موازنة المعادلة الصعبة تتحدى الواقع وتنحاز للمواطن

الطيب الصادق –

تعرضت أغلب موازنات دول مجلس التعاون الخليجي في العام الجديد إلى عجوزات تختلف من دولة لأخرى حسب اعتمادها على النفط كمورد رئيسي للموازنة بعد أن هوت أسعار النفط العالمية دون 60 دولاراً للبرميل

لم تكن سلطنة عمان بمنأى عن هذا التراجع الحاد في أسعار النفط خاصة أن السلطنة تعتمد عليه كمورد رئيسي لموازنتها بنسبة تتخطى 80 بالمائة من إيراداتها مما يؤكد أن موازنة العام الجديدة التي أعلنت عنها وزارة المالية العمانية مؤخراً تتحدى الصعاب، وتعتبر من أهم التحديات التي تواجه السلطنة على مدار تاريخها الحديث نظراً لانخفاض أسعار النفط بنسبة كبيرة مما يحتم اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية للحفاظ على الاستقرار المالي وفي الوقت ذاته أن تكون غير مؤثرة على المواطنين العاديين أو الأيدي العاملة الوافدة لديها حتى لا ينعكس ذلك كله على الإنتاج والاقتصاد ككل.ولو نظرنا إلى أرقام الموازنة هذا العام نجد أن السلطنة مستمرة في سياسة الإنفاق العام والانحياز للمواطن وبعيدة كل البعد عن التقشف الذي افترضته المؤسسات الدولية وصندوق النقد الدولي لاقتصاد الدولة الخليجية رغم هبوط أسعار النفط التي تمول الجزء الأكبر من إيراداتها وهو قرار صائب رغم تدني أسعار النفط قرب 60 دولاراً للبرميل، وهو ما يعني أن السلطنة وضعت في اعتبارها تحجيم العجز والتحسب لمثل هذا التطور بالخطوات الصحيحة وفي الوقت المناسب والعمل لاحتواء وامتصاص أي مردود سلبي محتمل وفق ما قدمه صندوق النقد الدولي من اقتراحات في وقت سابق خاصة أنه توجد أمام السلطنة خيارات متعددة للتغلب على عجز الميزانية في حال استمرار هبوط أسعار النفط حيث يبلغ العجز المتوقع في موازنة 2015 حوالي 2.5 مليار ريال أي ما يعادل 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للسلطنة بعد أن بلغ حجم موازنة العام الجاري مع تقدير الإنفاق الحكومي بمبلغ 14.1 مليار ريال (36.6 مليار دولار) بزيادة 4.5 في المائة مقارنة مع خطة ميزانية عام 2014 ومن المتوقع أن تبلغ الإيرادات 11.6 مليار ريال بانخفاض 1 في المائة مقارنة مع إيرادات العام الماضي المتوقعة حول مستوى 11.7 مليار ريال .

