كثيرا ما تبالغ الأسر والأمهات في وصف سلوك الطفل الصغير بالكذب والمبالغة في الموقف والتركيزعلى تصرفاته، بالرغم من صغر سنه وصعوبة التفرقة بين الصدق والكذب أحيانا أو الانطلاق وراء الخيال أحيانا أخرى. ولذلك ننصح الكبار بعدم التهويل أو التهوين من التصرف ويعني ذلك أن الكثير من الأطفال يلجأون إلى الكذب أحيانا هروبا من العقاب أو رغبة في الدفاع عن أنفسهم دون فهم كامل لجوانب الكذب ويحتاجون من الأهل إلى المتابعة والتوجيه وعدم وصم الطفل بالكذاب بل فهم الدوافع الحقيقية وراء السلوك خصوصا لو كان السبب عدم إشباع حاجات الطفل.
وأيا كان نوع الكذب خيالي، دفاعي، إدعائي، التباسي أومرضي فمن الأفضل التأكد من تعديل سلوك الطفل بالمتابعة والاهتمام حتى يتخلص منه ولا يتطور ويصبح عادة سلوكية مرضية قد ترتبط بمشكلات أخرى أوتؤدي إليها وتحتاج إلى متابعة وعلاج سلوكي نفسي، ومن ثم يعتبر الكذب سلوكا متعلما يكتسبه الطفل من البيئة المحيطة ويعتاد عليه تدريجيا بتقليد المحيطين به ولذلك يلجأ الطفل للكذب دفاعا عن نفسه أو نفيا لاتهامه وأحيانا رغبة في الانتقام من الآخرين والسخرية منهم، وإذا تحول الكذب الطبيعي إلى مشكلة مرضية فإننا نحتاج إلى فهم الدوافع والأسباب التي أدت إلى السلوك المضطرب للطفل، فقد تتمثل في رغبة الطفل في إثبات الذات ولفت نظرالمحيطين به للحصول على مكانة اجتماعية، أو تبرير الأخطاء وإسقاطها على الآخرين كذلك التقرب والتحبب للغير.
كما يعتبر الخيال الخصب لدى الطفل سببا في عدم التفرقة بين الخيال والواقع والانتقام من الآخرين بينما يكون فقدان ثقة الطفل في ذاته وعدم ثقة الآخرين فيه وراء كذبه، ولذا قد نجد الأسرة والأصدقاء أوالمدرسة والمجتمع وراء تعلم الطفل سلوك الكذب من منطلق تقليد الأبوين أو خوفا من قسوتهم الزائدة أو الغيرة التي تؤدي إلى عملية إسقاطية لا شعورية بحثا عن المساواة وعدم التفرقة في التعامل والتي تدفع الطفل نحو الكذب بحثا عن تعويض النقص الذي يشعر به، ولذلك نطلب من الأهل والمدرسة والأصدقاء مراعاة الوقاية من المشكلات التي تنجم عن تحول الكذب الخيالي أو الإدعائي إلى المرضي وذلك بمراعاة تخليص الطفل من أي مشاعر دونية أو تمييز إخوانه عليه مع استثمار الكذب الخيالي في تشجيع الطفل على الإبداع والابتكار سواء في كتابة قصة أو فكرة سديدة تمنحه الثقة بنفسه.
بينما يتطلب الكذب المرضي أساليب علاجية تحتاج إلى التظافر بين المتخصصين والأهل للعمل كفريق مساعد يركز في البداية على دعم الطفل بعيدا عن سلوكه ثم تحديد العوامل والأسباب التي أدت إلى تعود الطفل الكذب وترتيبها حسب تأثيرها عليه لوضع خطة علاجية تناسب المشكلة وفقا للدوافع التي أدت للكذب ونوعه ولا نهتم باعترافه بكذبه بقدر حمايته من الظروف المحيطة به والتي تدفعه للكذب مثل الخوف الشديد من العقاب لو ذكرالحقيقة فنحاول تنمية وعي الأسرة والمحيطين بالطفل أن يتبنوا لغة الحوار معه ومنحه الثقة ليتحدث الصدق دون الخوف من رده فعلهم أو العقاب ولو تكررالسلوك يهمنا التركيز علي إدراكنا للسلوك ومنح الطفل فرصة ثانية لدعم ثقته بنفسة والتأكيد علي ثقتنا فيه وهي خطوة تدريبيه تحتاج منا تعليمه التفاهم والحوار والمناقشة للتعبير عن رأيه بحرية وفهم دوافعه الحقيقية وراء السلوك ومن ثم تنمية جوانب إدراكه للخطأ والبعد عنه باقتناع ومن المفيد أن نهتم كذلك بإشباع احتياجات الطفل والتي قد تدفعه للسلوك بحثا عن تحقيق الذات، مع تصديق حديثه وعدم التشكيك فيه حتي يستعيد ثقته بنفسه مع توفير جو من الاستقرار الأسري والتفاهم داخل الأسرة مع المعاملة الوسطية دون مبالغة في التدليل والإهمال أو القسوة المفرطة التي تؤدي للخوف من العقاب وللملاحظة الجيدة والمتابعة المستمرة دور مهم في تقويم سلوك الطفل قبل وقوع المشكلة والاضطرار للكذب ولذلك نركز على ضرورة التكامل والتعاون بين الأسرة والمدرسة لتحقيق صالح الطفل والتوجيه العلمي التربوي لسلوكه من منطلق الفهم الصحيح لشخصيته وحاجاته وكشف ميوله وقدراته لتوظيفها بصورة مناسبة من خلال الأنشطة ومجالات الإبداع والابتكار التي يحتاجها ويجد نفسه ليثبت ذاته من خلالها.
ولنبني علاقتنا كآباء وأمهات ومعلمين مع أطفالنا علي أساس من المحبة والثقة والمصارحة كجسر عبور لطريق الصحة النفسية، حماية وأمان لهم ليصارحونا بما في داخلهم من مخاوف وقلق ونقص أو غيرة ورغبة في الانتقام لنصحح لهم مفاهيم خاطئة قد تجول بداخلهم وتعصف بهم إلى المشكلات والأخطاء، والوقاية دائما خيرمن العلاج.


