أوراق: شعراء بالفطرة أو بالتصويت؟!

علي بن خلفان الحبسي –

mudhabi@gmail.com –

كان شعراؤنا القدامى العرب يقارعون المجالس والأمراء وتنسج أبياتهم الشعرية وقصائدهم أمهات الدواوين، ورغم أن أجسادهم غابت عنا منذ سنين طويلة إلا أنهم لم يغيبوا عنا بفكرهم، فأضحت أشعارهم رغم مرور الزمن وقساوته ننهل من معينها فكرا، وسطرت أشعارهم حتى اليوم كتب الغرب وترجمت إلى الكثير من اللغات، وصنفت أشعارهم حكما وكلماتهم معينا لا ينضب نتغنى به حتى اليوم، ورغم أن دواوينهم أكل منها الدهر وشرب إلا أن بريقها لازال ساطعا -لا بألوان صفحاتها وأوراقها – إنما سطعت بالحكمة التي تحملها بين سطورها، فكانوا بحق شعراء بمعنى الكلمة، لأنهم شعراء ولدوا من رحم الفطرة ونبغوا من بين مئات الشعراء لا بالتصويت إنما بالحق، لذلك كان النجاح يتغلغل في أرواحهم الشعرية فتواصل هذا النجاح لتشهد عليه الأجيال المتعاقبة.

في أمجاد ساحاتنا الشعرية والغنائية وغيرها من مجالات الأدب اليوم تقاطرت عشرات الأسماء ممن يدعون بأنهم شعراء وأوهمونا بشعرهم، جاءوا من بين ردهات قنوات تألقوا فيها بالتصويت، وليت من صوت لهم شعراء إنما صوت لهم المال لكي يصلوا بيننا اليوم وصدقوا أنفسهم بأنهم شعراء، فماتت الفطرة قبل أن تموت الكلمة ومات المحدث قبل أن يموت الحدث واختلطت الوطنية بالغزل والفصيح بالنبطي، واللغة غابت في المديح والثناء غير المستحق، ونشفق اليوم على شعرنا كما نشفق على الكثير من علومنا وآدابنا التي غابت من ساحة الفكر والأدب، ونتمنى أن لا يصل بنا الحال في التصويت إلى مجال الآداب والعلوم الأخرى لتقدم لنا شركات الاتصالات وبعض الدول الكثير من المال والتسهيلات لدعم الشاعر الفلاني، فيما تستغل شركات الاتصالات العائد لتضاف إلى أرباحها ونخسر معها الأدب بكل فروعه وأصوله. من هنا لا بد من احترام أدب الشعر والشعراء وأن تكون هناك لجان من الشعراء الذين يشار إليهم بالبنان الأدبي لا بالتصويت لتقييم واختيار المجيدين في مثل هذه المسابقات وغيرها.

أخيرا ..

الشعر لمعة خيالية يتألق وميضها في سماء الفكر فتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب فيفيض بلآلئها نورًا يتصل خيطه بأسنة اللسان فينفث بألوان من الحكمة ينبلج بها الحالك ويهتدي بدليلها السالك. (محمود البارودي)