حجية الحكم الجنائي لدى المحاكم المدنية

يثور التساؤل عن مصير القضايا المتداولة أمام المحاكم المدنية بشأن شق التعويضات المدنية والتي يقوم المجني عليه أو أهله بالادعاء مدنيا أمام المحاكم الجنائية والتي كانت تنظر قضايا القتل أو الإيذاء.

إن الجريمة هي سبب الدعوى الجنائية وهي في الوقت ذاته أساس الدعوى المدنية التابعة باعتبارها منشأ للضرر المرتب للتعويض المدني، وكان الأصل أن تطرح هذه أمام المحاكم المدنية، بيد أنه استثناء أجيز طرحه أمام المحاكم الجنائية تطبيقا لأخذ المشرع وتبنيه لمبدأ أنه إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائيا في الدعوى الجنائية المقامة قبل رفعها أو أثناء السير فيها، وهو ما يتعين على المحكمة المدنية أن تترقب صدور الحكم الجنائي من المحكمة المختصة لتحكم بالتعويض أو ترفضه، وذلك بكون الحكم الجنائي له حجية أمام القضاء المدني، أي أن يلتزم القاضي المدني عند طرح الدعوى المدنية عليه بالحكم الصادر من المحكمة الجنائية وهو ما يعرف قانونا بأن الحكم المدني يدور وجودا وعدما مع الحكم الجنائي، وهو ما أكدته المادة 1351 من القانون المدني الفرنسي الذي قرر قاعدة حجية الشيء المحكوم فيه ما دامت اتحدتا من ناحية الخصوم والسبب والموضوع، فالحضور في الدعوى المدنية تمثل النيابة العامة في الدعوى الجنائية فهي تقوم مقام جميع من تمسهم الجريمة بمن فيهم المجني عليه والسبب في كل الدعويين منشؤه الفعل الضار الذي استوجب العقاب والتعويض، وهناك وحدة في الموضوع حتى ولو أن الدعوى الجنائية موضوعها العقوبة والدعوى المدنية موضوعها التعويض، إلا أننا نجد أن الدعوى الجنائية تعتبر مسألة أولية بالنسبة إلى الدعوى المدنية ولذا يصبح موضوعها واحدا في نظر القانون. ومن ناحية أخرى فإن النظام العام يوجب على القاضي المدني عدم معاودته للبحث في ما بحثه القاضي الجنائي لكون القضاء الجنائي معترفا به من الجميع باعتباره حقيقة وهو عنوان عليها بمرور الدعوى الجنائية بمراحل مختلفة وإجراءات معقدة مما يجعل الحكم الصادر جنائيا ممثلا للحد الأقصى من الضمانات بالنسبة إلى المتهم والنيابة ويكون تعبيرا صحيحا وحجة بالنسبة إلى جميع المحاكم، خصوصا أنه من غير المستساغ ولاعتبارات النظام العام أن يصدر الحكم الجنائي بإدانة متهم جنائيا وبعدها يأتي القاضي المدني ويحكم برفض الدعوى المدنية، والعكس بالعكس إذا قضت ببراءة المتهم جنائيا فوجب على المحكمة المدنية القضاء برفض الدعوى المدنية لكونها لا تستطيع إسناد الجريمة والتعويض عنها لشخص برأته المحكمة الجنائية.

وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بقولها: (للأحكام الجنائية حجية بالنسبة إلى الكافة فلا يستطيع القاضي المدني أن ينكر ما قرره القاضي الجنائي بشأن وقوع الجريمة وتكييفها القانوني وثبوتها على المتهم). وهو نفس ما تواترت عليه محاكم النقض المصرية بأحكامها وطبقته.

الخلاصة أن جميع القضايا المحكوم فيها جنائيا بالبراءة أصبح لزاما على المحاكم المدنية عند نظر شق التعويض القضاء برفض الدعوى، والعكس المحكوم فيها جنائيا بالإدانة أصبح لزاما على المحاكم المدنية عند نظر شق التعويض القضاء بالأحقية في التعويض المدني.