مرتضى بن حسن بن علي –
appleorangeali@gmail.com –
رغم كل الظروف الاستثنائية الصعبة التي نواجهها، فإن اعتقادي – بل ويقيني – ان ما يليق بتاريخ وميراث عمان وما يقتضيه مستقبلها في الوقت نفسه، يفرض أن تتصدى الهمم لكي تتخطى الظنون. والمخرج الذي يتعلق به املي هو أن تستطيع العناصر المستنيرة الى مهمة واقعة عليها – وليس على غيرها – أن تتقدم جميعا الى دور الفاعل وليس دور المراقب، والى دور المؤثر وليس دور المهتم، والى دور المساعد وليس دور المشتكي فقط.ويستوجب علينا جميعا تهيئة المجتمع ان يكون مستعدا ومتعاونا ومتفهما، لقبول قرارات اقتصادية واجتماعية قد تكون صعبة، على الرغم من المحاولات التي تبذلها الحكومة بعدم المساس بالامور التي تؤثر على المواطن العادي، ومحاولة بذل الجهود لتفادي حصول اي ركود اقتصادي يؤثر على الجميع.
ومعالجة الظروف الاستثنائية، تتطلب معالجات متعددة منها مراجعة الانفاق بشكل جذري ولا سيما الاستهلاكي منه، وتخفيضه، بعد ان تضخمت الحكومة بشكل كبير واصبحت ازدواجية في الاختصاصات وتشتت الجهود واعادة النظر بالاعداد الهائلة من الموظفين وتقليلهم.. هناك ايضا حاجة ملحة لدراسة اوضاع المؤسسات التي انشئت ولم تقدم الكثير وانتهت صلاحيتها وانشئت مؤسسات جديدة وهي تكلف كثيرا من الاموال اضافة الى حدوث ازدواجية في الاختصاصات والمسؤوليات، كما هناك ضرورة لفض التشابك بين الجهات الاشرافية والجهات التنفيذية والفصل بين العام والخاص، هناك ايضا نظام للمناقصات يستحق اعادة النظر فيه من حيث القوانين المنظمة او من حيث الكفاءات الموجودة، وهو جهاز – في نظر وزعم البعض- منحاز بطبيعة قوانينه الى شركات محددة وغير قادر ان يعطي المجال لبروز شركات اخرى منافسة. هناك حاجة ملحة ايضا باعادة النظر في الشركات الحكومية التي تستنزف اموال الخزينة وتحويلها الى شركات مساهمة عامة، مع الحرص على اجتناب قيام بعض الاحتكارات بوضع ايديها عليها..
هناك ايضا حاجة لاعادة النظر في المشاريع الحكومية وتحديد الاولويات حسب الاحتياجات الأكثر ضرورة والأكثر قدرة على المساهمة في توليد الايرادات وتوفير فرص العمل للمواطنين، واعادة النظر في المواصفات التي تضعها الشركات الاستشارية للمشاريع التي ربما هي ليست ضرورية وتزيد التكلفة كثيرا، لاسباب معروفة.
ومن جهة اخرى تستوجب الظروف اعادة النظر فيما يسمى «بمؤسسات التجارة المستترة».، والطلب منها اعداد ميزانيات عامة لها حتى تقدر ان تساهم في دفع الضرائب. وفي هذا الصدد من المهم اعادة النظر في كل القوانين التي تنظم سوق العمل والأعمال وتساهم في تقليل الانتاجية وزيادة التكلفة وزيادة البيروقراطية وتفاقم بعض صور الفساد المعروفة. هناك الآن ضرورة لاصدار قانون جديد ومرن ومتناسق للعمل، حيث ان القانون الحالي – من وجهة نظر الكاتب – يقف حجر عثرة في التعمين ويؤثر على زيادة الانتاجية وتدريب المواطنين ويخل بمبدأ العقاب والثواب ولا يساعد على جلب ثقافة العمل.قد تكون هناك حلول اخرى ويصعب من الدخول في تفاصيلها الآن. ولكن في الأخير لا بد مما لا بد منه.
ان عمان رغم الظروف الاستثنائية، تمتلك قيادة فذة متمثلة بحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه – كما تمتلك سجلا من انجازات كبيرة لابد من المحافظة عليها، هي تمتلك ايضا طاقات وموارد مادية ومعنوية كثيرة وخبرات متراكمة يجعلها مؤهلة لعبور الظروف الاستثنائية ومعاودة التغيير والتجديد والسير الى الامام.
لكن هناك في ظني، ضرورة للسعي لايجاد تيار عريض متسق ونشيط تكون له الأهليه والكفاءة على استكمال عملية درس وتحليل واستيعاب عوامل الأزمة وتطوراتها وتكون له مكانة وفرصة التواجد، لعله يستطيع التأثير.وأظن أن ذلك ممكن من خلال تشكيل منصة للحوار الاقتصادي والاجتماعي يصاحبها توسعة عضوية المجلس الأعلى التخطيط، على أن يتم اختيار الاعضاء بعناية ودقة وتضم مختصين في جميع فروع الاقتصاد والاجتماع ووضع الخريطة الكاملة امامها، للفحص والتدقيق والتوصل الى حلول وقرارات ليست سهلة، وفي كل الاحوال فان القرارات السهلة لن تستطيع ان تقدم حلولا لتجاوز الظروف الاستثنائية والتطلع الى المستقبل بثقة.
