ملامح قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

القاضي الدكتور مصطفى السيد علي بلاسي –


في ذات نطاق جرائم المحتوى وبعيدا عن موضوع الاتجار بالبشر سالف الإشارة إليه في المقال السابق فإن المشرع انتقل في المادة 24، و25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات 12/2011الصادر في 6/2/2011م إلى تجريم إنشاء أي موقع الكتروني أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات بقصد الاتجار في الأسلحة أو الأجزاء الرئيسية منها أو الذخائر ، ما لم يكن هناك ترخيص قانوني بهذا الشأن واضعا أيضا العقوبات المناسبة وفق التفصيل الوارد بالنص.


أو كان ذلك بقصد الاتجار أو الترويج للمخدرات أو المؤثرات العقلية المنصوص عليها في الجداول أرقام (4 ، 3 ، 2 ، 1) من المجموعة الأولى والجدول رقـم (1) من المجموعـة الثانيـة الملحقتين بقانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ولكن العقاب في تلك الحالة الأخيرة ، جعله المشرع الإعدام أو السجن المطلـق وبغرامـة لا تقـل عـن خمسة وعشرين ألف ريال عماني ، ولا تزيد على مائة ألف ريال عماني تناسبا مع جسامة الجرم وتأثيراته السلبية على الفرد والمجتمع . فإذا كان القصد هو نشر طرق تعاطيها أو تسهيل التعامل فيها في غير الأحوال المصرح بها قانونا ، تكون العقوبة السجن المؤقت مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد على خمس عشرة سنة وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال عماني ولا تزيد على خمسة عشر ألف ريال عماني. وهو ما يفرق جزائيا بين جريمتين وفقا للقصد الجنائي والذي يختلف من النشر بقصد الاتجار والترويج عنه بالنسبة للتعاطي. أما استخدام الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في التعدي على حق محمي قانونا لمؤلف أو لصاحب حق مجاور أو من حقوق الملكية الصناعية بأية صورة من صور التعدي المنصوص عليها قانونا فقد جرمه المشرع في م 26 منه حيث قرر عقابا بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ، ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال عماني ولا تزيد على خمسة عشر ألف ريال عماني ، أو بأحدهما على من يرتكب ذلك الفعل. وأخيرا وفي ذات نطاق جرائم المحتوى فقد جرم المشرع في م 27 إنشاء موقع الكتروني أو استخدام الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في نشر أو عرض معلومات بقصد الاتجار بالآثار أو التحف الفنية في غير الأحوال المصرح بها قانونا؛ فارضا على ارتكاب تلك التصرفات السجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال عماني ولا تزيد على مائة ألف ريال عماني أو بأحدهما.

وقد آثر المشرع إفراد فصل خاص لمعالجة موضوع التعدي على البطاقات المالية في المادة 28 وهي كما عرفها المشرع «وسيط إلكتروني ملموس يستعمل في عمليات السحب أو الإيداع أو الدفع الإلكتروني باستخدام الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات ، كبطاقات الائتمان والبطاقات الذكية ، ولا يشمل ذلك بطاقات الاتصالات والخدمات الإلكترونية المدفوعة مسبقا «… حيث فرض المشرع على كل من زور بطاقة مالية بأية وسيلة كانت، أو اصطنع ، أو صنع أجهزة أو مواد تساعد على ذلك، أو استولى على بيانات بطاقة مالية أو استعملها أو قدمها للغير أو سهل له الحصول عليها، أو استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في الوصول دون وجه حق إلى أرقام أو بيانات بطاقة مالية، أو قبل بطاقة مالية مزورة وهو يعلم بذلك – فارضا عليه – عقابا بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسمائة ريال عماني ، ولا تزيد على ألف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين. مضيفا أنه إذا ارتكبت أي من الأفعال المنصوص عليها في الفقرة السابقة بقصد الاستيلاء أو تسهيل الاستيلاء على أموال الغير أو على ما تتيحه البطاقة من خدمات ، تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة وغرامة لا تقل عن ألف ريال عماني ولا تزيد على خمسة آلاف ريال عماني ، أو بإحدى هاتين العقوبتين ، فإذا ما تم الاستيلاء على أي من ذلك تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال عماني ولا تزيد على عشرة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين .

