لماذا تحترم الآخرين في ظل حياد العلمانية؟

عبد الله بن علي العليان –

لا تزال الإساءات الموجهة إلى الإسلام ونبي الإسلام تتواصل في وسائل الإعلام الغربية بين الفينة والأخرى، وعلى لسان الكثير من السياسيين والأكاديميين الخ، فالغرب لم يعد ينظر إلى العرب والمسلمين تلك النظرة المنصفة والعادلة في أغلب المواقف، بل على العكس نجده يغذي عوامل الاختلاف والتقاطع على الصعيد الفكري والإعلامي والسياسي، أكثر مما يبحث عن مجالات التقارب والتواصل والتفاهم، وهي كثيرة، آخرها طبعا الصحيفة التي استهدفت جراء الرسوم كما قيل والتي كررت الرسوم والإساءات للرسول، مع صحف فرنسية أخرى، وهذا يبرز أن مقولات العلمانية عن الحياد، وعن حرية المعتقد واحترامه مجرد أقوال لا تحترم، بينما التشكيك مجرد التشكيك في الهولوكوست، يؤدي بصاحبها إلى المحاكمة والسجن، وهذا يحدث حتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهي مواقف لم تتغير للأسف في واقعنا المعاصر، وانه دين يدعو إلى العنف والتطرف والاستبداد وانه ضد المرأة وغير ديمقراطي.. الخ.قد يقول البعض: إن التراكمات النفسية التي أوجدها بعض المستشرقين واليهود أسهمت في ترسيخ هذا المفهوم الخاطئ.

لكن القضية ليست بهذا التبسيط بل إن هناك مؤشرات قديمة لا تكف عن الادعاء بالخطر الحضاري الإسلامي منذ منتصف هذا القرن وحتى الآن.

في عام 1952 قال ديبلوماسي فرنسي ((ليست الشيوعية خطراً فيما يبدو لي، فهي حلقة لاحقة لحلقات سابقة.

وإذا كان هناك خطر فهو خطر سياسي وعسكري فقط، ولكنه ليس خطرًا حضاريًا تتعرض معه مقومات وجودنا الفكري والإنساني للزوال والفناء.

إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي.

فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي.

فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة.

فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد من دون حاجة إلى الاستغراب، أي من دون حاجة إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية بصورة خاصة في الشخصية الحضارية العربية)). (لماذا هذا الرعب كله من الإسلام/ جودت سعيد). هذا الطرح القديم/ الجديد واضح الأهداف والمقاصد تجاه الفكر الآخر المستقل الذي يرغب في صياغة أهدافه وفق تميزه الحضاري، على رغم أن أغلب دول العالم الإسلامي ترتبط بعلاقات قوية مع الغرب، ولا يوجد ما يبرر مثل هذا الرأي المزعوم، لأن العالم العربي والإسلامي في صراع مع التخلف، وافتعال الصراع وفق تقديرات ليست واقعية ووهمية يعني تكريس هذا التخلف وتمديده.

ولعل أصدق تعبير ما قاله المفكر المغربي محمد عابد الجابري في إحدى الندوات: «أن صورة الإنسان العربي في الإعلام الغربي صورة مصنوعة (وسأل الحضور سؤالاً مباشراً: هل يستطيع أحد منكم أن يحدد بدقة ماذا تعني كلمة إسلام أو عرب في أذهانكم؟).

عندما يفكر الغربيون في الإسلام فإنهم لا يفكرون في إندونيسيا التي يزيد سكانها عن معظم تعداد الدول العربية، أو نيجيريا التي يزيد عدد سكانها عن المائة مليون، لكنهم يفكرون في إيران والعرب»!

وأشار الجابري إلى « أن العرب عندما كانوا تحت الاستعمار الغربي لم يحرقوا الأوروبيين في بيوتهم مثلما حدث منذ سنوات للأتراك في ألمانيا، ومع ذلك فصفة الإرهاب ما زالت ملازمة للعرب والمسلمين»!!

ولذلك، صورة الإرهابي الملازمة للعرب والمسلمين لم تتبدل تحت أي ظرف.

وهذا ما نستشفه من تصريح لسالازار منذ عقود مضت «إن الخطر الحقيقي إنما هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون من تغيير في نظام العالم.

فقيل له: إنهم في شغل عن هذا، يفكرون بخلافاتهم ونزاعاتهم.

فقال: إني أخشى أن يخرج من بينهم من يوجه خلافهم إلينا»!

وقد سارعت الحملات الإعلامية في الغرب إلى التخويف من العدو الجديد (الإسلام) بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في أواخر القرن الماضي، وتطوعت إسرائيل لاتخاذ كل التدابير لصد هذا العدو القادم.

فهذه رغبة صهيونية لا تخفى أهدافها على عاقل.

