أحمد الفلاحي –
تمثل التجارب الإنسانية، ومجموع الخبرات الحياتية، رصيدا معنويا، وماديا لكل منا على حد سواء، ولا يزال الإنسان يسعى جادا في رصد مختلف الأنشطة والسلوكيات التي يقوم بها رصدا يتوغل في ذاتيته، وفي قناعاته، وفي تغيير كثير من اتجاهاته، وآرائه، وقد تصل إلى بناء بناءات جديدة لفكره، ولعل المعنى يقترب كثيرا من القول المأثور: «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، وإذا كان للعلم طلب، ولا بد من أن يسعى الإنسان إلى طلبه بالوسائل المعروفة، فإن مجموع التجارب، والخبرات هي تأتي هكذا انسياقا مع السلوك اليومي الذي يمارسه الإنسان طوال الأربع والعشرين ساعة في اليوم، ومن المواقف التي يتعرض لها في السياق الزمني ذاته الذي يعيشه، ويتفاعل معه، ويندر أن يقطع الإنسان زمنا معينا من حياته، ولا يحمل شيئا من الأثر الذي تحدثه هذه الفترة الزمنية المربوطة بالحركة اليومية في نفسه، ولذلك يعاب كثيرا على الذين لا يتعلمون من حياتهم، أو يكررون الكثير من الأخطاء في ممارساتهم، انعكاسا لعدم لملمة الكثير من التجارب من جراء ممارساتهم الحياتية اليومية، أو عدم الاهتمام بها في جانب آخر.
وقد جاء على لسان أحد الشعراء، كما يروى، قوله: «عمر الشبيبة يبدي عذر صاحبه: ما بال شيبة يستهويه شيطان»، فحتى السلوك الفج، وغير المتناسب مع العمر يظل سلوكا ممقوتا، ومرفوضا ومعابا لصاحبه عندما يبلغ من العمر مستوى معينا، وقد يتعدى ذلك حتى على لباسه، أو قصات شعره، أو مخرج ألفاظه، أو المستوى العمري لأصحابه، فلا يقبل، مثلا، رجل في الستينيات أو اكثر من ذلك أن يكون له أصحاب في أعمار العشرينات، حيث يعد ذلك غريبا في مفهوم أعراف المجتمع، ولعل المجتمعات التقليدية أكثر التصاقا بمثل هذه التقييمات المرتبطة بالأعمار في سلوكياتها المختلفة.
هذا جانب؛ أما الجانب الآخر الذي يذهب إليه الطرح، فهو تأثير هذا الرصيد على السلوك اليومي للإنسان، هل هو عامل محفز بصورة مطلقة، نظير الخبرات المتحققة، ام انه عامل مقيد لكثير من المواقف والسلوكيات؟، هناك من يرى مستوى الإقدام عند الشباب للشروع في عمل ما أكثر طموحا، وربما تهورا كما يقيمه البعض، بعكس بمن اكتوى بالكثير من المواقف والخبرات، حيث يظل إقدامه فيه الكثير من الحذر والتروي قبل اتخاذ أية خطوة إلى الأمام، ولذلك يقاس هذا التروي على ان مجموع الخبرات المكتسبة عند هذا الإنسان الذي بلغ من العمر عتيا هي التي تقيد حركته، وإقدامه، وتحد من طموحاته، حيث يظل هو الأقرب إلى السكون منه إلى الحركة، ومن هذا الباب يأتي استشارة كبار السن في كثير من المواقف التي تحتاج إلى اتخاذ قرار ما في أي شأن من شؤون الحياة المختلفة.
وعودة إلى السؤال الذي يحمله عنوان المقال: قد تكون مجموع الخبرات والتجارب التي يحملها الإنسان كرصيد ذاتي معيقة إلى حد ما في اتخاذ قرار ما في مواقف معينة، ولكنها تظل الأقرب إلى الواقع منه إلى الشطط، كما هي نزعة الشباب دائما، نحو السرعة وعدم التروي، ولذلك قيل أيضا: «إذا أردت من فتى مشاورة؛ انظر إليه قبل أن تشاوره»، وهذه النظرة هنا معناها تقييمه من جميع النواحي، من حيث العمر والتجارب، والخبرات، ومستوى الود الذي يكنه لك، فهذه كلها عوامل محفزة لاستشارته من عدمها.