ورغم الأزمة الحالية في أسواق النفط فإن الموازنة الجديدة أظهرت مرونة واضحة في التكيف مع المتغيرات الحالية والبرنامج الاستثماري للحكومة يدعم استراتيجيات التنويع الاقتصادي ويحافظ على النمو لكن الفترة المقبلة تتطلب تركيزاً على التخطيط الاستراتيجي لدعم القطاعات غير النفطية بما يقدم روافد مستدامة للموازنة العامة، وفي ظل مواجهة الصعاب التي فرضت نفسها على موازنة العام الجاري بعد تراجع إسهام القطاع النفطي في إيرادات السلطنة بنحو 5.5 في المائة مع تقديره عند مستوى 7.7 مليار ريال عماني (20 مليار دولار) مقارنة مع 8.15 مليار ريال (21.17 مليار دولار) مقدرة في مشروع ميزانية 2014 إلا أن هناك خيارات متعددة أمام السلطنة لمواجهة عجز الموازنة وكثيرا ما تلجأ الحكومات إلى تنفيذ عدد من هذه البدائل لتوفير المبالغ التي تسد عجز الموازنة دون أن تترتب عليها تبعات تضر بالأنشطة الاقتصادية أو الأمن الاجتماعي للدولة، ومن بين هذه البدائل المطروحة أمام السلطنة تأجيل مشاريع كبرى وعدم تنفيذ المشاريع التي تتطلب إنفاقاً عالياً، وليس لإنجازها مردود مباشر على الأنشطة الاقتصادية، وليس لها تأثير على السياسات الاجتماعية أو إصدار صكوك إسلامية وسندات التنمية الحكومية واللجوء إلى القروض الداخلية لتمويل المشاريع ذات البعد الاستثماري والعائد بما يجعل الإيفاء بها مع فوائدها من ذات المشاريع في زمن استحقاقها المحسوب بدقة فضلا عن محاولة الحصول على قروض خارجية من مستثمرين استراتيجيين، وهو ما أعلنت عنه وزارة المالية من خلال بحث عدد من السبل لتغطية العجز وقد توفر لها المنح الخارجية 200 مليون ريال والقروض الدولية 200 مليون ريال والاقتراض من السوق المحلية 400 مليون ريال وصناديق الاحتياطي الحكومية 700 مليون ريال وتحصل على مليار ريال أخرى من الفوائض التي تحققت في السنوات الماضية. كما يمكن في حالة زيادة الضغط على الموازنة اللجوء في حالة الضرورة إلى زيادة الضرائب وفرض رسوم على صادرات الغاز الطبيعي المسال وزيادة الضرائب على أنشطة الشركات وأرباحها وزيادة الرسوم على المعاملات الجارية والخدمات الحكومية ومختلف الأنشطة الجديدة وبيع بعض الأصول الخارجية المملوكة لصندوق الثروة السيادي العماني وتوفير مبالغها لسد العجز كما لابد من رفع الدعم الحكومي لأسعار بعض السلع والخدمات جزئياً أو كلياً بالقدر الذي يوفر السيولة لمتطلبات الإنفاق العام كما يمكن تغطية العجز من السحب من الاحتياطي النقدي للدولة.وبكل تأكيد يجب على السلطنة الشروع بإصلاحات اقتصادية تستند إلى استراتيجية للتنمية تستهدف تغيير بنية الاقتصاد من خلال العمل على تعدد الإيرادات دون الاعتماد على النفط كمورد أساسي للبلاد، وبوجه عام يرى كثيرون أنه يجب أن تضع السلطنة في اعتباراتها عدم التأثير على المواطنين بقدر الإمكان والابتعاد كل البعد عن الضغط عليهم من خلال فرض الضرائب أو ترشيد الإنفاق وعدم التأثير على الجوانب المرتبطة بحياة المواطنين ومعيشتهم وتوفير الخدمات الأساسية لهم وهو ما كان واضحا في بيان الموازنة الجديدة حيث تم اعتماد مخصصات مالية تبلغ حوالي تسعة مليارات ريال عماني لتلبية المتطلبات الاجتماعية في مجالات التعليم والصحة والإسكان والتدريب والدعم وغيرها من الخدمات الاجتماعية وهو ذات المستوى في موازنة العام الماضي، وكذلك يجب عدم التأثير أيضاً على التوظيف في القطاعين العام والخاص إلى جانب مستحقات الموظفين والعاملين بالدولة، باعتبارها من الثوابت الأساسية للحكومة فضلاً عن الحفاظ على سلامة واستقرار الوضع المالي والاقتصادي ومكتسبات التنمية، وهو ما أعلنت عنه السلطنة بالفعل مؤكدة أنها ستنفذ برنامجاً للخصخصة في السنوات الثلاث القادمة مما يؤدي بالضرورة إلى رفع منسوب مساهمة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي لأنه سيكون مكونا أساسيا في تحقيق الشراكة الفعالة بين الحكومة والمستثمرين بما يتيح مجالاً أوسع لعمل القطاع الخاص وتبنيه المشروعات الجديدة التي يحتاجها الاقتصاد في مختلف القطاعات سواء كانت مشروعات خدمية أو اقتصادية ويؤكد أن السلطنة تعمل في الاتجاه الصحيح في ظل توافر بدائل لتراجع سعر النفط من خلال تعظيم الموارد الأخرى للبلاد.

على أي حال فعلى الرغم من جميع الصعوبات التي تواجه موازنة السلطنة وما سيشهده العام الجديد على الأقل في نصفه الأول من استمرار الأسعار المنخفضة للنفط الخام، ما يضيف تحديات أعباء اقتصادية كبيرة لكن لم تصل الأمور بعد إلى نقطة حرجة والسلطنة قادرة على تجاوز هذا الانخفاض واستيعاب الأزمة والتعامل معها خاصة أن حجم عجز الموازنة العامة يعتبر في الحدود الآمنة، وتستطيع السلطنة سداده بسهولة ودون أعباء ثقيلة على الاقتصاد الوطني ومعدلات النمو، خاصة أن الحكومة ستبدأ في تنفيذ المشروعات الاستثمارية من خلال الشركات المملوكة خلال العام الحالي، والتي تحمل آفاقاً وفرصاً لتحفيز أنشطة القطاع الخاص، وتوفر العديد من فرص العمل الحقيقية.