«بوكو حرام» تعيد رسم الخارطة بالدم والبارود -
خالد الدخيل -
بينما تسابق دول العالم المتقدم الوقت وتدفع التاريخ دفعاً للأمام نحو بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وتكتب صفحات مضيئة بالإنجازات على المستوى الإنساني لتحتل مكانة بين الأمم المتحضرة..
في الوقت نفسه تسابق بعض الأمم الوقت ولكن في العودة للخلف، هذا ماينطبق على أكبر دولة إفريقية على الإطلاق، على مستوى السكان والمستوى الاقتصادي.. هي نيجيريا التي تواجه الآن دولة ومجتمعا تنامي نفوذ وقوة الجماعات الإسلامية المسلحة، وعلى رأسها تلك التي اشتهرت في العالم باسم “بوكو حرام”.
ويبدو أن الجماعات المصنفة باعتبارها إرهابية تتسابق بين بعضها البعض على لفت انتباه العالم الى ماتفعله، وتدخل مزايدات دامية على أعداد الضحايا الذين تستطيع قتلهم إما بالرصاص أو بالقنابل والحرائق، إلا أن بوكو حرام استحقت المركز الأول وتفردت بقيامها بخطف أكثر من 200 فتاة من المدرسة ولا يعرف أحد حتى الآن مصيرهن، كل ما يعرفه العالم وأهالي الفتيات ان الجماعة الارهابية هددت ببيع الفتيات كعبيد لمن يدفع..
وأن هؤلاء الفتيات الصغار المسيحيات تحولن إلى مسلمات الآن بعد أن ظهرن في فيديو بملابس محجبات ويقرأن القرآن أو يصلين… والمدافع في ظهورهن ليس هناك ما هو أسوأ من ذلك بالنسبة للدولة الأكبر والأغزر إنتاجاً للنفط في إفريقيا… التي ينقسم سكانها تقريباً بين مسيحيين ومسلمين…يقتسمون الدولة الكبيرة التي تحتل الغابات مساحة كبيرة منها، وتبتلع داخلها الكثير من الاسرار يتبادلون العنف والإرهاب… ويتنافسون على نيل الصدارة في اخبار القتل والانفجارات.
البداية.. ما بعد سبتمبر
يتفق المتابعون على أن البداية الفعلية لجماعة بوكو حرام كانت بعد أحداث 11 سبتمبر.. أما المؤسس فهو محمد يوسف الذي ولد في قرية فقيرة (غشو) تابعة لولاية يوبي شمال نيجيريا..
كان يوسف وحركته مثل التطور الطبيعي للمد الاسلامي في نيجيريا ، او حصاد مازرعه الاخوان المسلمون هناك، ففي منتصف الثمانينات ظهرت حركة «الإخوان المسلمين Yan Brothers» على المسرح العلني بزعامة إبراهيم الزكزكي، وقد ضمت الكثير من الشباب النيجيري ومنهم «محمد يوسف» في هذه الحركة، المعروفة باعتمادها أسلوب الحماسة، وإثارة العواطف ضد الدولة باسم الدين.
ويوسف كبعض الشباب المتحمّس لم يلتحق بالدراسة النظامية، وإنما التحق بالفصول الليلية لمحو الأمية بمعهد الكانمي، وانفصل عنها بعد الفترة الثانية، وكانت مدة دراسته فيها سنة كاملة، إلا أنه أتقن قراءة القرآن، وحضر دروس بعض رموز السنّة في نيجيريا قبل 1994م بقليل تفككت جماعة الإخوان الى ثلاثة اجنحة سلفية وشيعية وجناح ثالث حافظ على منهج الإخوان السابق وفي 1999م خضعت جمهورية نيجيريا- للمرة الثالثة – للنظام الديمقراطي، ولكن حاكم زنفرا الحاج أحمد ثاني يَرِيْمَابَكُورَا وجد في دستور الجمهورية النيجيرية مسوّغاً لإعلان تطبيق الشريعة في ولايته 2001م، ودعا سائر حكام الولايات الشمالية إلى ذلك، فأعلنت حوالي اثنتي عشرة ولاية تطبيق الشريعة الإسلامية في حدود تخومها.
وعلى هذه الخلفية قام محمد يوسف بتأسيس جماعة وعظ ديني جديدة في مايدوجوري عاصمة ولاية بورنو النيجيرية، وأطلق عليها اسماً عربيّاً هو «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». وباتت هذه الجماعة تُعرف على نطاق واسع باللغة الهوسية باسم «بوكو حرام» بمعنى «التعليم الغربي حرام»، على خلفية القناعة بأن نموذج التعليم الغربي الذي كان سائداً في جميع أرجاء نيجيريا، كأحد مخلفات الحكم البريطاني، هو المسؤول عن مشاكل نيجيريا؛ وتعهد بالقتال ضده وإدخال نموذج مستوحى من نظام التعليم الأفغاني لحركة طالبان وبدأت أفكاره تتطور… وعملياته كذلك.
