نوافـذ: فكر بغيرك

هـدى حـمـد –

عندما يُغلق كل واحد منا باب بيته ويتأكد عدّة مرات من دفء أبنائه تحت البطانيات الثقيلة. عندما تُعِدُّ الأمهات الأطباق الساخنة خوفا من التهابات البرد وتبعاته الشاقة، عندما يرتدي الخارجون من بيوتهم الجوارب السميكة في أقدامهم أو الشالات على أكتافهم، و«الجاكيتات» جيدة الصنع لأولادهم الذاهبون للمدرسة. في لحظات كهذه، وأنت تجلس على الأريكة الناعمة تتحسس كوب الشاي، من المؤكد أنك ستشاهد الأطفال في العراء يتوسدون الثلج، وإن لم تشاهدهم في نشرات الأخبار، ستأتي صورهم الجارحة إلى هاتفك الذي لا يُفارق يديك. فلا شيء يرد هذه الـ «هدى» القاتلة، وقد ذكرت الـ «بي بي سي» أنها سُميت «هدى»، أملا في تهدأ ويَرِقُ قلبها، ولسنا ندري إن كانوا قد وفقوا في هذه التسمية العربية لأول مرّة أم لا. ولكنك بالتأكيد لن تكون معنيا بالتسمية قدر صدمتك بهذا المصير الذي يُلاقيه السوريون. هذا الإحباط الفنتازي المستمر في نخر آمالهم الصغيرة بالعودة إلى بيوتهم والجلوس بالقرب من المدفأة. في هذه اللحظة سيتوجب عليك أن تفكر بغيرك كما قال محمود درويش: يتوجب عليك أن توقد شمعة، فحسن النوايا، وذرف الدموع وإكمال حياتك كأن شيئا لم يكن ليس إلا استمرارا في لعن الظلام. وعُمان كغيرها من دول العالم نشطت فيها المبادرات بشكل رائع، أمطرت علينا الرسائل، بأرقام حسابات كثيرة تستعطف الناس. والناس في عُمان غالبا ما تهفو قلوبهم لتقديم الخير والمساعدة، ولكن السؤال الذي نتعثر به دائما، والذي يتكرر في مناسبات مُشابهة، كما حدث مؤخرا في غزة، ومجاعات أفريقيا وغيرها :«بمن نثق؟»

الحقيقة أننا لا نريد أن نكون كبعض الدول التي تتخذ من موضوع المساعدات وسيلة للتباهي والاستعراض، ونتمنى أن نسير على خُطى سياستنا التي تعمل بصمت وبهدوء كما هو حالها في شؤون كثيرة، وأن نتسلح بمقولة النبي الكريم: «لا تعلم شماله ما أنفقت يمنيه» وربما يتفق أغلبنا على أن لا تكون هنالك بهرجة زائدة وزائفة في العطاء، ولكن من جهة أخرى العمل التطوعي لا يزال غير مُنظم في عُمان للأسف الشديد. فالناس تحتار أمام كثرة الجهات الفردية التي تخرج من هنا وهنالك، وتوفر لها وسائل التواصل الاجتماعي سرعة في الانتشار بيننا، ونحن لا نعرف مصير هذه التبرعات وإلى أين تذهب، خصوصا عندما تكون أرقام الحسابات لأسماء شخصية.

ظاهريا نحن نرى بعض الخلط بين مهام وزارة التنمية الاجتماعية والهيئة العمانية للأعمال الخيرية. فوزارة التنمية هي التي تُعطي التصاريح عادة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالإغاثات الخارجية يُحال الأمر للهيئة، و كما يبدو فسلسلة من التعقيدات تُواجه هذه المبادرات لأخذ التصاريح، وبسبب عراقيل الهيئة والتعطيل المستمر يلجأ الكثير إلى جمع المال في حساباتهم الشخصية، وطبعا هنا تظهر مشكلة أخرى، حيث يختلط الحابل بالنابل والصادق بالمُتحايل. لكن الأكثر غرابة ودهشة هو أن تضطر المبادرات العُمانية المتفرقة لأن تنضم تحت لواء مبادرات خليجية أخرى، لكي تضمن وصول مساعداتها للجهة المنشودة، لأن العراقيل أقل خصوصا في ظروف اضطرارية كما هو حال «هدى» التي تطلبت تسهيلات فورية.

شاهدتُ نساءً تركن أولادهن وأزواجهن في يوم العطلة وتفرغن بكل محبة لفرز المساعدات وترتيبها بشكل لائق، شاهدتُ رجالا احضروا الشاحنات لشحن المساعدات وما إن علموا أنها لصالح الشعب السوري حتى رفضوا تقاضي المقابل المادي وقالوا :«أجرنا عند الله»، شاهدتُ جنسيات عربية تسكن عُمان، تُشارك في العمل والتفكير. ونحن نُريد أن نُربي أولادنا على حب الخير، نريد أن يخرجوا معنا إلى صناديق التبرع، وأن نحكي لهم ماذا يحدث لأقرانهم من الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة، الذين يُعانون من الجوع والحروب . نريد أن يكون العطاء جزءا من شخصيتهم، وأن لا يظنوا أنّ كل العالم يعيش كما يعيشون. من جهة أخرى آن لنا أن نقول أيضا: هنالك شعرة رفيعة تقف بين أن تنشر الفعل الخيّر لأجل أن تحقق عدوى إيجابية بين الناس وأن تحثهم على فعل مُشابه، وبين أن تفعل كل هذا من باب الادعاء الكاذب. لذا علينا أن نكف قليلا عن ترديد أننا نفعل الخير بصمت، لأن الحقيقة تثبت لنا أنه لا يزال عملا متعثرا ويلزمه الكثير من الضبط.