ومع ذلك وجدت إسرائيل آذاناً صاغية بالفعل لهذا التوجس من العدو الجديد «المصطنع»

وبروز بعد ذلك أصوات بارزة ومؤثرة في الغرب، لعل صوت البروفيسور صموئيل هنتجتون الأبرز بين هذه الآراء التي تحذر من خطر الإسلام على حضارة الغرب ومما قاله: إن الصراع في المستقبل سيكون صراع حضارات، وينبغي على الغرب أن يستعد للنزال مع الحضارة الإسلامية إذ إنها حضارة معادية (!!) ومن الاستعداد للصدام الدموي: تجريد المسلمين من عناصر القوة والنهضة منذ الآن حتى إذا وقع الصدام تكون قدرات العدو ضعيفة وتكون تكاليف المواجهة من ثم قليلة خفيفة!

بهذه النظرة التحريضية والاستعلائية تتبلور ملامح التفكير الغربي تجاه الآخر وتنسف تماماً «أوراق» اللعبة المزدوجة: الديمقراطية وحرية الاعتقاد، حرية التفكير وحقوق الإنسان.

يروي خالد شلدريك المستشرق البريطاني المسلم كيف أن الخصومة للإسلام هي التي أهدته إليه وكشفت أمامه الطريق إلى الحق فيقول: «لم أتلق هذا الدين في أول الأمر من كتبه ولكنني تلقيته من كتابات الطاعنين فيه.

لقد حملني البحث والتأمل إلى درس الديانات الأخرى، فدرست البوذية والبرهمية وسائر الأديان.

وفي دور الكتب العامة في بريطانيا دراسات عن كل الأديان ما عدا الإسلام، إذ إن الكتب التي ألفت عنه مملوءة بالتحامل والمطاعن والعرض الظالم والزعم أن الإسلام ليس ديناً مستقلاً ولكنه أقوال محرفة عن كتب المسيحيين! وقد تساءلت في نفسي: إذا كان لا أهمية للإسلام إلى هذا الحد فلماذا يبذلون كل هذه الجهود للتحامل عليه ومقاومته وتوجيه المطاعن إليه؟ وقد وقع في نفسي كما يقول أنه لولا أن الإسلام دين يخشاه هؤلاء ويحسبون حساباً كبيراً لما فيه من القوة والحيوية، لما بذلوا كل هذه الجهود لمقاومته والطعن فيه وتشويهه.

لذلك عزمت على قراءة هذه الكتب التي كتبت عنه.

فالإسلام لا يخيفه انتقاد منتقديه لكن هناك فرقا بين النقد وبين الشتائم والازدراء والكراهية.

مراد هوفمان، سفير ألمانيا السابق في المغرب، عندما أسلم وأصدر كتابه «الإسلام كبديل» قامت قيامة الصحافة الغربية والألمانية على وجه الخصوص بحملة تشهير على هوفمان وطالبت بمحاسبته على آرائه في هذا الكتاب، وهي آراء تجافي شعار الحرية الشخصية وحرية التعبير التي يرددونها عندما تجد صدى نفسياً لها.

ولعل أصدق تعبير عن هذه الكراهية للإسلام والمسلمين ما نقله الروائي الأسباني خوان جويتيسولو في كتابه «دفتر سراييفو» لأحد البوسنيين: «أن جوهر المشكلة يكمن أن هناك الكثيرين من الأوروبيين ما زالوا يرفعون راية المواجهة التاريخية بين المسيحية والإسلام وأشباح كوابيس الماضي.

فالغرب يعتقد أن يمتلك زمام الحقيقة والأخلاق والاستقامة.

ولكن سياسته تكشف هذا الادعاء يومياً.

فالواقع أن الغرب يريد أن يفرض سيطرته السياسية والاقتصادية على جميع الشعوب المسلمة، وأيضاً على كل ما يسمى بالعالم الثالث عموماً.

يحاول بكل ما يملك من وسائل منعنا من أن نتحد.

يريد أن يقنعنا بعدم قدرتنا على حل مشاكلنا من دون الاستماع إلى نصائحه ومساعدته.

إنه يعرف تفوقه التكنولوجي والاقتصادي والعسكري جيداً، لكنه يخشى قوتنا الروحية التي يفتقر إليها، وهو يعرف أنه يفتقر إلى هذه القوة الروحية»!

فالغرب دائماً هو البادئ بالهجوم منذ قرون ليس بغزو واحتلال فحسب، بل أيضاً بتوجيه الاتهامات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

فهذا الدين في نظره دين عنف وإرهاب، واحتقار للمرأة، وضد الحرية والتعددية، محاربة العقل والإبداع.

ولا يعترف بحقوق الإنسان، ويناهض الديمقراطية والرأي الآخر، ويخلط بين الدين والدنيا.

وهذه القائمة الطويلة من الاتهامات نجدها منتشرة في الكتابات الصحفية، وعند أقلام الباحثين، وعلى ألسنة بعض السياسيين، ثم يرددها رجل الشارع في الغرب، وهذه الممارسات لا تساعد على الحوار ولا تسهم في نزع التوتر القائم الذي يدفعه البعض إلى المواجهة دفعا، وهذه قضية تحتاج إلى عقلية المنصفين والساعين إلى لغة الحوار والتفاهم بعيدا عن الأحكام المسبقة، والنظرة غير العادلة تجاهه وفكره، والإساءات المستمرة للعقائد والرموز.