الأسس الاقتصادية لتوحيد جدول الدرجات والرواتب لموظفي القطاع المدني

د. محمد رياض حمزة -

dirwa2000@yahoo.com -

في الدورية الاقتصادية الشهرية «الخزينة» لشهر يونيو 2014، وفي مقابلة مع الشيخ محمد بن عبد الله الحارثي رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية تناولت المقابلة الأمر السامي بتوحيد جدول الدرجات والرواتب لموظفي القطاع المدني الذي سرى تنفيذه ابتداءً من الأول من يناير 2014، جاء في عنونها «لا أسس اقتصادية لتعديل درجات القطاع الحكومي»، ثم استُهِلّت المقابلة بالتساؤل عن الأسس الاقتصادية التي تم الاعتماد عليها لتعديل الدرجات المالية في القطاع الحكومي». كما تناول الشيخ الحارثي بالتحليل التبعات التي رأى إنها نتجت عن التعديل مستهلا حديثه للمجلة بما نصه «لست ادري ما هي الأسس الاقتصادية التي تم الاعتماد عليها لتعديل الدرجات المالية في القطاع الحكومي، ولماذا هذا التناقض الكبير في السياسات، ومن المسؤول عن هذا التخبط الذي أعتبره جريمة ضد الاقتصاد العماني يتطلب محاكمة المسؤولين عنها».

لتوضيح الأسس الاقتصادية التي اعتُمِدَتْ في توحيد جدول الدرجات والرواتب لموظفي القطاع المدني الحكومي.. يمكن استحضار عدد من الحقائق التي وردت في الأمر السامي وكما يلي:

أولا : إن قرار توحيد جدول الرواتب أُشْفِعَ بدراسة تفاصيل تطبيقه فورد فيها المعرفة المسبقة بما سيترتب على القرار ما نصه «إن ذلك سيؤدي إلى زيادة في مخصصات بند الرواتب بموازنة الدولة لتصل إلى نسبة (39) بالمائة. كما قضت الأوامر السامية بتشكيل فريق عمل مفرغ من الجهات المعنية تعهد إليه مهمة مراجعة بدلات طبيعة العمل وأي بدل آخر يصرف في بعض الوحدات وذلك قصد دراستها دراسة متعمقة من حيث أحقيتها وتبعاتها المالية وذلك لغاية التوصل إلى وضع قواعد وضوابط موحدة تسري على كافة موظفي قطاع الخدمة المدنية بصورة تحقق العدالة».

وذلك يعني أن تطبيق القرار كان قد دُرِسِ على أسس مالية، وأن زيادة في مخصصات بند الرواتب بموازنة الدولة لتصل إلى نسبة (39) بالمائة مصدرها هامش الإدخار من الدخل القومي المتراكم الذي بلغت جملته 67 مليار و394 مليون ريال عماني خلال السلسلة الزمنية (2002 ـــ 2012). علما أن هامش الإدخار القومي من الدخل القومي كان دائما الممول لسد العجز في موازنات الدولة، ولأي إنفاق عام إضافي تتطلبه المشروعات التي تنفذ خلال كل سنة مالية:


ثانيا : عزز قرار توحيد جدول الرواتب نشاط الإدخار العام والخاص، فخلال الشهور الستة الأولى من عام 2014، شهد إجمالي الودائع لدى البنوك التجارية زيادة كبيرة بنسبة 16% ليصل إلى 17.3 مليار ريال عماني في نهاية يونيو 2014 مقارنة بـ14.9 مليار ريال عماني في نهاية يونيو 2013. ومن حيث التوزيع القطاعي لإجمالي ودائع القطاع الخاص فقد شكلت ودائع الأفراد ما نسبته 48.4% تلتها ودائع الشركات غير المالية بنسبة بلغت 29.5% ثم ودائع الشركات المالية بنسبة بلغت20.4% وأخيرا ودائع باقي القطاعات 1.7%. ولم تقتصر حركة الادخار على القطاع الخاص أو الأفراد فقد شهدت ودائع الحكومة لدى البنوك التجارية زيادة بنسبة19.7% لتبلغ 5.1 مليار ريال عماني بينما زادت ودائع مؤسسات القطاع العام بنسبة 8.4% لتصل إلى مليار ريال عماني خلال نفس الفترة. وفيما يتعلق بالمكون الأكبر ضمن إجمالي الودائع وهو ودائع القطاع الخاص والتي شكلت ما نسبته 63% وقد زادت بنسبة 16.2% لتبلغ 10.9 مليار ريال عماني في يونيو 2014 مقارنة بـ9.4 مليار ريال عماني في نهاية يونيو 2013.

ثالثا: تعززت السيولة النقدية لدى القوى العاملة في القطاع الحكومي من خلال توحيد جدول الرواتب، فتصاعد الطلب الكلي على السلع والخدمات الأمر الذي نشط مختلف قطاعات الاقتصاد العماني، بما فيها القطاع العقاري. فقرار توحيد جدول الرواتب أُسِسَ على دراسة كان هدفها تنشيط الفعاليات الاقتصادية بإسهام السيولة النقدية التي آلت إلى موظفي القطاع الحكومي. فحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات فإن إجمالي موظفي القطاع الحكومي من المواطنين العمانيين بلغ 134 ألفا و417 موظفا، وخلال عام 2013 تواصل تعيين أعداد إضافية من المواطنين في القطاع الحكومي، فلابد أن يكون العدد قد تجاوز 150 ألف موظف. وتقدر وزارة المالية الكلفة الإضافية للتوحيد بما يتراوح بين 800 و900 مليون ريال تضاف إلى موازنة السلطنة للسنة المالية 2014م. بمعني أن وزارة المالية على دراية بمآل السيولة النقدية التي كان هدفها الأسمى تعزيز المستوى ألمعاشي لشريحة كبيرة من العمانيين.

