في زاوية أقلام كتب يحيى رباح، مقالا بعنوان: لا بد من أفق جديد جاء فيه: المنحنى المتطرف، الإرهابي، المعربد الذي وصلت إليه إسرائيل في ظل ائتلاف نتانياهو الحالي، يجعل الوضع الفلسطيني القائم حاليا، عصيا على الاحتمال موضوعيا، بمعنى انه سواء كنا فلسطينيين في أعلى درجات المرونة أو في أعلى درجات الاحتقان، فإننا لا نستطيع أن نحتمل بقاء الوضع الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي هو الأبشع من نوعه، وان تطور المستوى القيادي والنخب السياسية في إسرائيل وصل إلى أدنى مستوى منذ هرتزل حتى الآن، فقد كانت الحركة الصهيونية وأداتها الرئيسية الوكالة اليهودية ودولة إسرائيل بعد ذلك، تطالب بالحد الأدنى وعينها على الحد الأقصى: وطن قومي في فلسطين ثم خارطة تقسيم عام 1937 ثم خارطة تقسيم عام 1947، ولكن الآن إسرائيل تريد بداية الحد الأقصى وعينها على المنطقة كلها، ولو دققنا في الخطاب السياسي لنتانياهو وشركائه فسوف نكتشف انه حتى في لحظات النشوة القصوى حين احتلت إسرائيل عام 67 ما يزيد على عشرين ضعفا من مساحتها الأصلية، فإن العربدة الإسرائيلية في تلك اللحظات لم تصل إلى مستوى الجنون القائم الآن، فإسرائيل لا تترك للشعب الفلسطيني أي شيء سوى السماح له بالخضوع للأمر الواقع الذي لا يتوقف عند حد.
قوة الموقف الفلسطيني نابعة من قسوة ولا معقولية هذه المفارقة، فالاحتلال لا يبقي لنا شيئا، ولا يعتبر أن لنا أي حق، فقط التكيف مع الصيغ المتطورة التي يطرحها والقائمة كلها على الخرافة.
إسرائيل تريدنا أن نعترف بيهودية الدولة أي نعترف بأنه لا حق لنا من الأساس في ما نطالب به، وتريد أن نستمر في التفاوض على أساس أن هذه الأرض غير محددة الهوية، وهذا ما عزز فكر الاستيطان الذي أدى إلى حكومة الاستيطان الحالية، وأنا لا استغرب أن يعلن المستوطنون حكومة خاصة بهم بالضفة الغربية والقدس الشرقية وبناء على ذلك فإن إسرائيل تنفذ ضدنا معايير شاذة، فهي لا تعتبر نفسها قوة احتلال، وفي عرفها فإن المعايير والقوانين السائدة دوليا لا تنطبق علينا، تريد معايير تنتجها الضرورات الإسرائيلية تتعامل بها ابتداء من الأسرى وانتهاء بأية شجرة زيتون.
الخلاصة أن الوضع غير قابل للاحتمال ولا بد من أفق جديد ومسافة إلى الأمام،خاصة وان المجتمع الدولي لم يعد سدا مغلقا،وان أخطاء إسرائيل الفادحة أصبحت عبئا على حلفائها حيث لا يمكنهم الدفاع عنها، وان إسرائيل أضاعت فرصا كثيرة لاكتساب شرعية في المنطقة، وأهدرت كل تلك الفرص على مذبح اللعبة الداخلية الإسرائيلية حيث أن الأكثر صراخا وعنصرية في إسرائيل هو الذي يتصدر المشهد، وهذا اقرب إلى إدارة عصابة من إدارة دولة لها استحقاقات وعليها التزامات.
اعتقد انه على المستوى الفلسطيني يتشكل وعي عميق بأنه لا يمكن احتمال بقاء الوضع على حاله، وبغض النظر عن الاختلافات فإن القوى الفلسطينية قد أقرت بأن بقاء الحال من المحال، وقد عبرت عن ذلك بهذه الورشة التي بدأت بالأشهر الأخيرة، سواء في إدارة ملف المفاوضات أو استدعاء الأطر الفلسطينية للتفكير بصوت مسموع أو تحريك ملف المصالحة إلى الأمام أو تقارب المعايير التي نحتكم إليها في رفض أو قبول ما يطرح علينا، هذا الوعي سيبلور طاقة جديدة ورؤية جديدة لأفق جديد !!! خاصة ان ما يحدث فلسطينيا ليس معزولا عن بشائر التقدم الذي تحققه المنطقة من خلال الانكشاف والسقوط المدوي لجماعات الإسلام السياسي الذي ثبت أنها كانت الحليف الموضوعي للعربدة الإسرائيلية من خلال لعبة تزييف أولويات المنطقة !!! فلا بد من الانتباه بقوة لما يجري في مصر من احتشاد نحو التغيير الشامل ولما يجري في سوريا من عبقرية صمود الدولة السورية وقد اكتسبنا الوعي السياسي والتجارب الهائلة في المنطقة التي يمكن البناء عليها.
هل يصمد الائتلاف الإسرائيلي أمام هذا الانكشاف؟
هل تنتج الإشكاليات القائمة تغيرا في توازن القوى داخل إسرائيل؟
هذا ما سوف يتضح في المرحلة القريبة القادمة.


