بالرغم من ان العمليات الارهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس قبل ايام ليست الأولى، وقد لاتكون الأخيرة ، التي تتعرض لها احدى عواصم اوروبا، الا انها دقت ناقوس الخطر بشكل قوي، والى الحد الذي تشهد معه العاصمة الفرنسية باريس مسيرة ضخمة اليوم الأحد ، بمشاركة مسؤولين اوروبيين كبار، للتعبير عن استنكار الأحداث الارهابية الأخيرة، كما تشهد مدن اوروبية وامريكية اخرى مسيرات مماثلة، وهو ما يعد استنفارا كبيرا وشاملا ليس فقط لاستنكار الارهاب ونبذه والتنديد به، ولكن ايضا للتأكيد على الحاجة الشديدة الى مواجهته، بشكل قوي وفعال، وعلى اوسع نطاق ممكن.
ومع التأكيد على اهمية وضرورة التعاون الدولي في مواجهة الارهاب، فانه من الضروري الاشارة الى نقطة بالغة الأهمية، تتمثل في ان الارهاب ليس له دين، وليس له وطن ايضا، ومن ثم فإنه ينبغي التعامل مع المنظمات والجماعات الارهابية، صغيرة كانت، او كبيرة، باعتبارها تنظيمات وجماعات ارهابية، خاصة وانه توجد بالقطع جماعات ارهابية غربية، مارست الارهاب من قبل، ويلجأ بعضها اليه في فترات متفاوتة، وفق الظروف التي تمر بها المجتمعات الغربية. وقد تنشط تلك المنظمات او بعضها مرة اخرى، خاصة في ظل انتعاش اليمين الأوروبي المتشدد والنازية الجديدة والدعوات المعادية للمهاجرين الأجانب في اوروبا. وكان الرئيس الفرنسي واضحا وحاسما في تأكيده على ان الحرب التي تخوضها فرنسا ضد الارهاب ليست حربا ضد دين او معتنقي دين معين، كما اكد على ضرورة الوحدة في مواجهة الارهاب.
ومن هذا المنطلق تحديدا فانه من الأهمية بمكان ان تكون الحرب ضد الارهاب، بعيدة ومجردة عن الارتباط او التوجه نحو الدين الاسلامي او نحو المواطنين المسلمين في الدول الغربية، وذلك لسبب بسيط هو أن الارهابيين هم ارهابيون اولا، بتكوينهم وافكارهم ونظرتهم لأنفسهم ولمجتمعاتهم، قبل ان يكونوا منتمين الى هذا الدين او ذاك، ثم يأتي التوظيف السياسي للدين كغطاء لجذب واثارة مشاعر البسطاء، بل ومحاولة تجنيد مؤيدين من بينهم بشكل او بآخر، مستخدمين كل الوسائل في هذا الشأن.والأمثلة في هذا المجال اكثر من ان تحصى واستقطاب مواطنين غربيين للانضمام الى تلك المنظمات، ومنهم منفذو هجمات باريس، او احدهم على الأقل، هو نموذج واضح في هذا المجال.
جدير بالذكر ان الخطر الارهابي هو خطر عام، يهدد كل الأطراف، حتى وان بدأ او تركز في بقعة او مكان جغرافي محدد في البداية، لأن الجماعات الارهابية تسعى الى نقل انشطتها الى اوسع دائرة ممكنة لاثبات وجودها وقدرتها على الضرب هنا وهناك، ولذا فان التعاون القوي والشامل بين الدول المختلفة ينبغي ان يمتد لمواجهة كل تلك الجماعات والتنظيمات الارهابية، لأن التعامل الانتقائي لن يفيد في النهاية. ولعل ما حدث في باريس، والادانة الدولية الشاملة له، تكون مقدمة لتعاون اقليمي ودولي اكثر قوة وفعالية لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، قبل ان تستفحل بشكل أكبر.


