نوافـذ: غياب الحقيقة في المشهد العماني

عاصـم الشـيدي –

assemcom@hotmail.com –

الناظر إلى المشهد العماني اليوم في عمومه وخصوصه يقرأ فيه الكثير من التشظي والاضطراب حول الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإنسانية والسلوكية، تيه قد يدل على مرحلة تطور أو عبور ربما، ولكنه يمكن أن يدل أيضا على حالة من فقدان الحقيقة وحالة من اليأس وربما الضياع.

والشعوب والأمم لا يمكن أن تعيش طويلا بدون حقيقة وتهنأ بالاستقرار النفسي على أقل تقدير.. لا أعني هنا بالحقيقة، الحقيقة المطلقة ببعدها الفلسفي فتلك حالة متعتها في استمرار البحث عنها. ولكنْ أعني وبشكل بسيط حقيقة ما يدور حولنا، صدقه وكذبه، فهمه وتصوره مع السياق العام الذي نعيش فيه.

هذا الأمر لو تأملناه ليس وليد اليوم والأمس ولكنه حالة تنتج بتراكم طويل في المجتمعات ثم تبدأ مشاكلها في الظهور مع تعدد منابع الوصول إلى المعلومة سواء كانت تحمل حقيقة أم تحمل ضدها.. وكسر معلومة المنبر الواحد والفهم الواحد.

وحتى أقترب أكثر من الجانب العملي في الفكرة التي أريد الوصول إليها أقول بشكل صريح ان هناك أزمة ثقة كبيرة بين عموم الناس وبين المسؤول الحكومي الذي يُنظر إليه في الغالب باعتباره «فاسدا» ما لم يثبت العكس.. وحتى لو ثبت العكس فليس هناك من يريد أن يصدق ذلك. وهذه أزمة حقيقية. فلا يمكن أن يتصور عاقل أن كل مسؤول هو فاسد أو مشروع للفساد وإلا فإننا نحكم على المجتمع بأكمله بالفساد على اعتبار أن هؤلاء المسؤولين هم نتاج المجتمع نفسه ولم يأتوا من الفضاء الخارجي.

هذه الحالة تنثر على المجتمع الكثير من القضايا التي يعاني منها وتعوق تطوره الفكري ونضجه. لا يمكن اليوم لأي مسؤول عماني أن يتحدث بأي شيء مهما كان متخصصا فيه دون أن يواجهه سيل من السخرية والهجوم في إقصاء واضح للرأي دون أن يتاح للفكر أن يتبلور في حوار حقيقي متطور. وكل تصريح يصدر اليوم عن مسؤول حكومي هو مشروع أزمة مجتمعية.

لو تتبعنا خلال الشهور القليلة الماضية عدد القضايا التي تم إثارتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحولت إلى قضايا رأي عام لرأينا العجب العجاب.. قضايا بسيطة وطبيعية يتم تحويلها إلى قضايا رأي عام وليتها تسير في الاتجاه الإيجابي الطبيعي بل تسير في الغالب الأعم إلى طريق مظلم مليئ بالأحراش ويعيدنا إلى الوراء سنوات طويلة. ثم هناك حالة من اللامسؤولية في النقاش وفي توجيهه حتى ممن نعتقد أحيانا أنهم أهل للنقاش وأهل للحوار.

هذه الحالة التي وصلها الكثير من العمانيين تحتاج إلى وقفة حقيقية من الدولة ومؤسساتها المتخصصة.. فالحكومة بمختلف أطيافها مسؤولة عن جزء كبير من الأمر، مسؤولة عن غياب الحقيقة عبر منابعها الصحيحة والتي أوصلتنا إلى منابع أخرى بات الجميع يثق فيها ثقة عمياء، مسؤولة عن القطيعة التي حدثت خلال سنوات ماضية بين الناس والحكومة حتى كسرت الثقة وثلمت.

كما أن الكثير من قضايا الفساد، وهي الثيمة الأبرز، التي تطرح عبر الفضاءات الالكترونية ولا يتم البت فيها سلبا أو إيجابا تساهم في تأجيج مشاعر الناس وتوسع الفجوة بينهم وبين الحكومة وتبقى الحقيقة غائبة ولا مجال للوصول إليها.

أشد ما نحتاجه اليوم هو إعادة الثقة بين الحكومة وبين الناس وهذه مسؤولية مؤسسات الدولة ومسؤولية التشريعات والأنظمة التي تجعل الناس أكثر ثقة فيما يدور حولهم. ومسؤولية مؤسسات المجتمع المدني ومسؤولية الإعلام في المقام الأول، الإعلام الذي يفترض أنه أول من يستطيع الوصول إلى الحقيقة المفقودة ليوصلها إلى الناس بلغتهم حتى يشعروا بالطمأنينة ويخرجوا من حالة التشظي والتشتت والضياع والتيه.

وهذا أمر يحتاج إلى عمل طويل ومكثف، ومبني على أسس علمية وليس على اجتهادات شخصية أحادية..

كما أن على الدولة في هذا السياق أن يكون لها كوادر متخصصة يتقبلها الناس ويثقون فيها وتكون قادرة على التخاطب معهم والوصول إليهم.

وقبل هذا وذاك لا بد أن يصل الناس إلى حالة من الثقة أن المسؤول الحكومي بريء حتى يثبت العكس وليس فاسدا حتى يثبت عدم فساده.