وتضمن القرار الضوابط التي من شأنها تهيئة الاستقرار لأسعار المستهلكين في الأسواق التي نصت: «ومنعا لاستغلال مناسبة إقرار الجدول الموحد للدرجات والرواتب فستقوم الجهات المعنية كل في مجال اختصاصه بمراقبة الأسعار ومنع استغلال إصدار الجدول الموحد لرفع الأسعار واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين، إضافة إلى مراقبة المصارف تحسبًا لأية زيادة في سقف الاقتراض استغلالا للزيادة المترتبة على الجدول الموحد».

رابعا: في خُطب المقام السامي كلها وفي مختلف المناسبات شمل جلالته القطاع الخاص بالثناء. ففي خطاب جلالته أمام مجلس عمان في 12 نوفمبر 2012م جاء ما نصه «القطاع الخاص هو أحد الركائز الأساسية في التنمية سواء بمفهومها الاقتصادي الذي يتمثل في تطوير التجارة والصناعة والزراعة والسياحة والمال والاقتصاد بشكل عام أو بمفهومها الاجتماعي الذي يتجلى في تنمية الموارد البشرية وتدريبها وتأهليها وصقل مهاراتها العلمية والعملية وإيجاد فرص عمل متجددة وتقديم حوافز تشجع الالتحاق بالعمل في هذا القطاع.. ومن غير المقبول أن يكون هناك انطباع لدى بعض المواطنين بأن القطاع الخاص يعتمد على ما تقدمه الدولة وأنه لا يسهم بدور فاعل في خدمة المجتمع ودعم مؤسساته وبرامجه الاجتماعية وأنه لا يهدف إلا إلى الربح فقط ولا يحاول أن يرقى إلى مستوى من العمل الجاد يخدم به مجتمعه وبيئته ووطنه. إن مثل هذا الانطباع لن يضر بمستقبل القطاع الخاص فحسب بل إن أثره السلبي سوف يمتد إلى خطط التنمية في البلاد لاسيما خطط تنويع مصادر الدخل لذلك فإن القطاع الخاص مطالب بالعمل على إزالة هذا الانطباع من الأذهان واتخاذ خطوات عملية مدروسة وناجعة في هذا الشأن بزيادة إسهاماته في التنمية الاجتماعية ومشاركة الحكومة بهمة وعزم في تنفيذ سياساتها في هذا المجال والعمل يدا بيد مع مؤسسات المجتمع المدني».

يضاف إلى ما تقدم فإن القطاع الخاص في السلطنة نشأ في رعاية الدولة وكانت المؤسسات الحكومية ملبية لمتطلبات نموه وتوسّع منشآته.. ووفاء لما قدمته حكومة السلطنة للقطاع الخاص خلال سنوات النهضة المباركة ووصولا إلى شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص… كان على القطاع الخاص أن تعمل منشآته وشركاته ومصالحه على مماثلة أوضاع القوى العاملة الوطنية لديه بما هي عليه من علاقات عمل في القطاع الحكومي سواء في الأجور وفي بيئة العمل وفي التدريب وفي نظم الرعاية والضمان الإجتماعي، ليكون القطاع الخاص الجاذب للقوى العاملة الوطنية في مختلف مستوياتها وتخصصاتها، فيتولى مسؤولية تشغيل الباحثين عن عمل وإحلالهم محل القوى العاملة الوافدة على أسس مدروسة مشفوعة بالتدريب والرعاية والإصرار على أن تكون للمواطن العماني الأولوية في التشغيل.

خلافا لما تقدم واليوم نجد أن هناك 42 ألفا و10 من الوافدين في مواقع وظيفية متقدمة في منشآت القطاع الخاص ( مديرو الإدارة العامة ومديرو الدوائر والأقسام والمستثمرون) حتى نهاية يوليو 2014.

أما كان بإمكان صناع القرار والمسؤولين العمانيين على رأس مجالس إدارات منشآت وشركات القطاع الخاص أن يتدبروا منهجية تضع الكفاءات العمانية في مختلف التخصصات الإدارية والاقتصادية والعلمية والتقنية في الوظائف القيادية تلك التي تحولت حكرا على غير العمانيين؟.

وهناك موضوع آخر يجب التذكير به في ضوء توحيد جدول الدرجات والرواتب لموظفي القطاع المدني للمواطنين العمانيين وهو أوضاع القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص، وبهدف إنصافهم واستقرارهم في المنشآت التي يعملون فيها يجب تطبيق أحكام قانون العمل في الحد الأدنى من الأجور أولا، وإيجاد السبل التي من شأنها رفع درجات رواتبهم بم يتناسب مع نظرائهم العاملين القطاع المدني الحكومي. وإن عزوف القوى العاملة الوطنية عن قبول العمل في القطاع الخاص سببه المعاناة التي يلقاها معظم العمانيين في منشآت القطاع الخاص في معاملتهم من إدارات يديرها وافدون مما يترك المواطن عمله مضطرا.

كان اهتمام معظم القطاع الخاص في أنشطته الاقتصادية المختلفة، الإنتاجية والخدمية، ولا يزال منصبا على تشغيل القوى العاملة الوافدة، متذرعا بالإنتاجية والكفاءة، متطلعا لتقليص الكلف الكلية وتعظيم الأرباح فبلغ عدد القوى العاملة الوافدة مليونا و614 ألفا و34 عاملا وافدا حتى نهاية شهر يوليو 2014.