في زاوية آراء كتب مهند عبد الحميد، مقالا بعنوان الأداء السلبي الفلسطيني في المعركة المالية، جاء فيه: امتلاك المال أو السيطرة على المال، يترك بالغ الأثر على السياسة.
فإذا كانت الحرب هي امتداداً للسياسة، فإن السياسة هي تكثيف للاقتصاد.
ابحث عن الاقتصاد والأطماع الاقتصادية والنهب وراء كل الحروب.
من أجل النفط الليبي تدخل الناتو في ليبيا، ومن أجل النفط العراقي غزت الولايات المتحدة العراق، وكان شعار «النفط مقابل الغذاء» عنواناً للصراع على العراق على امتداد عقد من الزمان قبل الغزو.
ويقف النفط وراء التحالف الدولي لضرب «داعش» الذي سيطر على أجزاء من حقول النفط ومصفاة الموصل.
الشيء نفسه ينطبق على معركة السلاح النووي الإيراني والعقوبات ضد روسيا بعد سيطرتها على جزء من أوكرانيا.
ويستخدم سلاح المال الآن في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، من خلال احتجاز أموال الضرائب «المقاصة» كرد إسرائيلي على ذهاب السلطة إلى المحكمة الجنائية الدولية. المقايضة المطروحة من قبل دولة الاحتلال هي الإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية مقابل التراجع الفلسطيني بإغلاق ملف المحكمة الجنائية.
كيف كان أداء السلطة في المعركة المالية؟ سقطت حكومة الاحتلال في الجانب القانوني والإنساني لقرارها سقوطاً مدوياً، غير أن ذلك لا يضير الحكومة ولا المجتمع الإسرائيلي الذي يؤيدها في كل المواقف المعادية للشعب الفلسطيني.
وعبر الموقف الدولي والأمريكي عن تواطؤ مع قرارات حكومة الاحتلال، حين لم يرق الموقف الدولي إلى أكثر من مناشدة القيادة الإسرائيلية بالإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة، مناشدة باهتة لا تكفي لخدش حياء أركان حكومة الاحتلال.
أما الموقف العربي الرسمي فقد جاء مخيباً للآمال الفلسطينية، فلم تلتزم الدول العربية بقرار تأمين شبكة أمان بقيمة 100 مليون دولار شهرياً لتفادي أي تأثير سلبي للعقوبات الإسرائيلية المتوقعة.
القرار صدر عن القمة العربية وجرى التأكيد عليه في اجتماعات وزراء الخارجية العرب واجتماعات المندوبين الدائمين في جامعة الدول العربية.
ورغم ذلك لم تترجم الدول العربية قرارها في لحظة سياسية فارقة من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. البعض فسر الامتناع العربي عن الدعم بأنه استجابة للموقف الأمريكي الرافض لذهاب السلطة إلى مجلس الأمن والمؤسسات الدولية كبديل للمفاوضات الفاشلة.
والبعض الآخر رأى في الامتناع عن الدعم ما هو إلا ممارسة للضغط على حكومة الاحتلال للإفراج عن أموال الضرائب.
غير أن هذا السبب لا يصمد إذا ما عدنا إلى الشرط الإسرائيلي للإفراج عن الأموال، وهو عدم الذهاب لمجلس الأمن والمنظمات الدولية وبخاصة الجنائية.
كما أن هذه الحكومة لا تقيم وزناً للمواقف الدولية، فقد فرض نتانياهو على الرئيس الفرنسي الذهاب إلى باريس والمشاركة في المسيرة ضد الإرهاب، وتجاوز البروتوكول الفرنسي، وتجاوز قيم الجمهورية عندما دعا يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل، ونقل الضحايا اليهود الفرنسيين ودفنهم في أراضٍ فلسطينية محتلة. كما تجاوز تقاليد الإدارة الأمريكية في تلبية دعوة لإلقاء خطاب في الكونجرس بمعزل عن أي تنسيق وطلب من الرئيس أوباما ووزير خارجيته اللذين سيقاطعان زيارته. فضلاً عن ارتياح حكومة نتانياهو بتجويع ومعاقبة الشعب الفلسطيني واعتبار ذلك إنجازاً في المباراة الانتخابية.
