أحمد بن سالم الفلاحي –
shialoom@gmail.com –
تتعاظم المسيرة الشورية يوما بعد يوم نموا وازدهارا، كلما اكتسبت بعدا زمنيا آخر يضاف الى رصيد عملها الذي يحجز اليوم اكثر من (20) عاما شهدت من خلالها الكثير من الإرهاصات، والكثير من التطوير والتنظيم، ومن العناية السامية بها كتجربة قابلة للتطوير، وللتجديد، وللتدرج، قابله الكثير من الاهتمام من قبل أبناء المجتمع، والكثير من التشجيع، والكثير من الأخذ والرد؛ كحال أية تجربة تنموية تتداخل بين جوانبها الأخطاء في الاجراء، والأخطاء في التفسير، والاخطاء في التقييم أيضا، وفق منظور الخطأ والصواب.ووفق هذه المرئيات كلها تصل هذه المسيرة اليوم الى المستوى الذي يمكن ان تكون فيه نموذجا حيا، وان حمل خصوصية مجتمع بحكم الانتماء، ويمكن فيه ان تكون تجربة يمكن للآخرين من أخذ بعض جوانبها لتطبيق ما يمكن تطبيقه لدى شعوب لها الرغبة في الاستفادة، ولها الرغبة في المحاكاة، ولها الرغبة في الاقتراب قليلا من نبض الشعوب المؤمنة بالحرية والعدالة.
هل نفخر بما تحقق في هذا الجانب؟ نعم؛ يحق لنا ان نفخر بذلك، لأنه مشروع وطني مهم، ومهم للغاية، تجد فيه التنمية السياسية المرتع الآمن للنشأة والنمو والتطور، دون اية مضايقات، او أية التفاف على المفاهيم، وهذا بدوره يكسب هذه المسيرة الشيء الكثير من الاحترام، والتقدير، وأخذها المثل الذي لا يجب التفريط من عدم الأخذ ولو ببعض الجوانب، وما يتوافق مع خصوصية كل مجتمع على حدة.
تدخل اليوم، واعني مع نهاية هذا العام، هذه المسيرة الشورية – حيث الفترة الثامنة منها – منعطفا مهما، وجميلا، وذلك بعد ان تعمقت في الفهم النوعي لدى الغالبية من أبناء المجتمع، ولا أتحدث عن الاستثناءات، وعلينا ان ننتصر الى الصورة الغالبة في أي تجربة تنموية، وهذه تمثل أيضا مكتسبا اجتماعيا عالي القدر والقيمة، ليس فقط لأنها تتوارد الينا عبر ممارسة متأصلة، وثقتها السبلة العمانية على امتداد المئات، ربما، من السنين، ولكن لأنها وثقتها الممارسة الحديثة بأدواتها الحديثة: مجلس، أعضاء منتخبون، تصويت، لجان، طوابير من الذين يصوتون، أخذ اجازة على متسوى الحكومة في يوم التصويت، فهذه الصورة الوطنية التي تتوزع عبر خارطة عمان ككل، هي التي ترسخ، بما لا يدع مجالا للشك، في الذاكرة الشعبية لدى الأجيال، ومن ثم تخرج الى الوجود من خلال الممارسة المباشرة وغير المباشرة، ومتى تناسخت هذه الممارسة مع مرور الزمن بوعي أكثر عمقا، كبر حجم الوعي السياسي، وتحقق، في المقابل، التنمية السياسية، والتي هي مصدر قوة لأبناء المجتمع وذلك من خلال الحوار المباشر والمتبادل بين مختلف الأطراف في العملية التنموية على وجه الخصوص، وهذا الحوار هو الذي يوجد في أي مجتمع مناخ الاستقرار حيث يكون الجميع على كلمة سواء، وحيث يكون الجميع ما بين متحملين لمسؤولياتهم ومشاركين بصورة مباشرة في صنع برامج التنمية المختلفة، والتي هي الغالب الأعم محور مختلف النقاشات التي تدور هنا او هناك، في حالة من الديمومة القابلة للتشكل، والقابلة للتعديل مع كل فترة زمنية تمر على اية تجربة تنموية، وبين المسيرين لدفتها نحو الصواب، من مجموع المراقبين، والدارسين لمساراتها المختلفة.
المسيرة الشورية اليوم والى الغد المتسع فيه مساحة الزمن، هي الرهان الذي ينأى بأبناء المجتمع عن الوقوع في الاهواء، والانتصار للذات، ذلك لأنه كما ورد: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»، وهذا هو محور عملياتها المختلفة، وهذا هو ما يجب الحرص عليه مع مرور الزمن، فكما هو معلوم بالضرورة أن الانتصار للوطن لا تقوده قوة واحدة، فهذا وطن بحجم الجغرافيا وعلى امتداد السموات المفتوحة عبر مجال هذه الجغرافيا، وانما بتآزر كل القوى الفاعلة في المجتمع، من شأن هذا الوطن ان تسطع انجمه المختلفة.
المسيرة الشورية في عمان، لا نحسبها الا صمام أمان، لمستقبل أبناء عمان، صمام أمان لكثير من التغريب، ولكثير من الترهل، ولكثير من ضياع الثقة بين مختلف القوى الفاعلة في صنع التنمية، وستبقى، كما هي اليوم، منارة تهتدي به الأنفس التواقة نحو الرقي، والاستقرار، والأمن والرخاء.