يوسف القعيد –
هذا فيلم من إنتاج مدينة الإنتاج الإعلامي. وهذه الأفلام لا تعرض في دور العرض السينمائي. وهذا خطأ. لأن الاكتفاء بعرضها في التلفزيون يحرم عشاق السينما من متعة مشاهدتها في دور العرض.فاتني مشاهدة الفيلم عند عرضه الأول. لذلك رحت أنتظر عرض الفيلم بفارغ الصبر. صحيح أنه مرت سنوات على عرضه. إلا أن مشاهدته وفرت لي سعادة من النادر أن يجدها الإنسان في فيلم يشاهده.
ديل السمكة من تأليف: وحيد حامد. أي أنه كاتب القصة والسيناريو والحوار. ومن إخراج: سمير سيف. ووحيد هو ابن جيلنا الذي بدأ الكتابة الأدبية معنا في ستينيات القرن الماضي. بل كتب رواية ونشرها. كان عنوانها: القمر يقتل عاشقه. وكان يعد نفسه واحداً منا نحن الجيل الذي سمى جيل الستينيات. ولكنه تحول لكتابة السيناريو. ولم يستمر ككاتب قصة وروائي. وهو نفس ما فعله محفوظ عبد الرحمن وبشير الديك. ومحسن زايد.
كانت البداية مع كتابة الأدب ثم جرى التحول إلى كتابة الدراما التلفزونية والسينمائية. وهذه البداية أعطت أعمالهم التليفزيونية والسينمائية مذاقاً من نوع خاص لا يتوفر لغيرهم من محترفي كتابة السيناريو فقط.
الفيلم مهدى إلى روح صلاح جاهين، الفنان الشامل. أكثر من هذا أنه طوال عرض الفيلم. فإن الرابط بين الأجزاء أو فصول الفيلم عبارة عن أبيات شعر من أشعار صلاح جاهين. يرددها أحمد عويس. الذي يلعب دوره الفنان عمرو واكد. الذي يمثل دور كشاف عداد كهرباء. يتجول بين الشقق والبيوت لقراءة العدادات الكهربائية. وهذا الاحتكاك يوفر له حكايات حياة سكان الشقق والبيوت التي يعرفها من خلال تعامله معهم عند الكشف على العدادات. ورغم إهداء الفيلم إلى صلاح جاهين. فإن قصة الفيلم مستوحاة من قصة حياة شاعر العامية. وكشاف النور محمد مسعد.
يبدأ الفيلم بعمرو واكد وهو يجري والمشهد يذكرك بفيلم: جان لوك جودار: على آخر نفس. وأيضاً بفيلم عادل إمام: الحريف. ولكن بطلنا بعد هذا الجري في الشارع يكتشف أنه كان يحلم عندما توقظه أمه من النوم.
يخرج. إنه بدون عمل. وبلا أمل عندما كان يمشي في الشارع نسمع صوته يردد شعر صلاح جاهين:
– أنا شاب ولكن عمري ولا ألف ألف عام.
في الحي الذي يسكنه عمرو واكد. نقابل بعض النماذج البشرية. عم حسن. قام بدوره عبد الرحمن أبو زهرة. وهو رجل يعمل في بيع الكتب والمجلات المستعملة. ومثل هذا العمل كان موجوداً من قبل في كل الأحياء الشعبية عندما كانت أحسن. وقبل أن يبدأ تغييرها نحو الأسوأ.
