عاصم الشيدي –
كنت أعتقد أننا تعلمنا الكثير من الدروس عام 2006 حيث كانت مسقط عاصمة للثقافة العربية، لكن لم نقدم في ذلك العام الكثير للمدينة ولا للثفافة العمانية التي كانت في أمس الحاجة إلى أن تنتقل نقلة عربية نظرا للإنجازات الكبيرة التي حققها الأفراد وحققها المشهد. بقي إنجاز المؤسسة الثقافية خافتا جدا، بل إن البعض رآه معدوما. ولولا تدخل جلالة السلطان ـ حفظه الله ـ بطرح جائزة عربية قيمة حملت اسمه، وندوة كبيرة حول الراحل نجيب محفوظ لبقيت احتفالية مسقط بعيدا عن تسجيل أي حضوري حقيقي ، دع عنك الفعاليات البسيطة التي تقام هنا وهناك وتنسب كلها لمسقط عاصمة الثقافة العربية. أقول كنت أعتقد أننا تعلمنا الكثير من ذلك الدرس ونحن نستعد للاحتفال بمدينة نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، ولكن بعد شهر من بدء سنة الاحتفال إننا لم نتعلم أي شيء إطلاقا وسنكرر نفس السيناريو الذي رأيناه في مسقط وبنفس المخرج.
كان الحلم هذه المرة أن تلقى مدينة نزوى عناية خاصة؛ فهي مدينة تحمل الكثير من الإرث الثقافي والحضاري الذي يجعل من واجب المؤسسة الثقافية أن تبرزه للعالم حتى دون مناسبة فكيف إذا كانت المناسبة بهذا الحجم وبحضور يمكن أن يصنع عربيا بسهولة.
لظروف تاريخية نعرفها جميعا بقيت الكثير من المدن العمانية وإنجازاتها التاريخية غائبة عن الحضور في الذهنية العربية.. كانت ثمة حواجز ثقافية ودينية وجغرافية وربما بشرية أحيانا أبقت عُمان في عزلة حضارية ولذلك بقي دورها الثقافي غائبا وأسماء أعلامها ومنجزاتهم الكتابية والإبداعية غير معروفة ولم تبذل فيما أعلم جهود مؤسسة للتعريف بالثقافة العمانية خارج الحدود وكسر تلك العزلة بكل تجلياتها وقيودها.. حتى جيراننا القريبون لا يعرفون الكثير من منجزنا الحضاري والإبداعي والتراثي. لا يعرفون عن الدورالذي لعبته مدينة نزوى «بيضة الإسلام» على مر التاريخ، وكيف كانت نزوى صورة أخرى من البصرة والكوفة وبغداد في مدارس العلم وحلقات الدرس ونشوء التيارات الفكرية والفقهية. بل أكاد أجزم أن العامة في عُمان نفسهم لا يعرفون الكثير من هذه التفاصيل.. ربما يعرفون قلعة نزوى، وبعض حواريها التاريخية لكن لا يعرفون نزوى باعتبارها مِصرا من أمصار العالم الإسلامي ومدينة كانت محورا لنشوء علوم فقهية دارت حولها الكثير من النقاشات، وعلوم كلامية وفلسفية.. ولم يبد لي، على الأقل، أن هناك من يريد أن يطرح كل هذا على طاولة التعريف داخليا وخارجيا.
تابعت شخصيا بحكم طبيعة عملي تفاصيل الكثير من الاحتفالات التي نظمت لمدن تم اختيارها لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية وكذلك للثقافة العربية.. مدن نعرفها جميعا قريبة منا وبعيدة، لها حضور حقيقي وبعضها لها حضور محدث مستعار ومصنوع ولكن القائمين على إعداد احتفالاتها قدموها للعالم الإسلامي بشكل ذكي، استغلوا الفرصة أفضل استغلال فعرفنا الكثير من التفاصيل، حقيقة ومجازا، عنها ودخلت تلك المدن في نفوسنا حتى حلمنا بزيارتها مرات ومرات لنعرف الكثيرعن تاريخها والكثير من تفاصيل الحضارات التي مرت بها. رغم أننا نعرف يقينا أن بعضها مدن ليس لها عمر حقيقي أكثر من 100 سنة على أبعد الظنون المتفائلة.
مدينة نزوى شيء مختلف تماما، مدينة حقيقية في سياقات الثقافة والحضارة وليست مدينة مصنوعة على الورق، وليست استعارة لمدة عام واحد وكنت/كنا نحسب أننا سنشهد إعادة الاعتبار لها وللتاريخ العماني وتاريخ المساهمة العمانية في بناء الثقافة الإسلامية عبر هذا العام، لكن المشهد لا يبدو مبشرا كثيرا، ولا يبدو أن هناك متفائلين كثر بقدرتنا وقدرة/رغبة مؤسستنا الثقافية لتقديم شيء مختلف أو حتى متشابه مع الآخرين يقدم المدينة وثقافتها وحضورها ومساهمتها الثرية على مر العصور.
