عندما ينتفض العالم لمواجهة الإرهاب

إذا كانت كل الدول والشعوب، على امتداد العالم ودون استثناء، تتطلع إلى العيش في أمن وأمان واستقرار، وإلى أن يعيش أبناؤها في اطمئنان، فإن المظاهرات الضخمة التي جرت أمس الأول في العاصمة الفرنسية، وفي العديد من المدن الفرنسية وعلى امتداد أوروبا وخارجها أيضًا، لم تكن فقط تعبيرًا عن التضامن مع الشعب الفرنسي الصديق، في مواجهة العمليات الإرهابية التي جرت في باريس قبل أيام وراح ضحيتها 17 فرنسيًا، ولكنها كانت في الوقت ذاته، تعبيرًا عن الرفض للإرهاب، بكل أنواعه، وأيًا كانت مسبباته، باعتباره عدوانًا على القيم الإنسانية وعلى أرواح الأبرياء وأمن واستقرار المجتمعات.

وبالرغم من أن موجات الإرهاب ضربت العديد من المجتمعات الغربية، الأوروبية والأمريكية، وكذلك العديد من المجتمعات العربية والآسيوية والإفريقية، على امتداد السنوات الماضية، وراح ضحيتها آلاف الأرواح، ونشبت بسببها الحروب والمواجهات المسلحة، إلا أن النظرة الجزئية، والخلافات بين الدول – لأسباب ومصالح كثيرة – حول تفسيرها للإرهاب، وحول الجماعات التي ينبغي التعامل معها كجماعات إرهابية، وثم التعامل الانتقائي مع هذه الظاهرة الخطيرة، التي ثبت أنها تهدد كل الدول والمجتمعات دون استثناء، قد سمحت في الواقع بتشتت جهود مكافحة الإرهاب، ومن ثم عدم فعاليتها في كثير من الأحيان، وبالتالي تمكنت العديد من التنظيمات الإرهابية، على امتداد السنوات الأخيرة، من تطوير أدواتها وطرق عملها، وابتكار أشكال ووسائل متعددة للتسلل الى المجتمعات المختلفة، ونشر خلاياها النشطة والنائمة، بل وتحولت الحروب التي تخوضها تلك التنظيمات الإرهابية إلى فرص لتدريب عناصرها على العمليات المسلحة، وعلى نحو يثير في الواقع قلقًا كبيرًا ومتزايدًا في مختلف مناطق العالم.

وفي ظل ازدياد تهديدات الإرهاب لمختلف المجتمعات، الغربية والعربية وغيرها، فإن الدلالة العميقة، والبالغة الأهمية لمظاهرات باريس، التي شارك فيها أكثر من 40 من قيادات أوروبا والعالم، تتمثل في الالتقاء حول أهمية وضرورة التعامل الفعال والشامل مع الإرهاب كظاهرة تهدد أمن واستقرار المجتمعات المختلفة، خاصة أنه من المعروف أن الإرهاب لا وطن، ولا دين له. وإذا كانت كل الشعوب تنشد العيش في سلام وأمن واطمئنان، وترفض تهديد قيمها وأنماط حياتها، لأي سبب أو تحت أي مسمى، وهو ما أكده الشعب الفرنسي كنموذج، بجموعه التي خرجت أمس الأول، وبدعم العديد من الشعوب له على امتداد العالم، فإنه من المنتظر أن يتمخض المؤتمر الدولي الذي دعت الولايات المتحدة إلى عقده في العاصمة الأمريكية في 18 فبراير القادم، عن نتائج يمكنها تحقيق أكبر درجة من التعاون والتنسيق في مواجهة الإرهاب كظاهرة، ووضع نهاية لمختلف التنظيمات الإرهابية، بأشكالها وألوانها العديدة لتعيش شعوب العالم جميعها في أمن وأمان واستقرار.