الينابيع الساخنة والحارة في الأردن.. منتجعات طبيعية للاستشفاء

225714


عرفت قيمتها العلاجية منذ عصور ما قبل التاريخ –

عمّان – العُمانية: يضمّ الأردن العديد من ينابيع المياه المعدنية الساخنة والحارة ، التي تشكل منتجعات طبيعية يقصدها الناس من بقاع العالم للاستجمام أو طلباً للعلاج والاستشفاء من الأمراض، ومنها حمّامات ماعين، والزارة والحمّة الأردنية وحمّامات عفرا.وتنتشر الينابيع التي تصل حرارة عدد منها إلى 65 درجة مئوية، على امتداد الشريط المتعرّج في الجهة الشرقية من حفرة الانهدام في الأردن، وتنساب مياهها المعدنية في مجاري الأنهار والأودية، ومنها ما يستقر في قلب البحر الميت.

وتزداد حرارة هذه الينابيع بازدياد عمق السطح الذي تتدفق منه المياه، وبفعل البراكين تحت السطحية أو مداخل البراكين الخامدة التي تعمل على تسخين المياه الجوفية خلال مرورها بالقرب منها، كما تساعد الشقوقُ والصدوع الجيولوجية التي يتحرك فيها جزءان من منطقةٍ ما عكس بعضهما بعضاً على توليد الحرارة عبر الاحتكاك.

ويرجع غنى المياه في هذه الينابيع بالمعادن، إلى خواصّ الصخور الفريدة التي تمر فيها أثناء ترشحها داخل الأرض وخروجها منها، ومن هذه الصخور يأتي الحجر الزيتي المتحول بفعل الاحتراق الطبيعي، والصخور الفوسفاتية والكبريتية، وصخور الدولومايت، وصخور المارل، والصخور البركانية والنارية المنشأ.

ومن أهم المعادن التي تتوفر في المياه الساخنة الكالسيوم، والمغنيسيوم، وفلورايت النترات، والبيكاربونات، والكلورايت، والسلفات، السليكات، والحديد.

وقد عَرفَ الإنسان، منذ عصور ما قبل التاريخ، القيمةَ العلاجية لهذه الينابيع، سواء عبر الاستحمام بمياهها التي تحتوي العديد من المواد الذائبة كالأملاح، أو عن طريق شربها، أوعبر استخدام طينها الغني بالمعادن الطبيعية.


وتحيط بمنطقة الينابيع كهوف تدلّ الرسومات الموجودة فيها على أنها كانت مساكن لإنسان العصور القديمة، الذي كان يلجأ إليها طلبا للدفء في فصل الشتاء، وطلبا للغذاء، إذ تجتذب مياه الينابيع العذبة العديد من حيوانات المنطقة وطيورها.وأثبتت مياه هذه الينابيع فاعليتها في علاج العديد من الأمراض الجلدية، مثل الأكزيما المزمنة، والصدفية، والحساسية المفرطة، كما أن لها القدرة على تنشيط خلايا الجلد لتؤدي وظائفها الحيوية باقتدار، وايضا تساعد على التخلص من الالتهابات المفصلية المزمنة، وتكلس المفاصل، وتيبس العضلات وتقلصها، والالتهاب العضلي الليفي.

وتساهم المياه المعدنية في توسيع الشعب الهوائية في الجهاز التنفسي، والتخلص من النزلات الصدرية الحادة، وعلاج التهاب الجيوب الأنفية، كما تعمل على تنظيم عمل الجهاز العصبي عن طريق الاسترخاء، وبالتالي القضاء على آلامه أو ما أصابه من إجهاد.

ومن امثلة الينابيع الساخنة في الاردن حمّامات ماعين وتقع على بعد 85 كيلو متراً إلى الجنوب من العاصمة عمّان، في مدينة مأدبا، بالقرب من منطقة البحر الميت ويبلغ انخفاض الحمّامات نحو 120 متراً عن سطح الأرض، لذلك فهي محاطة بالجبال البازلتية الشاهقة ذات المشهد المهيب بلونها الداكن ونتوءات الصخور النارية العملاقة على أطرافها، وشلالاتها التي تتدفق من قلب الصخور المرتفعة وقد تصاعدت منها الأبخرةُ لشدّة ارتفاع الحرارة الجوفية.

وتنهمرعيون الماء من الصخور المرتفعة، ثم تنساب بهدوء حتى تبلغ حواف الجبال لتنحدر بعد ذلك مشكلة شلالات طبيعية مبهرة، ثم تواصل رحلتها بعد أن تتدفق في تعاريج صخرية ساحرة، باتجاه محمية الموجب انحداراً نحو مستقرها في البحر الميت.

وتُعرف هذه الينابيع التي يصل عددها إلى نحو 65 ينبوعاً، بخواصها العلاجية النادرة، حيث يقصدها الناس طلباً للشفاء من الأمراض الجلدية وآلام المفاصل والعضلات، واضطرابات الدورة الدموية والغدد الصماء، والأمراض الصدرية، والجيوب الأنفية والدوالي، فهي تحتوي على مياه تتجاوز حرارتها 50 درجة مئوية، وتتوافر فيها مجموعة كبيرة من المعادن والأملاح الذائبة والعناصر، كالصوديوم والكالسيوم والكلوريد وغاز الرادون وكبريتيد الهيدروجين وغاز ثاني أوكسيد الكربون.