بدأت الجماعة كتجمعات بسيطة لبعض الملتزمين في مسجد وقراء للقرآن، كانت هذه التجمعات تستهدف الأُسر الفقيرة التي ترسل أطفالها لدراسة مناهج مختلفة عن المناهج الدراسية الحكومية ولكن توازيها، حيث كانوا يعلّمون الأطفال العلوم الإسلامية والأحاديث النبوية وترتيل القرآنية ورفض نظرية التطور الداروينية وما شابه ذلك.
زاد عدد هذه «المدارس» واجتذبت الطلاب البالغين الذين لم يحققوا النجاح في الجامعات الحكومية. وبعدئذ، بدأوا يطلقون على أنفسهم «طالبان النيجيرية»
ارتكزت المبادئ الأساسية لهذه الجماعة على «الحاكمية» (أي سيادة شريعة الله)، والاعتقاد بأنهم «الطائفة الناجية» حسبما ورد في السنة النبوية، والتفسير الملتوية لاجتهادات العلماء التقليدية، وحظر الدراسة في المراكز التعليمية الغربية أو العمل في أي مؤسسة حكومية.
وسرعان ما طغت السياسة على الجماعة التي أبرزت عداءها لنظام الرئيس الراحل عمر يارادوا. وفي 31 ديسمبر 2003، اندلعت أعمال عنف في داماتورو عاصمة ولاية يوبي، واستولت جماعة بوكو حرام على عدد من المناطق المتاخمة للنيجر.
وفي الفترة من عام 2004 إلى عام 2006، اندلعت اشتباكات عنيفة في كثير من الأحيان بين مسلحين من جماعة بوكو حرام وقوات الأمن لمنع سيطرتهم على مجموعة مختلفة من المدارس والمباني العامة. وفي عام 2006، أعلن محمد يوسف تطبيق الشريعة باعتبارها الهدف الرئيسي لبوكو حرام. كما اعتُقل عدة مرات وُجهت إليه فيها تُهم مثل «التجمع غير القانوني» و«الإخلال بالنظام العام» على الرغم من انه لم يواجه أي عواقب قاسية في المحكمة.
وحدثت نقطة التحول الحقيقية لجماعة بوكو حرام في عام 2009.
في يوليو من ذلك العام، اندلعت جولة جديدة من العنف بعد أن هاجمت الجماعة أربع ولايات في شمال نيجيريا هي: بوتشي وبورنو ويوبي وكانو. واستمر القتال بين بوكو حرام والقوات الحكومية لمدة خمسة أيام في مايدوجوري (عاصمة ولاية بورنو). وعقد الرئيس عمر يارادوا العزم على القضاء على الحركة الأصولية وقتها. وفي 30 يوليو نجحت قوات الأمن في طرد بوكو حرام من مايدوجوري، واعتُقل الشيخ يوسف، وحُكم عليه بالإعدام في مايدوجوري في ظروف غامضة.
خلال العام التالي، أعادت الجماعة تنظيم نفسها. واتصلت بجماعات جهادية كبرى في إفريقيا، وبخاصة «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في الشمال وحركة «الشباب» الصومالية في الشرق. غادر العديد من القادة نيجيريا وانضموا إلى صفوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو حركة الشباب للتدريب على تكتيكات التمرد واكتساب الخبرة في الإرهاب.
وفي يوليو 2010، ظهر أحد هؤلاء القادة، وهو أبو بكر شيكاو، بتسجيل شريط فيديو أعلن فيه نفسه زعيماً لجماعة بوكو حرام، ودعا إلى الجهاد ضد السياسيين والشرطة وخصوصاً المسيحيين.
وعاد شيكاو إلى نيجيريا. وفي سبتمبر 2010، شنّ هجوماً مذهلاً واقتحم سجن بوتشي وحرّر المئات من أعضاء بوكو حرام. وخلال أعياد الميلاد لعام 2010، شنّت جماعة بوكو حرام حملة من الهجمات القاتلة ضد المسيحيين وقتلت 80 مسيحيا في هجوم واحد في جوس وقد ظهر شيكاو على العالم من خلال فيديو قصير وهو في أفضل صورة تعبّر عن الواقع…فاجأ جمهوره بالحديث المرعب الذي بثه عبر اليوتيوب وتضمن الكثير من التهديدات التي بدا وكأنه يقرأها من ورقة قديمة تركتها جماعة سابقة مات كل افرادها !!
حتى أن تهديداته طالت الأموات مع الأحياء (هدد بقتل الراحلة مارجريت تاتشر) في إشارة الى ان مثل هؤلاء القوم لاعلاقة لهم بالواقع الذي يعيشونه على المستوى المحلي والدولي، وكأنهم خرجوا من كهف قضوا فيه نصف قرن نائمين.
