الاقتراض الداخلي بين السندات الحكومية والصكوك الإسلامية

د. محمد رياض حمزة –

dirwa2000@yahoo.com –

في الثاني من يناير الماضي نشرت الصحف العمانية نص بيان وزارة المالية الذي تضمن تقديرات الموازنة العامة للسنة المالية 2015 والذي ورد في أهداف الموازنة الاقتصادية والاجتماعية بأن « تمويل عجز الموازنة من خلال إصدار سندات وصكوك إسلامية طويلة الأمد ، وذلك لتنشيط سوق المال المحلي ورفع كفاءة استغلال المدخرات المحلية».


بمعنى أنّ سد العجز المقدر بـ 2500 مليون ريال سيتم من خلال الدين الداخلي بإصدار سندات وصكوك إسلامية .

و في الـ27 من الشهر نفسه أعلن البنك المركزي العماني عن قيامه بطرح إصدار جديد من سندات التنمية الحكومية بقيمة 200 مليون ريال عماني تبلغ مدة استحقاقها عشر سنوات بسعر فائدة أساسي ( كوبون) 4.5% سنوياً. وأضاف البيان أن هذه السندات (التسوية) ستصدر في الثالث والعشرين من فبراير الحالي وتستحق السداد في الثالث والعشرين من فبراير عام 2025، كما سيتم دفع الفائدة المستحقة على السندات الجديدة مرتين في العام وذلك في الثالث والعشرين من أغسطس والثالث والعشرين من فبراير من كل عام حتى استحقاقها في الثالث والعشرين من فبراير 2025.

وأكد البنك المركزي العماني إن الإصدار رقم 46 من سندات التنمية الحكومية متاح لاكتتاب جميع فئات المستثمرين من داخل السلطنة فقط بصرف النظر عن جنسياتهم، ولا يمكن للمستثمرين من خارج السلطنة الاكتتاب في هذا الإصدار.

و من بيان وزارة المالية إلى إعلان البنك المركزي يمكن القول إن حكومة السلطنة عازمة على معالجة العجز في موازنة السنة المالية 2015 بالاقتراض الداخلي من المدخرات الأهلية ، متطلعة إلى البنوك التجارية العاملة في السلطنة لدور أكبر بإسنادها في مسعاها لوضع الإنفاق العام المقدر بـ 14.1 مليار ريال في الموازنة موضع التنفيذ دون تأجيل أي من مشاريع البنية الأساسية أو التقصير في الإنفاق على الخدمات والمنافع الاجتماعية.

كما يمكن القول إن الاقتراض الداخلي لسد العجز في موازنة 2015 سيركز أكثر على إصدار السندات وليس الصكوك الإسلامية ، إذ إن السندات تتمتع بثقة عالية من قبل المستثمرين للضمانات العالية الموثوقة للمبالغ المستثمرة مضافا لها فوائدا تدفع مرتين في العام . أما الصكوك فهي عقود ملكية للأصول في أغلبها وعقود تأجير في بعضها، وليست عقود ربح فقط . كما أن الصك الإسلامي ينطوي على المخاطر المتوقعة في الربح أو الخسارة . تعتبر السندات إحدى أهم وسائل الاقتراض الداخلي والتمويل المالي المتاح للحكومات، التي عن طريقها تستطيع هذه الجهات الحصول على رأس المال اللازم للنمو والتطوير والمنافسة. إذ تلجأ الحكومات إلى السندات لعدد من الأهداف منها تمويل الإنفاق العام . ولأن الحكومات كيان سياسي واقتصادي راسخ يمكن يتمتع بالثقة والمعولية من قبل الأفراد أو البنوك، فإنها تستطيع أن تصدر السندات التي طالما كانت موضح ترحيب و تتمتع بثقة عالية من جمهور المستثمرين. كما أن السندات معروفة بقلة أو انتفاء المخاطرة في الاستثمار. و السبب الآخر لقبول السندات الحكومية وقوة شعبيتها يعود لميزتها الضريبية في الدول التي لا تفرض ضرائب على دخل المواطن المستثمر ، فلا يتعين على المستثمر أن يدفع ضرائب على أرباحه المتحققة من الاستثمار في السندات الحكومية.

‏أما الصكوك الإسلامية فقد اختلفت وجهات النظر بين خبراء الاقتصاد والمال حول جدوى إصدارها . فالصكوك الإسلامية تقوم على عدد من أسسٍ تنطوي على مخاطر ، منها مبدأ المُشاركة في الربح والخسارة فهناك احتمالية تدني الأرباح أو حتى خسارة من الأصول ، حيث إن مبدأ إصدار الصكوك من حيث العلاقة بين المُشتركين فيها هو الاعتماد بشكل أساسي على المشاركة في الربح والخسارة ، بصرف النظر عن صيغة الاستثمار المعمول بها، حيث تعطي لمالكها حصة من الربح وليس نسبة مُحددة مسبقا من قيمتها الاسمية وحصة حملة الصكوك من أرباح المشروع أو النشاط الذي تموله لا تحدد بنسبة مئوية عند التعاقد، فحملة هذه الصكوك يُشاركون في أرباحها حسب الاتفاق المُبين في نشرة الإصدار ويتحملون أيضًا الخسائر بنسبة ما يملكه كل منهم ، وتصدر الصكوك بفئات متساوية القيمة لأنها تمثل حصصًا شائعة في موجودات مشروع مُعين أو نشاط استثماري خاص، وذلك لتيسير شراء وتداول هذه الصكوك وبذلك يُشبه الصك الإسلامي السهم الذي يصدر بفئات متساوية ويمثل حصة شائعة في صافي أصول الشركة المُساهمة، كما أنه يلتقي في ذلك مع السندات التقليدية والتي تصدر بفئات متساوية.