وعقب إسباغ تلك الحماية القانونية على إساءة استعمال تقنية المعلومات ذاتها أو عبر وسائلها وأدواتها بالمخالفة للقانون فقد ارتأى المشرع إفراد فصل أخير خصه للأحكام الختامية مشددا في م29 من القانون العقاب ، إذا كان المتهم شخصا اعتباريا وذلك بمضاعفة الحد الأعلى لعقوبة الغرامة المقررة قانونا للجريمة ، إذا كانت الجريمة قد ارتكبـت باسمه أو لحسابه من قبل رئيس أو أحد أعضاء مجلس إدارته أو مديره أو أي مسؤول آخر يتصرف بتلك الصفة أو بموافقته أو بتستر أو بإهمال جسيم منه .وذلك كله دون إخلال بالمسؤولية الجزائية للأشخاص الطبيعيين ، أما العقاب على الشروع ( ويقصد به البدء في التنفيذ وعدم إتمام الجريمة لسبب لا دخل للمتهم فيه ) في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون فنظمه المشرع في م 30 بجعله نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة قانونا للجريمة التامة أو الكاملة، وفيما يتعلق بصور الاشتراك ( الاتفاق والتحريض والمساعدة ) فقد وضع المشرع حكما عاما إذ ساوى بين الفاعل الأصلي والشريك في مثل تلك الجرائم سالفة البيان ، ويطبق حكم عقوبة الشروع على الشريك أيضا في الجريم التي لم تتم ( الشروع) نفاذا لنص م 31 . ثم انتقل المشرع إلى العقوبات التبعية التي تلازم العقوبة الأصلية فنص في م 32 على إلزام المحكمة المختصة الحكم في جميع الأحوال بالآتي :

أـ مصادرة جميع الأجهزة والأدوات والبرامج وغيرها من الأشياء التي استعملت في ارتكاب جريمة تقنية المعلومات وكذلك الأموال المتحصلة منها .

ب ـ غلق الموقع الإلكتروني والمحل الذي ارتكبت فيه جريمة تقنية المعلومات أو الشروع فيها إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بعلم مالكه وعدم اعتراضه، ويكون الغلق دائما، أو مؤقتا المدة التي تقدرها المحكمة في ضوء ظروف وملابسات الجريمة.

ج – طرد الأجنبي المحكوم عليه بعقوبة إرهابية أو بعقوبة تأديبية إذا كانت الجريمة شائنة، وذلك دون إخلال بحقوق الغيرحسني النية.

ورغبة من المشرع في تلافي الآثار السيئة لتلك الجريمة وإجهاضها في مهدها أو قبل حدوثها أو إتمامها فقد أورد حكما عاما تمثل في نص م 33 ، والتي تعفي من العقاب كل من بادر من الجناة ، أو شركائهم إلى إبلاغ السلطات المختصة بمعلومات عن جريمة وقعت بالمخالفة لأحكام هذا القانون قبل الكشف عنها فإذا تم الإدلاء بتلك المعلومات ، بعد الكشف عنها جاز للمحكمة إعفاؤه من العقاب شريطة أن يترتب على الإدلاء بها ضبط باقي الجناة. وواضح الفرق بين الحالتين إذ الأولى متعلقة بالمبادرة بإبلاغ السلطات المختصة بمعلومات عن جريمة وقعت بالمخالفة لأحكام هذا القانون قبل الكشف عنها وهنا الإعفاء وجوبي، أما الثانية فالإعفاء جوازي في حالة إذا تم الإدلاء بتلك المعلومات بعد الكشف عنها شريطة أن يترتب على ذلك الإدلاء ضبط باقي الجناة .

ثم قرر المشرع في المادة 34 قبل الأخيرة أن تكون لموظفي الهيئة الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بترشيح من رئيس الهيئة ، صفة الضبطية القضائية في نطاق تطبيق أحكام هذا القانون .أما المادة الأخيرة من هذا القانون فقد نص فيها على مبدأ عام ، وهو ألا تخل العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر بمعنى تطبيق العقوبة الأشد وإن كانت قد وردت في أي قانون آخر ينظم نفس الواقعة.