جورج ماغنوس – ترجمة قاسم مكي -
الفاينانشال تايمز -
العقارات الصينية أهم قطاع في اقتصاد العالم. وقد ظلت تلعب دورا محوريا في التنمية الاقتصادية في الصين. كما أنها أتاحت مجالا مربحا لنشاط منتجي السلع الصناعية من بيرث (في اسكتلندا) وحتى البيرو (في أمريكا الجنوبية).
وهي الدعامة الأساسية لارتفاع الصادرات العالمية إلى الصين. في الأعوام القليلة الماضية لم تتحقق النبوءات التي شاعت بقرب انهيار قطاع العقارات الصينية في أية لحظة. ولكن حان الوقت الآن للعالم كي يبدي اهتماما بذلك. فمؤشرات النشاط العقاري ظلت تتجه إلى أسفل منذ منتصف عام 2013. ويهدد التدني في القطاع في الوقت الحاضر بالتحول إلى انهيار.
وفي أفضل الأحوال فإن الصين تدخل مرحلة تدهور في الأسعار(بسبب انخفاض الائتمان) في وقت يتسم بهشاشة أوضاع الاقتصاد الدولي. إن مخاطر العجز عن سداد الديون حقيقية في قطاع بنوك الظل الذي يتصف بضعف التنظيم. وهي مرتبطة بالعقارات. والشيء نفسه ينطبق على الارتفاع السريع في ديون الحكومات المحلية. ورغما عن ذلك فلدى الحكومة والبنك المركزي أدوات يمكنهما استخدامها من أجل محاصرة النتائج التي تترتب عن ذلك في الأجل القصير.
وقد قاما سلفا بتدوير الديون وتقديم الأموال الإسعافية للمصارف وإعادة الرسملة. إن الخطر الأعظم الذي يواجه الصين يتموضع في الطبيعة المتفشية أو المتغلغلة لنتائج أي إنهيار عقاري يحدث. لقد شهد الاستثمار العقاري نموا بحيث وصل حجمه إلى حوالى 13% من الناتج المحلي الإجمالي. أي ما يقرب ضعف الحصة الأمريكية في ذروة فقاعة عام 2007.
وإذا أضفنا إلى ذلك القطاعات ذات الصلة مثل الحديد والأسمنت ومواد البناء الأخرى فسيصل الرقم إلى ما يقرب من 16%. ويمثل القطاع العقاري (بتعريفه الواسع) حوالي ثلث استثمار الأصول الثابتة والذي يفترض أن تجعله الصين خاضعا لهدف إعادة التوازن الاقتصادي لصالح الاستهلاك المنزلي (العائلي).
ويحصل القطاع العقاري على 20% من قروض البنوك التجارية. ولكنه يُستخدَم لأغراض الرهن في حوالي ثلثي (40%) إجمالي الإقراض على الأقل.
إلى ذلك فقد حقق سوق العقار المزدهر إيرادات وفيرة من مبيعات الأراضي والتي شكلت مصدرا تمويليا لتغذية الكثير من الإنفاق المحلي والمركزي على البنيات الأساسية. والسبب الذي يجعل الأشياء تبدو مختلفة اليوم هو إدراك حقيقة الإفراط المزمن في المعروض من العقارات.
فمع بداية تباطؤ النشاط العقاري انخفضت على نحو لافت معدلات بدء بناء المساكن وإكمال بنائها ومبيعاتها، خصوصا خارج المدن الرئيسية. وتذكر تقارير أن (مخزون) المساكن غير المباعة في بيجينج إرتفع إلى إمداد يغطي 12 شهرا من 7 أشهر في فترة العام التي تنتهي في أبريل. ولكن فيما يخص المساكن تحت الإنشاء وإجمالي المبيعات فإن الجزء الأكبر منها يوجد في مدن “الفئة الثانية” حيث ارتفع الفائض من المساكن غير المباعة إلى إمداد حوالي 15 شهرا وفي مدن الفئتين الثالثة والرابعة عند حوالي 24 شهرا. وقد سكبت الحملة المضادة للفساد ماء باردا على السوق. ويقدر تقرير حديث صدر عن بنك استثماري أن أغنى 1% من العائلات تمتلك حوالي ثلث العقارات المنزلية في السوق. وتستهدف هذه الحملة في العادة الأفراد الذين يراكمون ثروة عقارية تفاخرية.
وفي أماكن اخرى فقد ظهرت آثار تشديد شروط الائتمان بما في ذلك تكاليف التمويل للجهات التي تتولى أعمال التطوير العقاري خصوصا في قطاع بنوك الظل. إذ يوجد تدهور في معدلات العائد على العقارات والبنيات الأساسية التجارية والتدفقات النقدية للمطورين العقاريين والحكومات المحلية. وسيحدث شح في الائتمان الاستثماري في سوق العقار وللاقتصاد حين تشهد أسعار الأراضي والعقارات هبوطا أعم حول الصين.
ولا تزال البيانات الرسمية تظهر أن اسعار العقارات في 70 مدينة أعلى بنسبة 8% في مارس مقارنة بأسعارها قبل عام. ولكن الأسعار في الواقع هبطت منذ نهاية عام 2013. وإذا زاد ضعف مستويات النشاط العقاري والأسعار فمن المستبعد أن تصمد عزيمة بيجينج على عدم الاستجابة ببرامج التحفيز التقليدية. حينها يلزمنا أن نتوقع خلطة (من السياسات الحكومية) قد تشمل إنفاقا إضافيا على البنيات الأساسية والبرامج البيئية وتمددا حضريا أسرع في المقاطعات الداخلية والغربية وبعض التخفيف من القيود على شراء المنازل مثل إيداعات الرهون إضافة إلى تيسير نقدي جديد.
قد تجلب مثل هذه الخطوات للأسواق المالية والاقتصاد بعض الانفراج في الأجل القصير.
ولكن إذا مضت بيجينج أبعد مما يجب فإنها ستقوض الاستراتيجية الضرورية لإعادة التوازن إلى الاقتصاد. وفي هذه الحالة فإن الأثر الاقتصادي السلبي سيكون أعظم ومدته أطول. إن الصين مختلفة عن الغرب في نواح عديدة. ولكن الاثار الاقتصادية الحقيقية لانفجار الفقاعة العقارية هي نفسها حول العالم. وسيتوجَّب على بيجينج التعامل بفعالية مع هذه الآثار في العامين القادمين. ولكن علينا نحن الآخرين أن نستعد لنتائج التدهور العام للأسعار في مرحلة انتعاشٍ عالميٍّ لا تزالُ متشظية.
* الكاتب كبير الاقتصاديين سابقا في بنك (يو بي إس) السويسري والآن مستشار إقتصادي مستقل لنفس البنك.