مجمل القول: إن الامتناع العربي عن توفير شبكة لا يخدم الصمود الفلسطيني أمام الضغوط المالية والسياسية والدبلوماسية المتواصلة. بعيدا عن الموقفين الدولي والعربي، فإن الموقف الفلسطيني يتحمل المسؤولية الأولى في ما وصلت إليه الأمور.
كان ينبغي الاستعداد لهذه المعركة وتوقع كل الاحتمالات ووضع بدائل تخفف من آثارها السلبية.
ويبدو أن تأثير العامل الاقتصادي لم يوضع كما يجب في الحسبان لا خلال فترة التحضير للمعركة السياسية والدبلوماسية ولا أثناءها.
كان الاستعداد يعني اعتماد سياسة تقشف جدية، ولا يوجد ما يشير إلى إتباع مثل هذه السياسة، ويعني وضع أولويات والتدقيق في المهمات وفي أشكال التوظيف والسفر والصرف والعلاج الخارجي والخبراء.
إضافة للبحث عن موارد فلسطينية بالمستوى الإيجابي كتحمل الرأسماليين الفلسطينيين داخل وخارج الوطن جزءاً من الأعباء أثناء خوض المعركة السياسية والدبلوماسية، وبالمستوى الدفاعي كالتوقف عند ظاهرة التهرب الضريبي واستعادة المسروقات، وفرض الضرائب على أصحاب المشاريع من داخل السلطة.
المشكلة المالية الراهنة والمشاكل السابقة تعود إلى فصل المقومات المادية عن المواقف السياسية والاعتماد على الدعم الخارجي وإتباع سياسة ريعية واستهلاكية بمستوى حاسم، ولم يتم التوقف عند ضرورة توليد الموارد من داخل المجتمع والتجمعات الفلسطينية، وسياسة الاعتماد على الذات بنسب متصاعدة.
الافتقاد لسياسة مالية منتجة كان في أوج امتلاك المنظمة وتنظيماتها للأموال الطائلة.
واستمر الأخذ بالسياسة الريعية إلى الآن مع فارق كبير هو إغلاق أقنية الدعم بمستوى كبير ومؤثر.
الاختلال الأخطر يتمثل في الخطاب السياسي والإعلامي، إن أي مدقق في تصريحات وأحاديث عدد من المسئولين سرعان ما يصاب بالصدمة.استوقف المستمعون والمشاهدون والقارئون كلام رئيس الحكومة د.رامي الحمد الله الذي قال فيه: لا يوجد رواتب ولا استطيع أن أعد بوجودها قريبا بما في ذلك بقية راتب الشهر الماضي وستتابع الحكومة البحث عن حلول. هذا الكلام صحيح وينطوي على شفافية.
لكنه لم يقرن الأزمة المالية بالمعركة الوطنية، ولم يشحن همم الموظفين والمواطنين على التحمل والصبر، لم تحول الحكومة ورئيسها القرصنة الإسرائيلية إلى معركة وطنية، فمن شأن الصمود فيها أن يفشل الأهداف السياسية للاحتلال ويعزز الموقف الفلسطيني.
وكان من المبكر الحديث عن نتيجة سلبية قبل أن تستنفد الحكومة محاولاتها.
ولم تعلن الحكومة الفلسطينية حملة يومية متواصلة موجهة للرأي العام الخارجي ضد الحكومة الإسرائيلية التي تمارس القرصنة.
تصريح د.محمد شتية كان غريباً وهو يقول: ليس من مصلحة الحكومة الإسرائيلية انهيار السلطة، وأتوقع انتهاء الأزمة خلال شهرين بعد تراجع الحكومة الإسرائيلية عن قرار حجز الأموال». وواقع الحال ليس كذلك، ففي معركة من هذا النوع من المفترض أن يكون لدولة الاحتلال مصلحة في انهيار أو استبدال سلطة ستقدم قادتها وجنرالاتها إلى محكمة الجنايات.
ومن المفترض أن يكون للحكومة الإسرائيلية مصلحة في انهيار واستبدال سلطة تطالب بإنهاء الاحتلال والاستيطان وإقامة دولة مستقلة، بسلطة تؤيد الأبارتهايد الإسرائيلي.
إن فشل المفاوضات خلال 21 سنة تأسس على فرضية وجود مصلحة مشتركة لحل سياسي مشترك بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتبين أن هذه المصلحة كانت تخص طرفاً واحداً هو الشعب الفلسطيني.