إدارة الغضب

حمدة بنت سعيد الشامسية -

hamdahus@yahoo.com -
الغضب شكل نقطة ضعف قاتلة في مرحلة ما من حياتي، وكاد أن يدمر علاقات جميلة يصعب تعويضها، فضلا عن الألم الذي كان يسببه الغضب لروحي، وفي سن مبكرة أدركت أن هذا العيب في شخصيتي سيكون عدوا لي في مسيرتي الحياتية بشكل عام، ومسيرتي المهنية بشكل خاص، وقد جاء الدرس سريعا في أول نقاش مع مسؤولتي المباشرة لتقييم أدائي السنوي في بداية مسيرتي المهنية أثناء عملي مع الهيئة الأمريكية للمساعدات الدولية، إذ لم أكن قد اعتدت حينها على من يواجهني بعيوبي ونقاط ضعفي وجها لوجه، ولأنا غالبا ما نبالغ في تقييم ذواتنا، فقد افترضت سريعا أن هناك مؤامرة خطيرة تحاك ضد تقدمي المهني، أجج هذا الشعور حماس الشباب الذي يصاحب خريجة حديثة التخرج، تعتقد بأنها بإمكانها إصلاح الكون في غضون يوم وليلة، فثارت ثورتي على مسؤولتي المباشرة، الأمر الذي استدعى تدخل مسؤولي الأعلى في ذلك الوقت، وكان رجلا أمريكيا حكيما ودمث الأخلاق، أعطاني درسي الأول في التعامل مع ذاتي قبل الاخرين، عندما هدأت ثورتي، واستعدت تلك اللحظات، بدت لي صورتي هشة وضعيفة وبشعة في الوقت ذاته، لم اشعر بالرضا مطلقا عن نفسي، وهذا الشعور في الحقيقة يلازمني في كل مرة أسمح للغضب ان يتحكم في، واتخذت قراراً منذ ذلك الوقت ألا اسمح لضعفي أن يخرج بهذه الصورة أمام الملأ، ويظهر أبشع ما في داخلي، وكان علي أن أتخذ قرارا ليس فقط بالتخلص من الغضب، لكن أن أتخلص من البشاعة التي أخرجها الغضب من داخلي، إذ لاشك أن المقولة العمانية (اللي في القدر يطلعه الملاس) صائبة فيما يتعلق بالغضب، فهو يفتح الصمام ليتيح لما في داخل المرء للظهور سلبا أو إيجابا، فكثييرون يدافعون عن أنفسهم عندما يهيجون غضبا ويتسبب ذلك في خلاف حاد مع طرف آخر، ينتج عنه عنف لفظي أو جسدي، بأن الطرف الآخر هو السبب لكونه (استفزني)، قد يكون الأمر صحيحا بأن الشخص الآخر قد استثار غضبك، لكن لولم يكن داخلك مسكونا بالغضب ولولم يكن العنف ميزة فيك ما اظهرها الغضب، وتلك الألفاظ البذيئة التي تلفظت بها كردة فعل لم تتعلمها في تلك اللحظة، إنما كانت بداخلك، ولم يفعل الطرف الآخر سوى أن فتح الصمام وخرج ما بداخلك، بالنسبة لي لم تكن الرحلة سهلة ولم يحدث التغيير بين يوم وليلة، ولن أدعي انني تخلصت من هذا العيب القبيح بشكل تام، وهذا ربما يكون الخطوة الأولى في العلاج، أن يعترف المرء لنفسه بأن الغضب سلوك سلبي، يستدعي فعلا العمل على التخلص منه، ولا مبرر فعلا للغضب وإن ادعينا غير ذلك، لا يعني هذا طبعا بأن ننكر الغضب أو نكبته، فالغضب شعور، لكن يجب ألا يتعدى أن يكون شعورا، كما قلت لن يأتي يوم وتتخلص فيه من الغضب بشكل تام لكن على الأقل حاول ان تسيطر على ردات أفعالك فلا تسمح لها أن تظهر عيوبك أمام الملأ، حاول أن تكن واعيا لمسببات الغضب، وحاول أن تنظر للمسألة من زوايا متعددة، مالذي سبب الغضب كيف يمكن معالجة الوضع بشكل أفضل، وتغيير الحديث مع نفسك هو أول خطوة في التخلص من الغضب، فغالبا ما نحدث أنفسنا عندما يصدر تصرف استثار غضبنا بحديث سلبي يؤجج الشعور بالغضب، ففي كثير من الأحيان لاتكون حدة الغضب بذات الحجم لحظة وقوع مسبباتها، لكن الحديث السلبي الذي نستمر في تكراره لأنفسنا بعد ذلك، مرارا وتكرارا لفترات طويلة هو في الحقيقية ما يؤجج هذا الشعور بالغضب، وفي كثير من الأحيان نعتقد بإننا قارئي أفكار وأننا نستطيع أن نعرف ما يفكر فيه الطرف الآخر وأننا مطلعون على نواياه، التي دائما ما نفترض أنها نوايا سيئة، فعندما ينسى زميل عمل موعدا مهما ارتبط به معنا، نفترض جزافا أنه قصد تجاهلنا، وأنه تعمد التقليل من شأننا..الخ، وعندما ينسى صديق مناسبة اجتماعية دعوناه إليها، سيكون الحكم سريعا بأنه تعمد عدم الحضور، فتكون النتيجة غضبا مبنيا على افتراضات لا أساس لها من الصحة، ولم نمنح أنفسنا فرصة معرفة الأسباب الحقيقية، وكم من علاقة جميلة انقطعت أواصرها بسبب مواقف كهذه، بالتالي علينا دائما ان نحاول إيجاد الأعذار للآخرين، ونتحكم بالغضب عوضا عن جعله يتحكم فينا، ومن التقنيات البسيطة التي أوصانا بها المصطفى عليه الصلاة والسلام هو تغيير الهيئة، وهو ما أثبتت الدراسات الحديثة جدواه في السيطرة على الغضب بحيث تجلس مباشرة إن كنت واقفا أو تقف إن كنت جالسا أو تتحرك من مكانك، والأفضل أن تغسل وجهك فمن شأن ذلك أن يعمل على تهدئة أعصابك، وحذار أن تتخذ قرارا مهما كان بسيطا وأنت في ثورة غضب، لأنك حتما ستندم عليه.