فنانون ورسامون يناقشون حدود الحرية والإبداع

Share Button

على خلفية دعوات «أنا شارلي» –

نيقوسيا ولندن – «أ.ف.ب»: أمام جمع من رسامي الكاريكاتور القبارصة الحائرين إزاء إصرار مجلة «شارلي ايبدو» على نشر صور للنبي محمد، دافع الرسام الفرنسي الشهير بلانتو عن حرية التعبير لدى الفنانين معتبراً أن «معركة تربوية طويلة» ستكون ضرورية لإفهام هذا النوع من الرسوم.فخلال نقاش نظمته أمس الأول جمعية «كارتونينج فور بيس (رسوم كاريكاتورية من أجل السلام)، تبادل بلانتو رسام الكاريكاتور في صحيفة «لوموند» الفرنسية الحديث مع رسامين قبارصة يونانيين واتراك بعد الاعتداء الذي قضى على الجزء الأكبر من محرري المجلة الفرنسية الساخرة شارلي ايبدو ونفذه شقيقان متشددان ثأراً للرسوم الكاريكاتورية التي تتناول النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والتي نشرت على صفحاتها.


وقال مصطفى توزاكي رسام الكاريكاتور القبرصي التركي «عندما يسخر المرء من رمز إحدى الديانات مثل محمد أو يسوع المسيح، يجرح مشاعر ملايين الأشخاص» متسائلاً «ما نفع ذلك؟».وأضاف: «أنا لدي الكثير من المشاكل في بلادي لأتناولها أكثر من التعرض للأديان».

ويركز هذا الرسام في منشوراته اليومية على موضوعات السياسة الداخلية مثل تقسيم الجزيرة والاحتلال التركي لشطر منها، وموازين القوى ونفوذ القوى العظمى الخارجية التي تجذبها موارد الغاز الطبيعي.

ورد بلانتو قائلاً: «كل الفنانين يملكون كل الحق بان يعبروا ويروا ما يريدون تشاطره مع الآخرين».

وأضاف: «لكن هذا لا يكفي. إذ يجب أن ندرك أن هناك أشخاصاً لا يفقهون شيئا بهذه الرسوم، لذا هناك جهد تربوي وطني وأوروبي ودولي يجب أن يبذل مع المدافعين الأوائل عن الديمقراطية، وهم المدرسون».

في شمال قبرص الذي يحتله الجيش التركي وتسكنه غالبية مسلمة، لم تواجه إحدى الصحف المحلية أي مشكلة حين أعادت نشر غلاف عدد مجلة شارلي أيبدو الذي صدر بعد أسبوع على الاعتداء.

وهذا الرسم هو عبارة عن صورة متخيلة للنبي محمد يحمل لافتة كتب عليها عبارة التضامن العالمية مع الصحيفة «انا شارلي».

لكن هذا الرسم الجديد أثار موجات من الاحتجاج في العالم الإسلامي من النيجر إلى باكستان مروراً بالجزائر، لم يخل بعضها من العنف.

وفي نيجيريا أدت أعمال العنف إلى سقوط عشرة قتلى في يومين.

وشدد رسام الكاريكاتور الفرنسي «نحن في بداية الحرب على المتطرفين لكننا خصوصا في بداية معركة تربوية».

في جمهورية قبرص الناطقة باليونانية والتي تسكنها غالبية ارثوذكسية «يمكن إنجاز رسوم ليسوع المسيح أو أي يكن» على ما قال اتان رسام الكاريكاتور في صحيفة «بليتيس» منتقدا في الوقت عينه نشر رسوم النبي محمد.

وأوضح: «يجب أن نضع حدوداً. أحاول مثلا تجنب بعض الرسوم مثل الصلب أو العشاء السري. استخدمها احيانا بصورة مجازية سياسية (..) لكن عندما يتوافر لي البديل أتجنب ذلك لأني لا اريد ان استفز الاشخاص المتدينين».في المقابل كل شيء مسموح لانتقاد العدو الاول للقبارصة اليونانيين، تركيا، ومنه التنديد بانتهاكات حرية التعبير فيها من خلال رسم يظهر الرئيس رجب طيب اردوغان على هيئة متشدد يستعد لقطع راس رهينة يحمل شارة «صحافة».

بلانتو الذي انتقد في العدد الاخير من شارلي ايبدو من خلال لافتة كتب عليها «انا شارلي ولكن» بسبب توجهه الاقل جذرية من كثيرين غيره لقضية حرية التعبير، يتوخى الحذر في رسم الديانات فهو مثلا يميز بين المتشدد دينيا والمؤمن العادي.

لكن عندما ينتقد محادثوه الرسوم الاستفزازية لشارلي ايدبو يعتبر انه من الملح توضيح ان «هؤلاء الرساميين لم يقصدوا تحقير هذه الديانة او تلك بل ارادوا فقط اطلاق النكات من خلال الرسوم».

وينوي بلانتو التوجه إلى باكستان خلال الأسبوع المقبل وهي رحلة مقررة منذ فترة طويلة مع جمعيته ان سمح الوضع الأمني بذلك.

وفي سياق قريب يمكن للمارة في العاصمة البريطانية قراءة عبارة «انا شارلي» التضامنية مع صحيفة «شارلي ايبدو» الفرنسية كرسم جداري عملاق بأحرف فضية… فقد استخدم فنانون في لندن رذاذات الطلاء للدفاع عن حرية التعبير وتكريما لذكرى ضحايا هجمات باريس.

