الهدنة الإنسانية في غزة وضرورة الالتزام بها

بعد جهود ماراثونية، مكثفة ومتعددة الجوانب، شملت مختلف الأطراف الاقليمية والدولية ذات القدرة على التأثير، بشكل أو بآخر، في مواقف كل من إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس في غزة، تم التوصل إلى اتفاق وقف اطلاق نار إنساني، غير مشروط، ولمدة 72 ساعة، وافقت عليه حماس والجهاد وإسرائيل، ودخل حيز التنفيذ منذ الثامنة من صباح أمس بتوقيت قطاع غزة.

وبغض النظر عن الشكل الذي تم به الاتفاق والإعلان عنه، من جانب كل من وزير الخارجية الأمريكي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مساء أمس الأول، فإن الأكثر أهمية هو النجاح في التوصل الى وقف إطلاق النار ولو لمدة 72 ساعة، أي ثلاثة أيام، من شأنها أن تتيح للفلسطينيين في غزة، دفن جثث الشهداء، وتضميد جراح بعض المصابين، والعمل على تأمين احتياجاتهم من الغذاء والمستلزمات الضرورية، وتبين الحجم الهائل من الدمار الذي أحدثته آلة الحرب الإجرامية الاسرائيلية، على امتداد نحو أربعة وعشرين يوما من القصف المتواصل للقطاع.

نعم انه أمر جيد، أن يتم وقف نزيف الدم الفلسطيني، وأن تبدأ المفاوضات في القاهرة بين وفدين فلسطيني واسرائيلي، بمشاركة مصرية وأمريكية من اجل بحث قضايا وقف القتال بشكل دائم في غزة. ومن المفارقات أن ما حدث بالأمس، وهو وقف اطلاق النار غير المشروط، والبحث في مختلف المطالب الخاصة بالوقف الدائم للقتال، بما في ذلك ما يطرحه الجانب الفلسطيني، كان مطروحا منذ 14 يوليو الماضي، وكان عدد الشهداء والجرحى نحو خمس ماوصل إليه قبل وقف القتال أمس، ولكنها أفاعيل السياسة والحسابات غير الصحيحة، على هذا الجانب هذا أو ذاك. ومع ذلك، فخيرا أن تم وقف القتال. ومن المهم والضروري ان تبذل كل الجهود الصادقة، ومن جانب كل الاطراف المعنية والمؤثرة، من أجل الانتقال إلى وقف دائم للقتال، حتى لا ينفجر الأمر مرة أخرى بشكل أكثر خطورة، وهو ما يحدث دوما عقب الهدنات المؤقتة، التي يحاول كل طرف أن يعيد حشد قواته خلالها بشكل أو بآخر.

واذا كان من المهم والضروري ان ترتفع كل الأطراف، خاصة على الجانب العربي، عن التراشق والتنابذ والحملات الاعلامية، التي هبطت الى مستويات متدنية، وذلك من اجل ايجاد افضل بيئة ممكنة، لدعم جهود وقف القتال بشكل دائم، فان ما يتجاوز ذلك في الأهمية، ان يتوقف الجميع – على الجانب الفلسطيني والعربي – امام ماحدث لاستخلاص الدروس، ومحاولة الاستفادة الحقيقية منها لصالح الشعب والقضية الفلسطينية، وهما بالتأكيد اكبر من أي فصيل ومن اي قيادة فلسطينية، حسبما أكد دوما الراحل ياسر عرفات، فهما الأبقى في النهاية، ومع الاعتراف بصعوبة ذلك، إلا أن المسؤولية تفرض ضرورة القيام به.أما إسرائيل فإن الإدانة تلاحقها من كل صوب، وعلى نحو غير مسبوق.