منافسة على القتل
أطراف المعركة الآن في نيجيريا مصرون فيما يبدو على المضي قدما في تلك المنافسة الدامية على القتل وعدد الضحايا، وبمختلف الوسائل سواء التفجير أو الحصد بالرصاص، كانت آخر العمليات عبارة عن انفجارسيارة مفخخة هز مدينة موبي بولاية أداماوا شمال شرق نيجيريا فجر الاثنين 2 يونيو الجاري سقط على اثره ما لا يقل عن 18 شخصا وأصيب العشرات، وكما هو متبع في اغلب الاحول لم تعلن جهة مسئوليتها عن التفجير.
قبل ذلك بيوم كان هناك انفجار في المدينة نفسه أكثر قسوة وتدميراً راح ضحيته أربعين شخصاً على الأقل قتلوا الأحد في انفجار وقع بملعب لكرة القدم في مدينة موبي شمال شرق نيجيريا، وقالت المصادر أن الانفجار ناتج عن عبوة وضعت داخل الملعب، واستهدفت المتفرجين أثناء مغادرتهم المدرجات.
وقبل أسبوع على تلك المذبحة حاول انتحاري تفجير عبوة ناسفة وسط مجموعة من مشاهدي مباراة لكرة القدم بمدينة غوس بوسط نيجيريا، لكن السيارة انفجرت قبل الوصول إلى هدفها مما أودى بحياة ثلاثة أشخاص، ولم يكن قد مر سوى أسبوع على الانفجار الذي وقع في المدينة ذاتها وقتل 118 شخصا.
وفي كل الأحوال دائما تتجه اصابع الاتهام الى بوكو حرام التي يبدو أنها لاتهتم كثيراً سواء بنفي الاتهام أو تأكيده وهي ماضية في طريقها الدامي.
ويزداد الأمر تعقيداً مع استمرار الهجمات والتفجيرات ، وعدم وجود أية بوادر للحل تلوح في الأفق، ولم يزد الأمر عن بعض التظاهرات الاعلامية والدبلوماسية عديمة الجدوى، مع اطلاق تصريحات بين الفينة والأخرى تدين الإرهاب وتعد بالبحث عن وسائل لمواجهته.
لكن لا أحد يريد أو يسعى للمواجهة من أجل الحل… حتى وإن وصل الأمر لدرجة دخول الكثير من الأطراف الدولية الى مسرح الأحداث في نيجيريا، وما أكثر تلك الأطراف بداية من الولايات المتحدة الأمريكية التي يهتم رئيسها شخصياً وكذلك زوجته بما يجري في اهم دولة منتجة للنفط في افريقيا ، على المستوى الاعلامي فقط ، حتى أن مناشدة الرئيس النيجيري لأمريكا كي تتدخل عسكرياً من أجل البحث عن الفتيات المختطفات واعادتهن الى اهلهن لم تحظ سوى بردود أفعال لاتليق بضخامة وأهمية الحدث… حتى لحق اليأس بأهالي الفتيات في عودتهن… فلا أحد يعرف اذا كانت بوكو حرام نفذت وعودها ببيع الفتيات أو نفذت بدائل أخرى.
من الأطراف ايضاً اسرائيل التي تبحث عن دور في اللعبة الدامية وسط زحام باقي الاطراف وعلى رأسها جيران نيجيريا الذين لم تنتج جهودهم ماهو أكثر من اصدار بيانات الإدانة والتعاطف مع الحكومة النيجيرية، أو عقد اجتماعات بروتوكولية لا ينتج عنها اجراءات حقيقية على ارض الواقع.
عن نيجيريا..
دخل الإسلام إلى نيجيريا في القرن الثالث عشر ميلادي احتلها الإنجليز عام 1885 وفي العام نفسه تمكنت شركة النيجر الملكية من الحصول على امتياز استغلال ثروات نيجيريا عندما كانت تحت إدارة السير جورج تاوبمان عام 1900 أصبحت رسمياً تحت سلطة الحكومة البريطانية، استقلت عن بريطانيا 1 أكتوبرعام 1960،انضمت إلى مجموعة الدول المصدرة للنفط عام 1970.
لم تحظَ نيجيريا سوى بست سنوات من الحكم الديمقراطي قبل أن تغرق في ثلاثة عقود من الديكتاتورية العسكرية، فقد سيطر القادة العسكريون على الحكم من عام 1966م إلى عام 1979م، ثم آلت مقاليد الحكم في نيجيريا إلى حكومة مدنية.
تعتبر جمهورية نيجيريا الاتحادية اليوم ديمقراطية نظراً إلى أنها أقامت انتخابات رئاسية وبرلمانية في الأعوام، 1999، و2003 و2007 و2011.
كل سكان نيجيريا ـ تقريبا ـ من الأفارقة، ينتمون لأكثر من 250 مجموعة عرقية و أكبر ثلاث مجموعات من حيث العدد: الهوسا، واليوروبا، والإجبو أو الإيبو. وتشكل هذه المجموعات الثقافية الثلاث مايقارب من ثلاثة أخماس المجموع الكلي للسكان.
تحتل نيجيريا المرتبة الثامنة في قائمة أهم الدول المصدرة للنفط على مستوى العالم، والذي يمثل أكثر من 90% من القيمة الكلية للصادرات.