رماد: علياءُ الأمَل

عبدالله المعمري –

Shinas1@hotmail.com –

أمضِي في بَحر الأمَاني، بِلا مينَاء ترسُو به أحْلامي، وعَاصفة الذكْرى تهزّ الروحَ، وشراعُ الجنُون يُرفرف على ساريَة أفعَالي، فَلا هُنا سُكون، ولا هناك صمْت نحوَ الهُدوء، ضجيجٌ تتصدّع منه جدران الأمس، فأبْني بدلاً عنها أسْوار يَومي، وأطل منها على شُرفة مستقبَلي، فلم يعُد الزمَان يُمهلني الهَوان، وإن سبقَني قطَاري، فلن أجدَ محطةً وسيطُول انتظاري، فليت الراحلون عني يعلمُون بحالي، ومَا آلت إليه تلك الليالي، بنطقِ قافيةٍ تتلوها خاطرَة، وتنهيهَا سُطور من دفتر أحزَاني.

مسافَة الزمَان في يومي، من الإشرَاق حتى الغُروب، بعيدةٌ حينا، وحينا تمرّ كأنّها ثوانٍ، حامِلة قصةً، رويتها لمن فتح الكتاب وأحبها من العُنوان، وفي أحيان أخرى كأنها رواية لم يكتب عنوانها بعد، تفاصِيلها جلجلة لبضع كلمات تغص بها الحناجر، فتخرج من فمٍ اعتاد على الابتسامة، فحولت منه أنينا، كصوت بلبل غريقٍ بدمعه، سقطَ من على غُصن رطيبٍ، فلم تسعفْه المسافةُ سوى بالبقَاء وحيداً، فهاجرت عن مكانه زهرةُ الحياة، فيا لرماديّة المكان لذاتِ الحياة.

ولكن، يظل للأمَل وجودٌ، وإن رستْ سفينتِي على شَاطئ الأمَاني مُحطمة، فلقلمِي سحرٌ، يعيدُ بناءَها للبحر من جديد، وترفعُ شراعَ السعَادة، وتنقشُ حروفَ قلمي عليهِ كلماتِ الحبِ، فيقرؤُها من تنبضُ به أبياتُ بوحي من دفتر شعرِي المُمزق. وإن جَنى الليل، أشعلتُ نجومَ عينيَّ، لتنيرَ بصيرةَ طريقِي، ليسلُكه كلّ قلبٍ بالصفاءِ يرتوي، فيشَاركني رحلةَ العُبور نحْو شاطئ جَديد، تغطى رمَاله خطوَات وثّابة إلى العلياء، التي هي أختٌ لأملٍ مضَى، ورُبما ذاتَ يومٍ سيعُود.

فالرحِيل سفرٌ، وللمسَافر عَودة، كما للحُب وطَن، إن استُعمر بالخائنين، سَيعود وطناً حراً، رايَات الحنين له تخفِق في القلوبِ العاشقةِ بلا قَسوة، وكالجُمان في عقدٍ حباتُه لؤلؤٌ وزمرّد، فمَا أحَلى العَودة من هكَذا سَفر، ومَا أطيَب النفسَ، وإن حَزنت، فالسَّعادة عُنوانها ولو بعدَ حين.