ويمكن للزائر الاستفادة من هذه المياه من خلال نقع الجسم في إحدى البِرَك الطبيعية المنتشرة في المنطقة، أو من خلال الرشق عبر الوقوف أسفل المياه المتدفقة من الشلالات، أو من خلال استخدام حمّامات الفقاقيع أو الجاكوزي أو السرير المائي المتوفرة هناك وتتوفر في منطقة الحمّامات منتجعات فندقية لخدمة الزائرين، وتشتمل على برك طبيعية وغرف للساونا ومراكز صحية يشرف عليها مختصون.

ومن الينابيع الساخنة والحارة في الأردن ايضا ينابيع الزارة حيث انها اكتُشفت منذ وقت قريب وتتميز بتنوع درجات حرارتها بين الباردة والمتوسطة والحارة، وهو ما شكّل من المنطقة المحيطة واحةً غنّاء، حيث تنمو الأشجار النادرة في قمم الجبال أو منحدرات الوديان وضفاف الينابيع، فيما زُرعت الأراضي المحيطة بالأشجار المعمرة، والحمضيات، والخضروات الموسمية التي تُسقى من مياه الينابيع الباردة.

ويشكّل تدفّق المياه برِكَا طبيعية متدرجة، بإمكان الزائر التنقل بينها وفق ما يلائمه من حرارة الماء، كما يُستفاد من طين هذه الينابيع في علاج العديد من الأمراض الجلدية المستعصية، وأمراض المفاصل والروماتيزم.

وتعدّ ينابيع الزارة اليوم الخيار المفضّل للعديد من الزوار في فصل الشتاء، وهي تمثل لوحة طبيعية ساحرة، إلى جانب ذلك، يستشعر الزائر عظمة المنطقة وحضورها الأسطوري الساحر، إذ تتميز «الزارة» بتوالي الحضارات عليها، كالفينيقية والرومانية والنبطية، كما شهدت أحداثاً

تاريخية مهمة.

وتقع في منطقة الحمّة الأردنية أكبر الينابيع الطبيعية وأكثرها عدداً، حيث تتجمع مياهها لتصب في نهر اليرموك التاريخي، لذلك تُسمّى «عروس نهر اليرموك».

وتستقبل الزائرَ فورَ دخوله المنطقة رائحةُ الكبريت النفاذة التي تُستخدم لعلاج العديد من الأمراض، حيث تتوافر على ينابيع متدرجة في حرارتها وغنية بعناصر ومعادن مهمة للاستشفاء. وتعيش في المنطقة أنواع كثيرة من الحيوانات والطيور النادرة، وتحيط بها المزارع والبساتين، كما تضم آثاراً لمسابح رومانية قديمة، وبركا قديمة كانت قد صُممت لحبس المياه في داخلها بغية الاستفادة المثلى منها.

وعلى بعد 25 كيلو متراً شمال مدينة الطفيلة في جنوب الأردن، تقع شلالات عفرا التي تشكّل منظراً طبيعياً ساحراً، حيث تتدفق المياه الحارة من مصادر عدة تبلغ العشرين لتتجمع في برك مائية مرتفعة الحرارة.

وتنفرد هذه المنطقة بالكهوف التي تمثل غرفاً صخرية للبخار، منها ما يقع على خاصرة الجبل ومنها ما ينحدر تحت الأرض، حيث تخرج المياه الحارة من جدارن الكهوف مكونة بخاراً يملأ المكان، كما تشكّل نتوءات الصخر ما يشبه المقاعد، حيث يجلس من يدخل الكهف عليها حتى يتشبع جسده وصدره ببخار الماء الغني بالمعادن المفيدة للجسم.

ومن الينابيع الساخنة والحارة في الاردن ينابيع وادي نهر الزرقاء التى تقع على امتداد وادي الزرقاء، حيث تتميز بطبيعتها الجيولوجية النادرة في العالم وتشكل الصخور المحيطة بها منحوتات طبيعية غاية في الجمال تسمَّى عالمياً «الغراميل»، وتحيط بها كهوف الجبال الشاهقة.

وقد أطلق الباحثون على هذه الينابيع اسم «العيون الكبريتية»، وهي تحتوي على عناصر تتمتع بخواص علاجية وطبية فريدة، ومنها الرادون، والصوديوم، والبوتاسيوم ولها قدرة على علاج رمد العيون وحساسيتها، وأمراض الجهاز الهضمي وأمراض المسالك البولية.

وتؤكد الأبحاث التاريخية أن المنطقة اشتملت على العديد من الينابيع التي استُخدمت منذ الحضارة الرومانية، وهو ما تدلّ عليه بِرَكُ الماء والمغاطس الصخرية التي جفّت مع الزمن ولم يتبقّ منها سوى مجموعة قليلة.