صحيح أننا نكمل اليوم 26 يوما على بدء العام وبقي أمامنا 11 شهرا و4 أيام ولكن دائما ما نقول أن العتبات الأولى هي التي تكشف التفاصيل، والعتبات الأولى حتى هذا اليوم لم تكشف أي شيء، حتى المؤتمر الصحفي الذي كان مقررا لكشف روزنامة فعاليات نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية لم يقم حتى الآن. أما مسودة برنامج الفعاليات الذي حصلنا عليها في وقت سابق لا ينبىء بفعاليات وبرامج نوعية، مجرد محاضرات عادية جدا وأمسيات شعرية وسردية وهي فعاليات مطلوبة لدعم الفعاليات الحقيقية التي تعيد للمدينة حقيقتها وتعرِّف بها وتكشف تفاصيل تاريخها ولكن ليست هي الجوهر أو المتن. أما محاضرات بسيطة تقام لمدة نصف ساعة ويحضرها عشرة أشخاص فهذه تأثيرها لحظي لا يملك أن يعيش كثيرا.
وجدول الفعاليات كما رأيت مسودته لا يملك أي مشروع ثقافي حقيقي يمكن أن يحقق جزءا من الطموحات، وكل المقترحات التي قرأنا وسمعنا أنها قدمت للجنة الرئيسية من مؤسسات مختلفة لم تجد لها طريقا إلى البرنامج.. بل إن أغلب اللجان التي شكلت لم يطل بها العمر وحلت سريعا نتيجة خلافات داخلية وعدم استجابة اللجنة الرئيسية لتوصياتها ومقترحاتها كما عرفنا وسمعنا من الكثيرين منهم.
وكنت أسأل أحد الأصدقاء ضُمّ إلى اللجنة الإعلامية حول ما إذا كان لدى اللجنة خطة عمل حقيقية فقال لي: من أخبرك أنني عضو في اللجنة؟ قلت له رئيس اللجنة. قال إذا أنا لم يخبرني أحد بشكل رسمي ولم أتلق أي شيء يفيد أنني عضو في اللجنة!!
فكيف إذا كانت اللجان غير مستقرة وغير متأقلمة وغير حاضرة في المشهد تماما كيف لها أن تقدم لنا رؤية حقيقية يمكن تطبيقها على الأرض خلال عام كامل؟
كانت نزوى قد حدد موعد الاحتفال بها منذ 5 سنوات تقريبا، وهي فرصة مناسبة للإعداد لهذه المناسبة ماديا ومعرفيا عبر حلقات عمل تضع الهدف أمام أعينها وهو التعريف بالمدينة تاريخا وحضارة وثقافة تعريفا في المحيط العربي وليس في المحيط المحلي رغم أهميته أيضا ومن ثم يتم وضع آلية وبرامج حقيقية لذلك للوصول إلى ذلك الهدف. ولكن فيما يبدو أن شيئا من ذلك لم يتحقق ولن يتحقق رغم رغبتي الحقيقية أن يبدو كلامي غير صحيح.
كان جدير أن نشهد في هذا الشهر حفلا كبيرا يدعى له المثقفون والصحفيون من مختلف دول العالم العربي لحضور تدشين فعاليات نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية حفلا يعطي صورة بانورامية عن المدينة وعن تاريخها ومساهمتها الحقيقية في صناعة المشهد الثقافي والحضاري الإسلامي.. حفلا تتحدث عنه الصحافة العربية عبر مندوبيها الحاضرين ليعرفوا أن ثمة مدينة حقيقية لم يسمعوا بها جديرة بالبحث وبالزيارة وبإعادة الاعتبار.
لكن من كل هذا لم يعقد حتى الآن المؤتمر الصحفي الذي أعرف يقينا أنه لن يدعى له إلا الصحافة المحلية فيما لو أقيم.
أسأل نفسي أين تكمن المشكلة هل في الإمكانيات المادية أم في الرغبة من القائمين على الأمر في صناعة حدث ثقافي حقيقي؟ أم في القدرة على التفكير والابتكار؟ أم أن هناك من يصر على بقاء الأمور كما هي ويرفض أي فرصة يمكن أن تعيد الاعتبار لأي مشهد من مشاهد الثقافة العمانية في زمن كثر فيه الحديث عن خفوت الدور وغيابه؟
استقطبت وزارة التراث والثقافة، المؤسسة الثقافية الأكبر في السلطنة، خلال الفترة الماضية شخصيتين ثقافيتين مهمتين لديها القدرة في اعتقادي لإعادة تشكيل المشهد نظرا لما يتمتعان به من قدرة ووعي بماهية الثقافة وآلية الدفع بها للحضور والبروز وهما الروائي والإعلامي محمد اليحيائي والدكتور الأكاديمي هلال الحجري، وكانت قبل ذلك قد استقطبت شخصية لا تقل أهمية وهي شخصية المهندس عاصم السعيدي.. هذه الشخصيات لو أرادت وأعطيت مساحة للعمل في اعتقادي أنها قادرة على صناعة حدث مختلف للمشهد الثقافي في السلطنة. قد يقول البعض أن الوقت مازال باكرا ويمكن أن نصنع شيئا لنزوى لكنني أقول يمكن أن يكون الوقت باكرا ولكن صناعة حدث حقيقي يحتاج إلى وقت طويل بين التخطيط والتفكير وبين التنفيذ. نحتاج قبل كل ذلك إلى إرادة حقيقية وبعد ذلك يمكن أن نبدأ العمل الثقافي ونتمنى أن لا تخيب ظنوننا في الجميع.. فنزوى ومن ورائها الثقافة العمانية وتاريخها الطويل يستحق أكثر مما كان وأكثر مما سيكون خلال المرحلة القادمة ووفق ما خطط.. وعلينا قبل أن نلوم الآخرين فيما يدَّعون على التاريخ العماني أن نلوم أنفسنا ومؤسساتنا ماذا قدمنا وماذا قدمت لهذه الثقافة وذلك التاريخ.