عم حسن يطلب من البطل قول الشعر. وكمحاولة لمواجهة بطالته لأنه لم يجد عملاً. في مواجهة نموذج إنساني آخر. شاب في نفس عمر عمرو واكد اسمه سيد البطش. إنسان عشوائي يوزع المتسولين في شوارع وميادين القاهرة. ويحصل على نسبة من الأموال التي يتسولونها من الأهالي.ثم لدينا ابنة الحتة الفتاة التقليدية التي نجدها في الدراما عموماً. تلعب دورها حنان ترك. قبل أن تتحجب وتدخل في حكايات أقرب للمتاهات. وتفقد الكثير من توهجها الفني. أحمد عويس يحبها. وإن كان عجزه واضحاً عن أن يقترب منها. ثم يعمل كشافاً لعدادات النور. يوزعونه لقراءة عدادات حي عشوائي. يقولون له أنت ذاهب الآن إلى مجاهل أفريقيا. ونجد أنفسنا في مواجهة حي عشوائي وبشر عشوائيين والبحث عن العدادات في مثل هذه البيوت أشبه بالمغامرة. ثم يقدم رشوة لرئيسه في العمل. من أجل أن ينقله إلى حي فاخر. ولكن رئيسه يقول إنه سيرقيه لحي متوسط. وبعده الحي الراقي حتى يكون قد مر بكل المراحل في عمله. وحتى لا يحقد عليه زملاؤه بسبب نقلته المفاجأة من الحي العشوائي إلى الراقي دون المرور بالمتوسط.
بعد الاستقرار في العمل. يبدأ عمرو واكد البحث عن طبيعة عمل حنان ترك حبيبة القلب. ويكتشف أنها تعمل في نادي قمار. بعد أن يشاهدها بالصدفة وهي داخلة إلى فندق فاخر وفخم ويسبب له الاكتشاف حالة من الانهيار النفسي. ويردد أشعار صلاح جاهين:
– نوح راح لحاله/ والطوفان استمر/ مركبنا لسه تايه/ مش لاقية بر.
في رحلة قارئ عداد النور. يرى عمرو واكد. المطربة عفيفة. التي تغني له أغنية. لعبت دورها ببراعة الفنانة: سوسن بدر. ثم يلتقي بامرأة مقعدة، تعيش بمفردها. ويأخذها كشاف النور في فسحة لم تكن تتوقعها. ولعبت دور هذه الإنسانة الوحيدة الفنانة: محسنة توفيق. وغيرهما من النماذج الإنسانية. لا يربط بينها سوى ذهاب كشاف النور إلى منازلهم.
هذا الفيلم هو فيلم البطولة الفردية المطلقة. وبطله الأساسي هو عمرو واكد، وفي الفيلم قدر كبير من تناول غياب العدل الاجتماعي في المجتمع. فعندما يجمع سيد البطش أموالاً طائلة من وراء التسول. يتساءل عم حسن إن كانت هذه فلوس التسول. فما هو قدر فلوس السرقة التي تتم ليلاً ونهاراً. وعلناً وعلى رؤوس الأشهاد.
سر عنوان الفيلم أن ديل السمكة بدونه لا تستطيع السمكة أن تعوم ولا أن تتحرك. إن الذيل أهم شيء بالنسبة للسمكة. ولكن عندما يتم اصطياد السمكة وشويها أو قليها. فإن أول ما يجري التخلص منه هو الذيل. الذي يرمى في صفائح القمامة. ويصبح من نصيب القطط الضالة.
هل أقول أن هذا العنوان يوحي بالرمز. أبطال الفيلم من الفقراء المطحونين الذين يعاملون من الأغنياء. كما يجري التعامل مع ذيل السمكة. بدونهم لا حياة للمجتمع كله. ولكن بعد أن يقدموا ما عندهم. فأنهم يتم التخلص منهم فوراً.
الفيلم بكائية الطبقة الوسطى. أو فقراء الطبقة الوسطى. في آخر لقاء بين عمرو واكد وحنان ترك. واسمها في الفيلم نور الصباح بعد زواجها من ثرى عربي. يسألها: هل أنتِ سعيدة؟ ترد عليه: مفيش سعادة مع القلق. يقول لها: مفيش قلق مع العز. ترد عليه فوراً. وكأن الكلام كان يقل على طرف لسانها: مش لو كان دايم.
في الفيلم لحظات شجن إنساني نادرة. ولو عُرض في دور العرض العادية لأثبت لنفسه جواً بجوار الأفلام الكبيرة في تاريخ السينما المصرية.