وينطوي على الصكوك الإسلامية، مخاطر أخرى ، فنظرًا لآليات إصدارها القائمة على صيغ التمويل الإسلامية، فإنها تتعرض للمخاطر التي تتعرض لها المشروعات الاستثمارية الإسلامية ، ومن خلال النظر إلى مصادر المخاطر بصفة عامة ، وهو ما يجعل تداول هذه الصكوك بين مجموعة محدودة من المؤسسات المالية وبعض الشركات والأفراد، وهناك مجموعة من الأسباب تؤدي إلى عدم وجود سوق ثانوية لهذه الصكوك منها: قلة عدد الصكوك المطروحة ، وذلك لقلة المستثمرين لشراء تلك الصكوك في تداولها أو الاحتفاظ بها باعتبارها لا تدر عائدًا معلوما مضمونًا. وهناك أيضًا مخاطر سعر الصرف والتي تنشأ في سوق النقد نتيجة لتقلبات سعر صرف العُملات في المعاملات الآجلة، وكذلك مخاطر سعر الفائدة والتي تنشأ نتيجة للتغيرات في مستوى أسعار الفائدة في السوق بصفة عامة، وهى تصيب كافة الاستثمارات بغض النظر عن طبيعة وظروف الاستثمار ذاته، وكقاعدة عامة فإنه مع بقاء العوامل الأخرى على حالها، كلما ارتفعت مستويات أسعار الفائدة في السوق، انخفضت القيمة السوقية للأوراق المالية المتداولة والعكس صحيح، وهو ما يؤثر على معدل العائد على الاستثمار.

والصكوك الإسلامية وإن كان لا مجال لسعر الفائدة في التعامل بها، أو في أنشطتها ومجالات استثماراتها، إلا أنها قد تتأثر بسعر الفائدة المتداول الذي تحدده البنوك المركزية إذا اتخذت سعرًا مرجعيًا في التمويل بالمُرابحة، كما أن سعر الفائدة باعتباره آلية يقوم عليه النظام النقدي والمصرفي في غالبية الدول الإسلامية، فلابد أن يؤثر على الصكوك الإسلامية. وبالتالي لا يتم تجاهل المخاطر التي تنشأ نتيجة لتقلبات سوق الأوراق المالية . وكذلك مخاطر التضخم الناتجة عن انخفاض القوة الشرائية للنقود بارتفاع الأسعار، وهو ما يعني تعرض الأموال المستثمرة لانخفاض في قيمتها الحقيقية، والصكوك الإسلامية باعتبارها ذات عائد مُتغير، وذات مكونات من نقود وديون وأعيان ومنافع فإن تأثرها بالتضخم يرتبط طرديًا بزيادة مكوناتها من النقود والديون.

وهناك أيضًا مخاطر التشغيل الناتجة عن أخطاء بشرية أو فنية أو حوادث، وتندرج هذه المخاطر تحت المخاطر العامة إذا كانت بفعل عوامل خارجية كالكوارث الطبيعية، مثل ما تسببه الكوارث أو الحوادث في هلاك الزرع في استثمارات صكوك المُزارعة أو هلاك الأصل المؤجر في استثمارات صكوك الإجارة ونحو ذلك، وتندرج هذه المخاطر تحت المخاطر الخاصة إذا كانت بفعل عوامل داخلية كعدم كفاية التجهيزات أو وسائل التقنية أو الموارد البشرية المؤهلة والمُدربة، أو فساد الذمم، أو عدم توافر الكفاءة الإدارية القادرة على القيام بمهام الوكالة عن المُلاك وتحقيق الأرباح مع نموها واستقرارها مُستقبلا، والمُحافظة على المركز التنافسي للصكوك ونحو ذلك، أو من خلال صورية أو ضعف الرقابة الشرعية مما يؤثر سلبًا في ثقة المتعاملين، وسُمعة المنشأة لديهم، وهو الأمر الذي من شأنه أن يترك آثارًا على القيمة السوقية للصكوك الإسلامية.

وعليه فإن السندات الحكومية التقليدية أكثر تقبلا من قبل جمهور على اعتبار ضمان رأس المال المستثمر مع ربح معلوم محدد عند طرحها للمستثمرين.