقد تردد انهم خطفوا 80 مواطنا تركيا في الموصل بينهم دبلوماسيون وافراد من القوات الخاصة التركية، بالاضافة الى تواتر انباء عن خطف عمال اتراك هذا بالاضافة الى الخطر الاكبر عند الحدود العراقية التركية وان كان وجود الاكراد يصعّب على التنظيم الاسلامي مهمته في احداث قلق كبير هناك، لكن المسألة تبدو مختلفة مع الجار الايراني الذي أخذ المسألة بجدية منذ استفحال نفوذ داعش وربما يدخل طرفاً في الحرب عليها، حتى ان الادارة الامريكية قالت رسميا انها سترتب مع الايرانيين الاستعداد لخطر داعش، ورغم النفي الايراني الرسمي لذلك لكن تبقى المسألة قيد التنفيذ في الفترة القادمة.
لكن الآن ما زالت الابصار متجهة الى الولايات المتحدة الامريكية، ليس فقط باعتبارها في المواجهة مع داعش مثل باقي الاطراف ولكن لأنها ايضاً متهمة بتمويل ودعم عدد غير قليل من الجهاديين منذ الحرب في افغانستان، وفي نفس الوقت يرى مراقبون انها لم تتعامل مع الامر بجدية كما يستحق ، الا انها فيما يبدو امام اربعة خيارات ، إذا أرادت أن تساعد في إنهاء الأزمة ، المتمثلة في إحراز تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش) لانتصارات متتالية بالأراضي العراقية.
أول تلك الخيارات حسب شبكة سي ان ان، هو أن ترسل واشنطن قواتها للأراضي العراقية، وهو الحل الأكبر والأبسط، لفرض حالة من الاستقرار في العراق، التي أرهقتها الصراعات الطائفية منذ الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين، غير أن هذا الاختيار يبدو بعيدا في ظل رغبة واشنطن في البقاء بعيدة عن التدخل العسكري الكامل بالمنطقة.
وأشارت إلى أن الخيار الثاني يكمن في شن هجمات جوية مركز ومحدودة على مواقع داعش بالعراق، من أجل الحد من قدراتها التقدمية بالعراق، موضحة أن القوة الجوية الأمريكية أثبتت فعاليتها في مواقف مشابه بكوسوفو وليبيا.
وأكدت الخيار الثالث هو البقاء بعيدا عن مسرح الأحداث، مع تزويد الحكومة العراقية بمساعدات عسكرية إضافية، غير أن -من وجهة نظر الخبراء الأمريكيين- أن الوضع بالعراق لا يحتمل الانتظار مزيدا من الوقت، وهو الأمر الذي تحتاجه المساعدات الأمريكية لتحقيق مردود إيجابي بالأزمة القائمة.
الخيار الرابع هو محاولة الضغط على الحكومة العراقية من أجل دفع ما يسمى بالعملية السياسية، ومحاولة إيجاد حلول للفتنة بين الشيعة والسنة، مؤكدة أن إرجاع الموصل والمدن العراقية التي استطاعت داعش السيطرة عليهم -وهو انتصار بالطبع للحكومة العراقية- إلا أنه لن يحقق كامل الاستقرار ببلاد الرافدين
حرب الصور والمعلومات منذ الاعلان عن استيلاء داعش على الموصل واقترابها من بغداد وهناك نوعين من الصور تم بثها وترويجها بالحاح ، حتى صارت تنشر مع كل خبر حول ما يجري على ارض العراق، مجموعة الصور الاولى كانت للمخلفات والملابس العسكرية التي تركها جنود وقيادات الجيش العراقي وراءهم وهم يولون الادبار، إضافة الى عشرات التقارير التي امعنت في الحديث عن هذا الهروب الذي وصف بالمخجل خاصة وأن الجيش العراقي كان قبل سنوات احد اكبر الجيوش العربية ويوصف جنوده بالنشامى.
مجموعة الصور الأخرى مع الاخبار والتقارير التي راجت بشكل منقطع النظير كانت للمذابح التي قيل انها ارتكبتها داعش في حق العراقيين، بل ان هناك لقطات فيديو روجت على اوسع نطاق لهذه الجرائم منها مالم يقع على الارض العراقية من الاصل.
من هذه الصور والتقارير على سبيل المثال ما نشر عن عملية اعدام كبيرة نفذها التنظيم بحق 1700 طالب من طلبة كلية القوة الجوية في العراق، في مدينة تكريت واصفاً اياهم بالروافض، وتم نشر العديد من الصور للمذبحة كان مصدرها الاصلي الموقع الالكتروني للتنظيم، والتي اظهرت العشرات من المسلحين وهم يطلقون الرصاص باتجاه المئات من الشبان العراقيين الذين ظهروا بملابس مدنية وبعضهم من وضع يديه خلف رأسه وآخر ظهر مضرجاً بدمه.
هذا بالاضافة الى عشرات التقارير المصورة التي تتحدث عن المزيد والمزيد من المذابح، والكثير من الجثث التي تملأ الشوارع وسط تهليلات وتكبيرات افراد التنظيم الارهابي المسلح.
