تقرير: هل ستتمكن لاتفيا من تقريب وجهات النظر بين الاتحاد الأوروبي وروسيا

بروكسل – (عمان) – شربل سلامة: الأحداثُ الإرهابيةُ الأخيرة التي حصلت على الأرضِ الفرنسية حجبت الأخبارَ عن شؤون كثيرة في كافة أنحاء المعمورة ومن بينها أوروبا، وبدأت جمهورية لاتفيا رسميا فترةً ستترأس خلالها مجلسَ الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر.

والمسؤولون اللاتفيون استقبلوا طوال الأسبوع الماضي كبار المسؤولين في المؤسسات الرسمية الأوروبية تمهيدا للمباشرة بالعمل الرئاسي الأوروبي حيث ينص ميثاق الاتحاد الأوروبي على أن تتولى الدول الأعضاء دوريا رئاسة مجلس الاتحاد لمدة ستة أشهر.

وبعد الرئاسة الإيطالية التي انتهت في الحادي والثلاثين من ديسمبر 2014 ها هي جمهورية لاتفيا (ليتوانيا) تتولى لأول مرة في تاريخها، الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي لمدة ستة اشهر تستمر حتى نهاية يونيو المقبل. (حتى 2020 ستكون رئاسة الاتحاد الأوروبي دوريا لكل من: لاتفيا، لوكسمبورج، هولندا، سلوفاكيا، مالطا، بريطانيا، أستونيا، بلغاريا، النمسا، رومانيا، وفنلندا). حكومة لاتفيا وضعت جدولا بأولوياتها. وعلى رأس هذا الجدول برزت الشؤون التنافسية الرقمية الإلكترونية والمعلوماتية، وموضوع جعل أوروبا قادرة، في هذا المجال على أن تنافس بشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية. خلال الأشهر الستة المقبلة، ستقيم لاتفيا أكثر من مائتي احتفال ومهرجان ولقاء سياسي دولي على أرضها. وستعقد مؤتمرا للأعمال والمجتمعات المدنية، ومؤتمرا خاصا بحرية وسائل الإعلام. كما ستنظم مؤتمرا خاصا للشباب الأوروبي. كذلك سيعقد في ريجا عاصمة لاتفيا، لقاء شامل لوزراء التربية في أوروبا وآسيا.

ومن المقرر أيضا أن تنظم لاتفيا اجتماعا أوروبيا عاما لبحث استراتيجية العمل الرقمي الأوروبي. وستخصص أسبوعا أوروبيا كاملا لبحث الشؤون الصحية في الاتحاد الأوروبي. وستنظم مؤتمرا مخصصا لوحدة الطاقة الأوروبية وشبكاتها إنتاجا وتوزيعا. كما ستنظم لاتفيا في 22 من مايو المقبل، قمة عنوانها «الشراكة مع دول شرق أوروبا» أي الشراكة مع أرمينيا وجورجيا ومولدافيا وأوكرانيا.

لكن، برهنت ظروف الرئاسات المتتالية للاتحاد الأوروبي بأن فعالية الدولة الرئيسية لا ترتبط مباشرة بتحقيق أهداف وُضِعَتْ على جداول الأعمال.

ذلك أن القرارات الاتحادية العليا يلزمها إجماعُ كلِّ الدولِ الأعضاء ويصونُها اليقينُ بأن المصلحة الأوروبية العليا تطغى على مصالح الدول منفردةً.

وقد يحصل أن يتحقق هدف رئاسي لأسبابٍ قاهرةٍ خارجيةٍ كما حصل أثناء رئاسةِ ليتوانيا للاتحاد الأوروبي، حين وبضغط من روسيا، انسحب الرئيس الأوكراني آنذاك يانوكوفيتش من قمة فيلنيوس التي كانت مخصصة لتوقيع اتفاق تبادل تجاري حر بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.

وما تتمنى لاتفيا أن تحققه أثناء رئاستها، لا يوازي مطلبا واحدا ملحا، ألا وهو وضع الأسس التنفيذية لخطة الاستثمار الأوروبية التي تقدم بها جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية الجديدة وهذه الخطة أقرها البرلمان الأوروبي والمجلس الرئاسي الأوروبي مجتمعا. هذا الموضوع أكده لنا وزير مالية لاتفيا يانيس رايرس الذي قال: إن وضع الأسس التنفيذية لخطة الاستثمار الأوروبية تشكل ابرز مهام الرئاسة اللاتفية للاتحاد الأوروبي. فرئيس المفوضية الأوروبي جان كلود يونكر، طرح خطة استثمارية أوروبية قيمتها ثلاثمائة وخمسة عشر مليار يورو، من اجل النهوض بأوروبا اقتصاديا، ومن اجل إطلاق النمو، ومكافحة البطالة خاصة لدى الشباب. فمهمة لاتفيا تكمن في التأكد من تثبيت وإدارة هذه الخطة بكل فعالية. هذا ما أكده أيضا رئيس المفوضية الأوروبية عندما صرح بأن «الأشهر الستة المقبلة تشكل تحديا هائلا مسؤولا لجميع مكونات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية.

