ترى كيف سيكون العرض المشترك بين موسيقيين من هنا وهناك! تجربة فريدة شهدناها في مسرح «كوزموبوليتك» بأوسلو. أمسية موسيقية وغنائية شاركت فيها فرقة صابرين الفلسطينية العربية وفرقة «ترانزييك» النرويجية الأوروبية. شاهدنا عدة وصلات فنية، قامت في مجملها على الاندماج الفني بين الثقافتين الفلسطينية والنرويجية، حيث تم التمهيد لتك الوصلات بعرض لفرقة صابرين، حيث تم تقديم 3 أغنيات منها أغنية جديدة لحنها الفنان سعيد مراد لشعر من جدارية محمود درويش. وقد شارك فنانان نرويجيان في هذا العرض. قام بالغناء الفنان وسام مراد، ولاقت ترحيبا من قبل الجمهور النرويجي والعربي والفلسطيني في أوسلو.
قدمت فرقة «ترانزييك» أغاني من التراث النرويجي والذي أثار إعجاب الجمهور المتنوع القوميات والثقافات هنا، حيث ألهب خيالهم .
لاحظت كيف ترتفع الموسيقى والغناء، فتشعر بطقوس وحيوانات وحروب ومغامرات وقسوة وحرب.
ربما استوحى الموسيقيون ألحانهم من التراث، أو أن الموسيقى هي نفسها قادمة من التراث، وان النرويجيين عبروا عن حياتهم الحربية من خلال الموسيقى والغناء.. نلمس القوة والقسوة والشجاعة.. وهذا من التاريخ.. صار تراثا، وغير موجود اليوم في هذا البلد الهادئ جدا والمسالم إلى أبعد الحدود..
ربما هذه الأغاني والموسيقى قادمة من عصر الفايكنج البحارة.. ومن جاء قبلهم هنا منذ 10 آلاف عام.
أما الوصلة الثالثة فكانت لوحة موسيقية تجلى فيها الاندماج الموسيقي في أعمق صورة له في هذه الأمسية، حيث انضم الفنان سعيد مراد عازفا على الناي ومهران مرعب عازفا على القانون، وقد استطاع العازفون الانسجام، بحيث بدت اللوحة كأنها مؤلفة لجميع هذه الآلات بأصواتها الخاصة واللحنية المميزة لها، خصوصاً لما هو شرقي.
فمن قال أن الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان وشاهد عرض الموسيقى العربية والغربية في أوسلو فسيكون عليه أن يعيد النظر في هذا التقسيم !
أما الاندماج على مستوى الغناء والموسيقى، فقد كان في الوصلة الرابعة حين عزف فنانو صابرين مع فرقة «ترانزييك» في تأديتها عدة أغان فولكلورية.
وقد شهدت الوصلة الخامسة عزف فرقة «ترانزييك» مع فرقة صابرين وهي تقدم أغانيها الخاصة.
ثم شارك وسام مراد مغني فرقة ترانزييك بتوقيعات عربية على اللحن النرويجي في وجود عازفين من الفرقتين.
في هذا الجانب الفني موسيقيا، رأيت أن فكرة «عرض فلسطين» بأن يكون المشهد الفني الفلسطيني جزءا من المشهد العالمي عبر تعاون الفنانين من فلسطين والخارج، فنان مع فنان، أكثر ما تحققت في الموسيقى والغناء..
سأتذكر تجارب شاهدتها من قبل في رام الله، بين فرقة صابرين مع موسيقيين من الولايات المتحدة.
فرقة صابرين الفلسطينية العربية هي فرقة موسيقية شرقية وفرقة «ترانزييك» النرويجية الأوروبية هي فرقة غربية، أي أننا إزاء حوار فني يتجاوز البلدين فلسطين والنرويج، بل ويتجاوز القوميتين العربية والإسكندنافية، إلى الشرق والغرب، بما يحملان من اتجاهات ومسافات وثقافات متباينة، ولكن تجمعهما الإنسانية التي تتجلى في الفن.
لقد عبرّت كل لوحة عن شكل معين من الاندماج، ولكن الوصلة الثالثة كانت كما ذكرنا أكثر لوحة موسيقية تجلى فيها الاندماج الموسيقي العميق، بحيث دفعتنا للتأمل الموسيقي كأنه تم تأليفها بوجود الآلات الغربية والشرقية.
كان ذلك جميلاً وجذاباً، ومثيراً للفكر، فمن قال: إن الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان سيتغيّر رأيه في هذا التقسيم، وسيجد أن الأرض واسعة وتحتمل التنوع الفني والفكري.
ولعلّ ذلك يثير الآخرين باتجاه تجريب الاندماج، ولو على مستوى المغامرة والاستكشاف!
فهل الاندماج الفني يمكن أن يكون رمزياً لاندماج فكري وفلسفي مثلا؟
والموسيقى والفنون هي أساليب جمالية فيها الخصوصية، ولكن فيها الفكر والخيال أيضاً.
وأخيراً، جميل أن يحمل المسرح بأوسلو هذا الاسم: «كوزموبوليتك»، الذي يدلّ على التعددية الحضارية.