حتى أن روبرت روكفيل الناطق باسم نافي بيلاي، رئيسة مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قال أن التقديرات الأخيرة تؤكد سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى مضيفاً أن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق أجرت مقابلات مع عدد من الذين نزحوا من الموصل وعددهم 500 ألف.
التمويل
لا يزال التمويل سراً من أسرار داعش التي لم تكتشف بعد، وأغلب مايتردد مجرد تخمينات أو محاولات لقراءة الواقع دون وجود بيانات وارقام حقيقية، إلا ان الأكثر وضوحاً ان التنظيم ارتكب جرائم سرقة كبيرة منها سرقة عشرات الملايين من الدولارات من بنك الموصل في وقت سابق من العام الحالي، وفي تلك الفترة ذكرت مجلة فورين بوليسي الامريكية أن التنظيم بات يعتمد في تمويل عملياته علي الابتزاز والخطف والسطو علي البنوك، وغيرها من التكتيكات الأخرى الأكثر شيوعاً بين العصابات واشارت المجلة الأمريكية الى استخدام دااعش لأساليب المافيا في تمويل العمليات التي تقوم بها أكثر من اعتمادها علي التمويل الخارجي.
وقالت المجلة أن التنظيم تلقى في سنواته الأولى، مثل طالبان وغيره من المسلحين السنة، تردد ان معظم تمويله من المانحين الأثرياء في المنطقة ، يعتقد المسؤولون الأمريكيون في مكافحة الإرهاب أن داعش يمول الآن الجزء الأكبر من التجنيد، وشراء الأسلحة، والهجمات دون مساعدة خارجية.
ورأت المجلة أنه حتى لو أوقفت الولايات المتحدة وحلفائها على نحو ما ضخ الأموال إلى ساحات القتال في العراق وسوريا، فإنه سيكون قد فات الأوان لمنع داعش من الحصول ما يكفي من المال للقتال لسنوات.
ونقلت المجلة عن مسؤول أمريكي في مجال مكافحة الإرهاب قوله أن (الغالبية العظمى من أموالهم تأتي من أنشطة إجرامية مثل السطو على البنك والابتزاز والسرقات والتهريب)، مضيفاً (أنهم يحصلون على بعض المال من المانحين في الخارج، ولكن هذا تضاءل بالمقارنة بالتمويل الذاتي).
وذكرت المجلة الأمريكية أن حجم الأموال التي يمتلكها التنظيم الإرهابي مازال محل نقاش حاد بين المسؤولين في أجهزة المخابرات الغربية، إلا أن بعض المحللين يقدرون أموال التنظيم بنحو 500 مليون دولار، حصلوا عليها من عمليات السطو وتهريب النفط والابتزاز، بينما يري محللون آخرون أن الرقم أقل بكثير يقدر بنحو 100 إلي 200 مليون دولار.
أبو دعاء …الشيخ الشبح
(إبراهيم بن عواد بن ابراهيم البدري الرضوي الحسيني السامرائي) هذا هو الاسم الكامل لزعيم تنظيم (الدول الإسلامية في العراق والشام ) أو أبو بكر البغدادي الذي نشرت وزارة الداخلية العراقية أول صورة له في فبراير الماضي، وذاعت شهرته عندما رصدت الولايات المتححدة عام 2013 جائزة قدرها 10 ملايين دولار، لمن يساعد في قتل أو اعتقال البغدادي، المكنى بـ(أبو دعاء) وهي ثاني أعلى جائزة ترصدها وزارة الخارجية الأمريكية لرأس إرهابي بعد زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري وسبق وأن صنفته كإرهابي بموجب القرار التنفيذي رقم 13224
يقود (أبو دعاء) التنظيم السني الذي يسعى لإعادة الخلافة الإسلامية من العراق وحتى سوريا ومن ثم بقية الشرق الأوسط، ويعرف أيضاً بلقب (الشيخ الشبح) حيث إن القليلين للغاية من شاهدو وجهه، لأنه غالبا ما يرتدي وشاحا حتى لدى مخاطبة العناصر المقربة منه.
ويعتقد بأنه من مواليد عام 1971 في مدينة سامراء، شمالي العراق، ويحمل دكتوراه في الدراسات الإسلامية، بحسب ما نشرت مواقع تصنف على انها اسلامية .
أثناء الغزو الأمريكي للعراق،كان يعمل في أحد المساجد واعتقل لمدة 4 سنوات في معسكر بوكا الأمريكي جنوب العراق، ونجا من محاولة لتصفيته بغارة جوية عام 2005، وبعد أعوام من انضمامه الى صفوف جماعات القاعدة، تولى البغدادي قيادة تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) في 2010، وتحول التنظيم إلى (داعش) بإدخال كلمة (بلاد الشام ) إلى اسمه بعد اندماجه مع (جبهة النصرة) في سوريا.
عندما ذاعت شهرته في العالم ذكرت صحيفة (ديلي بيست) الأمريكية، أن البغدادي قال للجنود الأمريكيين أثناء إطلاق سراحه من معسكر (بوكا) عام 2009 ، (أراكم في نيويورك)، اعتبرها الجنود الأمريكيون كمزحة حينذاك، لكن مع تحركات التنظيم في العراق، بدأوا يراجعون كلماته بجدية.