أهلا بكم في شوريديتش، حي في شرق لندن تنتشر فيه المنازل المنخفضة والمستودعات القديمة ودور العرض الفنية وبائعو الأسطوانات، ما يتباين بوضوح مع الابراج الزجاجية والمعدنية في مربع مدينة لندن (ذي سيتي) المجاور.

ويعتبر حي شوريديتش مركزاً رئيسياً لفنون الشارع، اذ حول الفنانون المختصون في رسوم الجرافيتي ارصفته ومقاعده واغطية مجاري الصرف الصحي فيه وواجهاته الى مساحات مغطاة بالطلاء بما يشبه دفتر تلوين عملاق.

وفي هذا المكان على جدار ملاصق لشارع «سكلايتر ستريت» ظهر رسم غرافيتي كتبت عليه عبارة «انا شارلي» على طول حوالي عشرة امتار وبأحرف فضية، وذلك بعد ساعات على الهجوم الدامي على صحيفة «شارلي ايبدو» الفرنسية الساخرة.

وإلى جانب هذه اللوحة الجدارية ثمة رسم يظهر يدا تكتب داخل قلب عبارة «حرية التعبير».

وعلى بعد مسافة قليلة، في حي «فاشن ستريت»، يمكن مشاهدة رسم بورتريه عملاق بالأبيض والأسود للرسام الفرنسي ستيفان شاربونييه المعروف بـ»شارب»، وهو المدير السابق في «شارلي ايبدو» وأحد ضحايا الهجوم على الصحيفة.

وقال «فوريا ايه سي كاي» صاحب هذا البورتريه الذي استغرق إنجازه ست ساعات واستخدمت فيه ثلاثة ليترات من الطلاء، لوكالة الصحافة الفرنسية ان «ستيفان شاربونييه (…) كان يمثل حرية التعبير وقد قتل لهذا السبب».

وسبق للفنان أن جسد بالطريقة نفسها رسام الكاريكاتور الفلسطيني الراحل ناجي العلي الذي قتل في لندن سنة 1987.

الا ان رسم البورتريه لـ«شارب» تعرض لتخريب جزئي وتمت تغطية عبارة «انا شارلي» بطلاء اصفر.

واعتبر «فوريا أيه سي كاي» ان هذا التخريب «يبدو انه عمل موجه».

وقال «نمي إلي بأن أربعة شبان يغطون رأسهم قاموا بهذا العمل بشكل متسرع. ونظرا لغياب التقنية، من المنطقي الاعتقاد بأنه عمل هواة وليس فنانين يبحثون عن جدران للرسم عليها»، وهي من الممارسات الرائجة في وسط يقوم فيه البعض بتغطية رسومات البعض الاخر.

وفي شمال الحي، استخدم «مستر شيز» 15 عبوة رذاذ طلاء لرسم يد كبيرة تحمل قلما. وسعى من خلال لوحة الغرافيتي هذه الى التنديد بـ»التعديات» على حرية التعبير، على حد تعبير هذا الفنان الفرنسي المقيم منذ سنوات في العاصمة البريطانية.

وخلال التنقل في شوارع شوريديتش، يمكن أيضا مصادفة عبارة «انا شارلي» على شكل رسوم جرافيتي أصغر حجماً وبلغات عدة على الدعائم المعدنية للجسور.

وأوضحت ليلي المرشدة في جمعية «الترناتيف لندن» المتخصصة في فنون الشارع ان رؤية هذا النوع من رسوم الجرافيتي في شوريديتش «ليست مفاجئة البتة».

وقالت هذه الشابة الملمة بالتاريخ المحلي ان «فنون الشارع تمثل انعكاسا للمجتمع، ولطالما تفاعل الفنانون مع الأحداث»، مضيفة «كذلك فإن دور فنون الشارع هو تحريك مشاعر الناس. وعلى سبيل المثال فإن بانكسي (احد ابرز رموز فنون الشارع) يجيد القيام بذلك بهدف استجلاب ردود فعل لدى الناس».

وإذا ما كان المجتمع الاستهلاكي من ابرز أهداف رسامي الجرافيتي، فإن السلطة السياسية تأخذ حصتها ايضا من سهام هؤلاء. فقد تم رسم جرافيتي كبير مع عبارة «احترقي بنار جهنم ماغي» في العاصمة البريطانية بعد وفاة مارجريت تاتشر سنة 2013، اذ ان رئيسة الوزراء البريطانية بين 1979 و1990 كانت تواجه انتقادات كبيرة على خلفية سياساتها التقشفية.

وأوضح تشارلز اوزيل ادواردز المعروف بـ»بيور ايفل» انه يرسم «نساء جميلات لكن أيضا أموراً سياسية تتعلق بأوكرانيا وأيضا بفلسطين». وهذا الفنان هو صاحب رسم غرافيتي بعنوان «الأقلام أقوى من الرصاص» للتنديد بالهجوم على «شارلي ايبدو».

الأسلحة هي أيضا العنوان الذي اختاره رسام الجرافيتي ديفيد من خلال رسم على احد جدران شوريديتش بدا فيه رشاش كلاشنيكوف مشطوب بعلامة حمراء كبيرة. وقال: «هذه هي الرسالة من وراء» حملة التضامن مع «شارلي أيبدو»، أي «حرية التعبير وإدانة العنف».