رؤى صامتة

عيسى الخروصي -

issahhk@gmail.com


رحلوا

إلى أين أنتم ذاهبون .. راحلون، رياح تعصف بأوراق الشجر اليوم، وغدا ما تلبث أغصانا بلا أوراق، حتى الجبال في صمت شموخها تتغير بعض معالمها مع مرور الزمن، فلا شواهد تبقى كما هي تماما إلا قليلا، بيوت الطين تحوي بداخلها أثار وقع أقدام، وأزكى نفوس عاشت فيها سنون عابرة من الزمن، ها هي ذات أشلاء متناثرة فوق بعضها لا تلتفت العيون إليها بتقدير ذكرى ساكنيها الذين رحلوا في صمت.


كبرياء

كانت تسلم وفي تبسم دائم عندما كان سقف واحد يجمعنا، وفي استحياء كانت تقتحم حنايا مقفلة بنظرات لا تخطئ، تسرق رحيقا صافيا تماما كالنحلة التي تنشد الزهر صباح كل يوم، إلى أين أنت ذاهبة بكبرياء واهم يفصل بيننا !

نادته بأعلى صوتها،تلوح له بكلتا يديها،لم يتلفت إليها وهو يهم بركوب القطار الأخير، لقد قتلها بالكبرياء ذاته وفي صمت.


القرار الأخير

في غرفة معزولة على جانب المبنى،كانت نافذة تفصله عن حياة عالم آخر، ممسكا بيده قلما وفي الأخرى سماعة الهاتف، منشغلا بترتيب شيء ما.

وفي لحظة يدخل عليه أبو داود يتمتم بكلمات غير مفهومة كعادته،ما يلبث ان يترك خلفه الباب لإنسان آخر أتى بدون موعد للتوقيع على استلام آخر قرار له منذ أكثر من عشرين عاما، ليعيش ما بقي له من حياة وراء تلك النافذة في حرية ودون قيود صامتة.


يا رب مطر

زهور الياسمين بدأت تتفتح على استحياء قبل موعدها الواحدة تلو الاخرى،من بين جريد النخل روائح زكية تعطر القلوب،مزن الخير تحوم في الأفق منذرة بخير غيث قادم، ومن على شجرة الشيكو عصفور يغرد بألحان ندية، وخيوط الشمس بدأت تنسدل من على زهور النرجس، وقطرات الندى تناسب إلى حيث كانت تجلس طفلة ذات ثلاث سنوات وحدها، تترقب أفق الغد وشوق الأمل بلقاء الأم التي فارقتها أياما مرغمة. يؤتى إليها بطعامها وألعابها إلى مكانها الذي رأت فيه أمها آخر مرة، لم تكترث بما حولها، وأنى لها وقلبها الصغير مسكون بحزن دفين، وفي عفوية تحدق بعينها إلى الأعلى: يا رب مطر، يا رب مطر.

النهار على وشك الرحيل، وصوت هدير الوادي يسمع من بعيد، دمعة أخيرة صامتة من على فراش النوم بأمل غد أن يجمع الرحمن بأمها بعافية وسرور .

يا رب مطر ..