إذن ضمان نجاح الخطة الاستثمارية مرتبط بالتعاون الوثيق بين كافة الدول الأعضاء.على هذا الكلام جاء رد دقيق جدا من قبل يانيس رايرس وزير مالية لاتفيا هذه حرفيته: إن خطة الاستثمار الأوروبية يجب أن تنصاع لحاجات كل الدول في الاتحاد الأوروبي وأن المشروعات المقدمة من الدول الأصغر في الاتحاد يجب ألا تُرفَضَ لأجل مصلحة المشروعات المقدمة من الدول الأكبر في الاتحاد». لاتفيا تعتبر من الدول الصغيرة لأن عدد سكانها يقارب المليوني نسمة.

وانضمت الى الاتحاد الأوروبي في عام 2004 واعتمدت اليورو عام 2014.

هي إحدى دول البلطيق الثلاث مع أستونيا وليتوانيا ولها حدود مع بيلاروسيا وروسيا التي منها جاءها الهَّمُ الأول في أول أيام عهدها.إذ سارعت روسيا الى دعوة الرئيس اللاتفي اندريس بيرزينس الى حضور احتفالات يوم النصر بمناسبة الذكرى السبعين للانتصار على النازيين وهي احتفالات ستجرى في موسكو في التاسع من مايو المقبل وهذا الموضوع يقلق لاتفيا لأسباب تاريخية وسياسية.

فنصف سكان لاتفيا تقريبا يتكلمون الروسية وثلثهم من أصول روسية والأوضاع الحالية في أوكرانيا لا تسمح لرئيس لاتفيا بأن يقرر منذ الآن تخطي الاتحاد الأوروبي ويقرر منفردا تلبية الدعوة الروسية التي وجهت أيضا لرئيسة ليتوانيا داليا غريبوسكايته فرفضتها.

الجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما دعي ولن يلبي الدعوة الى موسكو والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج ان دعي أيضا وليس مؤكدا حضوره.

($) اتصلت بسفارة لاتفيا في بروكسل فقالت لنا مسؤولة فيها إن مسألة ذهاب رئيس لاتفيا الى موسكو ليست مقررة وهي إذا حصلت فستكون بالتشاور مع قادة الاتحاد الأوروبي والتنسيق معهم وكل الأمور بالطبع مرتبطة بتطور الأوضاع في أوكرانيا. بعثة لاتفيا الى الاتحاد الأوروبي تضم خمسة وخمسين شخصا وقد ارتفع عددهم الى مائة وثمانين لأجل متابعة شؤون رئاسة لاتفيا للاتحاد.

وفي ختام الأسبوع الماضي في المكتبة الوطنية وسط مدينة ريجا العاصمة، وبحضور رئيسة وزراء لاتفيا لايمدوتا سترويوما، والوزراء المختصين، وعشرين مفوضا أوروبيا وحوالي 300 شخصية سياسية وبيئية وثقافية وفنية واجتماعية ورياضية، حصلت اجتماعات أبرزها تلك التي تمت بين المسؤولين في لاتفيا وثلاثة من كبار المسؤولين الأوروبيين وهم دونالد توسك الرئيس الجديد للمجلس الرئاسي الأوروبي الذي رحب برئاسة لاتفيا للاتحاد. وجان كلود يونكر الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية الذي أثنى كثيرا على الاستقرار النقدي والاجتماعي في لاتفيا. أما المسؤولة الجديدة عن العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني فالتقت بوزير خارجية لاتفيا ادغارس رينكيفيش واتفقا على تفعيل دور لاتفيا الدبلوماسي باتجاه روسيا لأجل المساهمة بحلحلة مسألة الأزمة في شرق أوكرانيا. نذكر في هذا السياق أن الحكومة الأوكرانية حصلت عام 2014 على مليار وستة وثلاثين مليون يورو من المساعدات وفي ختام رئاسة لاتفيا للاتحاد الأوروبي تنتظر أوكرانيا الدفعة الأخيرة وقيمتها ربع مليار يورو.

وزير خارجية لاتفيا سيزور موسكو وكييف قريبا وتأمل الخارجية الأوروبية أن يتمكن الوزير اللاتفي من إيجاد الثغرة المناسبة للمزيد من الحلحلة في الأوضاع الشرقية الأوكرانية.

وقد ذكرت فيديريكا موغيريني مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي للصحفيين أن هنالك تطورا إيجابيا في تعامل روسيا بما يخص الموضوع الأوكراني. وأن لاتفيا بحكم موقعها وتاريخها وشعبها وسياستها يمكن أن تقرب وجهات النظر بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. وعند السؤال حول الإرهاب الذي حصل في باريس، والأوضاع في كل من سوريا والعراق، قال وزير خارجية لاتفيا ادغارس رينكيفيش: إن بلاده ستضع في أولويات سياستها الخارجية مسألة مجابهة الإرهاب والحفاظ على الأمن الأوروبي. قصدنا ريجا بمناسبة بدء رئاسة لاتفيا للاتحاد الأوروبي ولاحظنا أن لاتفيا الواقعة على اجمل شواطئ البلطيق إذ يعتبر الفنانون الرسامون عاصمتها ريجا بمثابة باريس الصغرى والسياسيون الأوروبيون عندما يتحدثون عن ريجا يقولون دوما «ريجا الجميلة» أما شعب لاتفيا فيحلو له أن يتشبه بثمرة جوز الهند. شعب يصعب كسره لشدة قساوته لكن الطيب موجود في داخله.