ووجود اشخاص مستقلين بما فيهم الشياب، سيعطى القرارات زخما وتأثيرا ويقلل من الميل الطبيعي الغريزي لمقاومتها أو رفضها، لأن كثيرين سوف يشعرون ان القرارات هي في مصلحتهم على الأمدين المتوسط والبعيد وهي نتيجة ومحصلة جهد وطني مشترك وبالتالي انها جدية واتخذت ضمن بدائل عديدة. كما سيكون ضروريا حشد كل وسائل الاعلام لكي تلعب دورا مؤثرا في هذا الصدد.
ويكون من صميم عمل المنصة المقترحة دراسة مجمل الاوضاع المحيطة بنا وفي كيفية تنويع مصادر الدخل وبناء القوة البشرية العمانية المؤهلة وعن اسباب ضعف الانتاجية وغياب ثقافة العمل وفي كيفية تقوية المؤشرات التنافسية واسباب عدم قدرتنا على جذب الاستثمارات الخارجية بالمعدلات المطلوبة، وعدم قدرتنا على تطوير القطاع السياحي والقطاعات الاخرى، وفي كيفية اجراء اصلاحات جذرية وهيكلية عميقة في انظمة التعليم العام والتعليم الفني والجامعي.
وبدلا من الاستمرار في النقد المتبادل وجلد الذات والقاء كل فريق اللوم على الفريق الآخر، والتي تحولت الى لعبة عبثية مكلفة ماديا ونفسيا، علينا ان نتجه الى معرفة الذات.ان البكاء على الاطلال عقيم ثم انه مهين، فالماضي لا يعود والتجارب لا تستعاد، والزمن يتغير باستمرار – وهذه سنة الحياة.
ومهما كانت المسؤولية، فان كل مواطن لا بد ان يكون له دور يلعبه، وعلينا توضيح الامور له بكل الوسائل المتاحة، فالمواطنة هي حقوق وواجبات، وليست حقوقا فقط. واذا كانت المسؤولية الحكومية هرمية بطبعها فان المسؤولية الوطنية موحدة بطبيعتها. وكل مواطن له دور يؤديه، بغض النظر عن موقعه في معادلة الخط المستقيم الواحد – معادلة الوطن.
اذا كان النفط اصلا ناضبا وسلعة لا يمكن التحكم بها، فانه من المهم ان نجد لنا جملة من الخيارات الاستراتيجية ووضع التصورات واعداد خطط للمسارات التي يجب ان يسير به الاقتصاد الوطني حتى عام 2040 ومابعده، وذلك من اجل خلق بدائل للنفط و المحافظة على دخل ونمو معقولين، يساهمان على ايجاد فرص عمل جديدة ومجزية، واستيعاب الزيادة المطردة في حجم القوى العاملة الوطنية.
والنمو الحقيقي الذي نحتاجه والذي يحسب حسابه ليس هو النمو المرتبط بانتاج النفط واسعاره، مايجب حسابه هو النمو الذي تصنعه المحركات الذاتية الوطنية، مشكلتنا ليست – ولم تكن- مشكلة مالية ونقدية، اي مشكلة توفر الأموال والثروات. ان مشكلتنا هي في كيفية تجديد وتحديث دولاب الانتاج وتنشيط المجتمع اقتصاديا وتعليميا واجتماعيا وانتاجيا.
ان سنة الحياة طبيعية اشياء وتقلب العصور منطق أشياء، لكن الارادة ة الانسانية تظل لها القدرة – اذا تسلحت بجسارة الفكر والفعل – على تطويع السنين والعصور وتعظيم الفائدة من متغيراتها. ولا يأتي ذلك بالرضوخ الذي يهنئ نفسه بالواقعية ولا بالعناد الذي يعزي نفسه بالتزاماته المبدئية.
والتاريخ يأتي دائما ليقدم قوائمه بالفائزين والخاسرين، ذلك لأن المتغيرات الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والتطورات التكنولوجية، شأنها في ذلك شأن الحروب والدورات الرياضية، لا تنطوي في العادة على منفعة لجميع الاطراف. ان من يتمتع بالتقدم هي الجماعات والاوطان والأمم التي غدت قادرة على تسخير العلوم والوسائل والابتكارات لمصلحتها، فيما لحق الضرر بالجماعات والاوطان والأمم الاخرى، الاقل استعدادا للاستجابة للمتغيرات التكنولوجية والعلمية والاجتماعية. عاشق الحضارات والمؤرخ البريطاني المشهور (ارنولد توينبي )، له نظرية مشهورة في قيام الحضارات والتقدم تتلخص في « التحدي والاستجابة له» . والاستجابة الايجابية للتحدي تحفز على ايجاد محاولة جادة للتغلب على المشاكل والتغلب عليها وايجاد ثقافة جديدة تحفز على التقدم.. وعندما تكون الاوطان على معرفة وبينة، فانها ستدرك – حتى في الحالات الاستثنائية وحالات التعب والارهاق – كيف تصد عن نفسها وكيف ترد، وكيف تستثمر المشاكل لصالحها وكيف تواصل تقدمها وتمشي في مسيرتها. والثقة كبيرة ان عمان ستواصل مسيرتها وتقدمها باذن الله، في ظل القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة السلطان المعظم.، – حفظه الله ورعاه-.


