سراب

عيسى الخروصي –

تمام الثالثة بعد ظهر صيف يوم ساخن لا يعرف الشفقة، حتى من قلوب الناس القريبين منا والبعيدين بأجسادهم كأنهم سراب لا يعرف له سبيلا لمصافحته ..! مسعود كعادته وصل الى البيت بدراجته الهوائية البالية ، يلوح لي بكلتا يديه والابتسامة لا تفارق محياه المبتل بحباب العرق ( السلام عليكم .. ) مباشرا عمله في حديقة البيت الصغيرة على إحدى الزوايا التي لم تعرف لها الرياح سكونا بعد إلا قليلا ..! تماما كالنحلة هي الاخرى اتخذت لها مكانا دفينا من على شجرة الشيكو ، تروح غدوة وعشيا ، ما تلبث تلزم بيتها في صمت .ما زالت تعد السلالم ..!

أكل ما بقي من طعام الغداء وانزوى في احدى غرف البيت محاولا ان يغمض عينيه في صمت ، وفي الفؤاد آهات الخيانة الدفينة التي أصابته في مقتل من أعز انسان ، كان يبتسم صباح كل يوم وتبادله الطف العبارات واحلام الحياة ، وفي لحظة صمت ودون استئذان قتلت كل شيء دونما اعتبار لإنسانية باتت تقتات اليوم على عطف الآخرين ، فقد عرفت هي سلما اخر ليوصلها الى غايات ما زالت تسعى اليها وهي مغمضة البصيرة ..! أتعلمين أن من سبقك تسلق ايضا على أكتاف الاخرين ، وامسى نكرة من كرامة عرفت عنك يوما ..!

في صمت رحل عنها مرغما ، اما هي فما زالت تعد السلالم !

حلاوة وكلمة طيبة ..!

ليس هناك من جديد هذا الصباح ، سوى ان القديس اتى مبكرا تعلوه ابتسامة خفية صامتة ..! لحظات ويدخل تان تان على عجلة من امره ، يسلم ويدعوني للمشاركة في تناول حلاوة في غير موعدها .. شكرته بلطف ووعدته باني سوف احضر بعد حين .

القديس كعادته لا تفصح عيونه عما يخبئه باطنه من امواج صراعات الحياة ، ما يلبث ان يسترسل في حديثه ليقوم مغادرا كما جاء فجأة ..! قائلا : نلتجي بعدين ، عرفت حينها انه انتهى كل شيء الى اشعار آخر.

تان تان اتى مجددا دعوته لي لتناول الحلاوة واشياء اخرى ! ( السلام عليكم ..) وقد وضع على يمين الباب صحن بقلاوة مصرية كبير وبجانبه دلة القهوة .. نعم انها قطرة الندى ، يا ترى ما الذي حصل بعدما توقف النبض في صمت .. ! أهو وميض احساس عابر أم شيئا اخر اراد له حسن لطيف القدر وسر الكون أن يمضي في طريق يبس الا قليلا .

أبو ليث كعادته الماكرة والنفس الدنيئة التي يخفيها عن الاخرين ، ما لبث ان يبث سمومه هنا وهناك ، وانى له ذلك وقد باتت نواياه معروفة جليه ، محققا نصره المزيف لذاته الحقيرة ..

تناولت بعضا من قطع الحلاوة مرغما وعلى مضض ، فلا مجال ان نفتح تداعيات أسرار الصناديق المقفلة الآن .. سوف ننسى حتما طعم الحلاوة بمجرد خروجنا من الباب الذي دخلنا منه ، ولكن الكلمة الطيبة الصادقة لا تنسى ، ويظل شذاها يلامس قلوبا كل حين ، قست على نفسها والاخرين في صمت .

لا تثريب عليك ، فما يزال شراع الامل يمضي بقارب الحياة وسط محيط وردة وسط الرمال ، حيث نقاء وصفاء النفس النادر وجوده هذه الايام الا قليلا ..

لن أقول وداعا ، ما دام لنا عمر مكتوب لنا .. سوف نلتقي ، فالسفر ما يزال يلاحقني كالظل تماما لا اعرف عنه فكاكا ، ما البث ان اعود اليه ، واحسبك كذلك ..

في رعاية الرحمن ، ولنا لقاء بإذنه تعالى ..