الميزانية العامة للدولة وتجاوز المتغيرات العالمية

بالرغم من الانخفاض الحاد في أسعار النفط في الأسواق العالمية في الأشهر الأخيرة، وما يفرضه ذلك من التفكير في خطوات ضرورية للحفاظ على سلامة واستقرار الوضع المالي والاقتصادي، واستيعاب هذا الانخفاض، والحد قدر الإمكان من الآثار المترتبة عليه، والتي تطال كل الدول المنتجة والمصدرة للنفط، من داخل أوبك وخارجها أيضا، فإن إصدار حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه – للمرسوم السلطاني رقم (1/ 2015) بالتصديق على الميزانية العامة للدولة لعام 2015، وبدء العمل بها منذ اليوم الأول للعام الجديد، يشير بوضوح إلى حقيقة الدقة والالتزام ، من جانب الحكومة وأجهزة الدولة المختلفة ، وتكامل العمل فيما بينها، تنفيذية وبرلمانية، للوفاء بالمتطلبات في موعدها المحدد، وهو أداء من المهم والضروري تعميم وتعميق الالتزام به، بالنسبة لكل المؤسسات والهيئات، ليس فقط على صعيد الجهاز الإداري للدولة، ولكن أيضا على صعيد القطاع الخاص والأفراد، كل في موقعه والمستوى الذي يعمل فيه.

وفي الوقت الذي تشير فيه التوقعات الخاصة بنمو الاقتصاد العماني إلى أنه سيحقق نحو 4,4% كمعدل نمو حقيقي في عام 2014، وهو معدل نمو كبير في الواقع، ولكنه يعكس المقومات والأسس الراسخة للاقتصاد العماني، والتي تم تشييدها خلال العقود الماضية، ومن ثم قدرة الاقتصاد العماني على التعامل والتفاعل مع مختلف التطورات العالمية والإقليمية أيضا، وهو ما حدث من قبل مرات عدة، فإن حجم الإنفاق العام المقدر في ميزانية هذا العام يصل إلى 1,14 مليار ريال عماني وهو حجم إنفاق يتجاوز حجم الإنفاق المقدر في ميزانية العام الماضي بنحو 5,4%، في حين أن حجم الإيرادات العامة يقدر بنحو 6,11 مليار ريال عماني وهو ما يقل بنحو 1% عن حجم الإيرادات المقدرة في ميزانية عام 2014، ومن ثم فإن حجم العجز المقدر يصل إلى نحو 5,2 مليار ريال عماني، وهو ما سيتم العمل على تدبيره عبر سبل مختلفة، وعلى نحو يحافظ على استقرار الأداء المالي والاقتصادي، والحفاظ كذلك على مستوى الدين العام، مع العمل على تعظيم الاستفادة من إمكانات وطنية متاحة وقادرة على الإسهام الفعلي في زيادة إيرادات قطاعات الاقتصاد العماني المختلفة.

ومع الوضع في الاعتبار أن الميزانية العامة للدولة لهذا العام راعت والتزمت بالحفاظ على متطلبات الإنفاق في قطاعات التعليم والصحة والإسكان والتدريب والدعم والضمان الاجتماعي والتوظيف، وغيرها من القطاعات ذات الصلة بحياة المواطن العماني والحفاظ على مستوى معيشته، وذلك في إطار التوجيهات السامية والأسس التي وضعها جلالة السلطان المعظم، فإن الميزانية العامة للدولة راعت والتزمت كذلك بالعمل على تنشيط قطاعات الاقتصاد العماني ، سواء عبر مواصلة النشاط الاستثماري وتنفيذ المشروعات الكبيرة، خدمية وإنتاجية، أو عبر إعطاء قوة دفع أكبر للقطاعات غير النفطية، وعلى نحو يزيد من إسهامها في الناتج المحلى الإجمالي، وذلك جنبا إلى جنب مع تطوير قطاعات النفط والغاز. وتظل هناك حقيقة أساسية تتمثل في حقيقة أن تطبيق الميزانية وتحقيق أهدافها هو أمر لا تتحمله الحكومة وحدها ولكن يتحمله المواطن كذلك، ومن ثم فإن التعاون مهم وضروري لنحقق معا ما نصبو إليه وما وضعه جلالته من أهداف لمسيرة التنمية الوطنية وتجاوز أية متغيرات عالمية، لا مناص من التعامل معها واستيعاب آثارها.