في الوقت الذي يدرك فيه الجميع، الطبيعة الخاصة التي تتمتع بها الدولة اللبنانية، كدولة وكمجتمع حيوي ومنفتح، شكل دوما مركزا نشطا للثقافة والسياحة والتفاعل الواسع مع مختلف التطورات التي تمر بها المنطقة، بل انه شكل في احيان كثيرة احد مراكز التأثير فيها بشكل او بآخر، فان الارتباط القوي والعميق بين لبنان وسوريا، وهو ارتباط عميق ودائم، ومتعدد المستويات والأبعاد كذلك، قد فرض نفسه دوما، وبأشكال مختلفة ، على ما تشهده الساحة اللبنانية من تطورات، خاصة وانه يتقاطع فوقها الكثير من خطوط ومسارات المصالح الاقليمية والدولية.
وفي ظل التأثير الكبير لهذا الارتباط اللبناني السورى، فانه لم يكن مصادفة على اي نحو ان يتحمل لبنان، الدولة والمجتمع والموقع ايضا، الكثير من الاعباء، بل انه كثيرا ما دفع ثمنا كبيرا، ليس فقط لمجرد هذا الارتباط ، ولكن ايضا وبشكل اساسي، لتقاطع المصالح الاقليمية والدولية على الساحة اللبنانية، ولنظرة مختلف الأطراف الاقليمية والدولية لطبيعة ومدى الارتباط السوري اللبناني، وهو ما حول لبنان احيانا الى احدى بوابات او دروب التأثير، بشكل او بآخر، على ما يجري في سوريا، بكل ما كانت تمثله سوريا من اسهام نشط وملموس في التفاعلات والتطورات العربية، سواء في مراحل نشاطها وحيويتها السابقة، او في مراحل ازمتها الشديدة التي تعيشها، دولة ومجتمعا على مدى السنوات الاخيرة.
وفي هذا الاطار فانه لم يكن مصادفة ابدا ان ينوء لبنان بعبء تدفق اللاجئين السوريين، الهاربين من الحرب في سوريا، وقد تجاوز اعداد هؤلاء المليون لاجئ، بكل ما يعنيه ذلك من اعباء وضغوط، اقتصادية واجتماعية وديموجرافية وامنية وسياسية ايضا، تتحملها الحكومة والمجتمع اللبناني، انطلاقا من اعتبارات الأخوة والارتباط الدائم والعميق بين الدولتين والشعبين اللبناني والسوري. وبالرغم من ان السلطات اللبنانية حرصت، على مدى السنوت الأخيرة، على الالتزام بمبدأ النأي بالنفس عما يجري في سوريا، كسبيل وخيار يجنب لبنان ، قدر الامكان، التورط الرسمي بأي شكل فيما تشهده الشقيقة سوريا من تطورات، ادراكا منها لمخاطر ذلك، الا ان اطرافا عدة، لبنانية واقليمية وغيرها، تسعى باستمرار الى جر لبنان الى دائرة المواجهة في سوريا، وذلك لتوسيع دائرة المواجهات من ناحية، ومحاولة خلط الأوراق على الساحة اللبنانية من ناحية اخرى. وبرغم تكرار تلك المحاولات، على مدى الفترة الماضية، الا ان الحكومة اللبنانية عملت دوما على تطويقها، والحيلولة بكل السبل دون اتساعها. وما حدث من عمليات ارهابية في طرابلس قبل ايام، كان مجرد حلقة في سلسلة متتالية الحلقات للأسف الشديد.
واذا كانت السلطات اللبنانية قد سارعت الى تطويق ماحدث، والتأكيد على قدرة الجيش والشرطة اللبنانية على حماية القرار السياسي اللبناني، فانه من المهم والضروري ان تحرص القوى اللبنانية على تحقيق التوافق فيما بينها، وتدعيم سبل التعاون الذي لا غنى عنه، سواء لانهاء الفراغ في منصب الرئاسة وانتخاب رئيس جديد للبنان، او لدعم قدرة لبنان على مواجهة محاولات جره الى دائرة العنف بكل ما يمكن ان يترتب على ذلك من مخاطر. ولذا فان الدعم العربي والاقليمي ضروري لتمكين لبنان من تجنب ذلك بكل السبل الممكنة.