سمير عواد –
في مستهل الموسم العاشر لمنتدى «كوربر» الذي أقامته مؤخرا مؤسسة «كوربر شتيفتونج» أحد معاهد السياسات الألمانية والدولية في العاصمة الألمانية برلين، جرى حوار على منبر المعهد، بين توماس باولسون، خبير العلاقات الدولية في المعهد، وبين فرانك فالتر شتاينماير، وزير خارجية ألمانيا الذي ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف المسيحي/الاشتراكي الحاكم، الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وتم استعراض القضايا التي شغلت السياسة الخارجية الألمانية عام 2014، والتي ستشغلها في العام الجديد 2015.
وتجدر الإشارة أن الرئيس الألماني يواخيم جاوك، ووزير الخارجية الألماني شتاينماير، ووزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين، قد صرحوا لدى مشاركتهم في مؤتمر ميونيخ للأمن مطلع العام الحالي، أن ألمانيا سوف تتولى مسؤولية أكبر تجاه العالم، ولم يكن أحد يتصور أن الأزمة الأوكرانية سوف تتفاقم، وتتحول إلى تهديد جدي بنشوب حرب باردة جديدة بين الشرق والغرب. كما تفاقمت أزمة الشرق الأوسط، حيث ازداد الوضع توترا في المنطقة. ومن المتوقع أن تركز السياسة الخارجية الألمانية في العام الجديد، على مقارعة هذين النزاعين.
وقال شتاينماير أن أزمة أوكرانيا سوف تغير أوروبا، وأضاف أن الأوروبيين الغربيين فقدوا الكثير من الثقة بروسيا، ومن وجهة نظره، فإن أكبر خطر، هو أن تصبح أوروبا عاجزة عن حل هذه الأزمة، وتنتشر الفوضى في أوروبا، وسوف تقع كارثة في أوروبا، إذا لم يتم احتواء هذه الأزمة في القريب العاجل، وحصلت مواجهة عسكرية مباشرة بين الجيشين الأوكراني والروسي.
وأوضح وزير الخارجية الألماني قوله «ربما ينشأ ستار حديدي جديد في أوروبا» وأضاف: نحتاج إلى قرار وقف إطلاق النار، ولكننا لم ننجح بذلك حتى الآن، كما لا أستطيع التنبؤ بأن ذلك سوف يتم في القريب، ولا أعرف إذا ما أصبحت روسيا تعتبر نفسها عدوا لنا أم لا. ثم حسم شتاينماير الموضوع وقال «يجب أن يجري حل هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن».
وكان شتاينماير بعد استعادته منصبه قبل أكثر من عام، قد وعد بأن يغير نهج السياسة الخارجية التي عمل بها سلفه، د. جيدو فيسترفيللي، وأعرب عن سعادته وهو يسمع سؤالا من الجمهور، حول أهداف السياسة الخارجية الألمانية، وقال إن ذلك يعبر عن تنامي اهتمام المواطنين الألمان بالسياسة الخارجية الألمانية، خاصة وأن عملية استقراء للرأي تمت لحساب القناة الثانية للتلفزيون الألماني zdf مؤخرا، دلت على أن شتاينماير يتصدر قائمة السياسيين الأكثر شعبية وقبل المستشارة ميركل.
غير أن اهتمام المواطنين الألمان بالسياسة الخارجية، سببه عدم وجود مشكلات تقلقه في الداخل، ذلك أن الأوضاع المعيشية للألمان في أفضل مستوى عرفوه منذ عقود، لكن العنف الذي يمارسه تنظيم «داعش» ووجود أكثر من أربعمائة ألماني في العراق وسوريا، يحاربون في صفوف التنظيم المذكور، يقلق الألمان، الذين يخشون أن يرتكب هؤلاء عند عودتهم لألمانيا اعتداءات إرهابية.
لكن رغم رغبة ألمانيا بتحمل مسؤوليات دولية أكبر، فقد دلت مواقفها بعد مؤتمر ميونيخ للأمن، على عدم استعدادها لترجمة هذه الرغبة إلى أفعال، كما كان البعض يعتقد. إلا أن ألمانيا، تجد نفسها بعد خمسة وعشرين عاما على انهيار جدار برلين، قريبة جغرافيا من منطقة نزاع جديد، خاصة وأنها لا تخفي تعاطفها مع أوكرانيا، لكنها في الوقت نفسه، مرتبطة بعلاقات سياسية واقتصادية وطيدة مع روسيا، حيث تعتمد على موسكو في التزود بثمانين بالمائة من الغاز عبر أنبوب يمر في الأراضي الأوكرانية، وأي وقف لهذه الإمدادات، سيشكل مشكلة للألمان، لذلك ليسوا قلة هم الذين يطالبون برلين منذ وقت، بالبحث عن مصادر أخرى لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
وتطرق شتاينماير إلى علاقات ألمانيا مع شركائها، وقال إنه قد زال التوتر الذي نشأ بعدما رفضت ألمانيا التصويت لصالح القرار 1973 بشأن ليبيا في مطلع عام 2011، الأمر الذي كان خيبة أمل لحلفائها في الناتو وفي الاتحاد الأوروبي، حيث كان وزير الخارجية الألماني السابق فيسترفيللي، أن يجنب بلاده الدخول في حرب ضد ليبيا، آملا بأن يرفع شعبية حزبه، مثلما فعل المستشار السابق جرهارد شرودر عام 2002، عندما رفض مشاركة ألمانيا في غزو العراق، الأمر الذي ساعد حزبه الاشتراكي الديمقراطي بالفوز في الانتخابات التي تمت في العام المذكور. وأشار شتاينماير إلى أن ألمانيا تتعاون مع حلفائها في البلقان وأفغانستان وفي العراق، عوضا عن أنها عضو في مجموعة أصدقاء سوريا.
بالنسبة لألمانيا، فإن الرئيس السوري بشار الأسد، فقد شرعيته، ولكن لا أحد يعلم ما إذا هذا الموقف سيتغير، في ضوء انتشار «داعش»، ففي برلين هناك من دعا إلى التعاون مع الأسد في مواجهة «داعش»، لكن المعارضة السورية النشطة هنا، قالت إن هذا سيكون خطأ كارثيا على سوريا.
وحينما سُئل شتاينماير عن قرار بلاده تزويد الأكراد في العراق بالسلاح لمواجهة «داعش» قال إن هذا لم يكن قرارا سهلا، لكن الذي دفعنا لاتخاذه كان انتشار «داعش» وخوفا من وقوع مجازر وكارثة إنسانية كبيرة، كما أن هذا التنظيم كان يشكل تهديدا كبيرا لأمن العراق، وليس ذلك فحسب، بل يريد هذا التنظيم الانتشار في سوريا وكذلك في الأردن وربما يضع عينه على الأماكن المقدسة في السعودية وهو ما لن نسمح به. وأكد شتاينماير أن إرسال أسلحة ألمانية إلى الأكراد، تم في إطار استراتيجية سياسية شاملة، وأضاف أن بلاده تدعم الحكومة العراقية لتساعدها في تشكيل تحالف يواجه «داعش»، في نفس الوقت، تعمل برلين لهدف ضم الميلشيات السنية في العراق إلى التحالف ضد «داعش» بعد أن تم استثناء السنة من المشاركة في العملية السياسية خلال السنوات التي تلت الإطاحة بصدام حسين، وقال إن هذه الخطوة، سوف تسهم في عودة اللحمة للمجتمع العراقي ونهاية التمييز الذي مارسه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، مما سيؤدي إلى عودة الأمن والاستقرار لهذا البلد.