صندوق النقد الدولي يتوقع انخفاض النمو 3.8% في عام 2015 –
واشنطن (وكالات): عند النظر إلى الوراء، أي إلى بداية عام 2014 نجد أن خبراء الاقتصاد توقعوا نهوضا واضحا وبطيئا.
بيد أن البيانات التي سجلت في النصف الأول من العام ألمحت إلى أن النهوض أمر غير مؤكد.
وفي أكتوبر، وصف صندوق النقد الدولي الانتعاش بأنه “مخيب للآمال“- انتعاش هش ومتفاوت ومحفوف بالمخاطر.
استمرار الانتعاش المتفاوت وفي تقريره حول الآفاق الاقتصادية العالمية لشهر أكتوبر، ذكر صندوق النقد الدولي أن الانتعاش العالمي مضى بخطى أبطأ من المتوقع في السنوات الأخيرة.
وقام الصندوق، مستندا إلى تهديدات يشكلها إرث الأزمة المالية وانخفاض معدل النمو المحتمل على المدى المتوسط، بخفض توقعاته للنمو العالمي إلى 3.3% في عام 2014 و3.8% في عام 2015.
ورغم ذلك، تألقت الصين والولايات المتحدة وسط الاقتصاد العالمي الباهت، لتسهمان بنصيب كبير في النمو العالمي.
وذكر نائب وزير المالية الصيني تشو قوانج ياو إن اسهام الصين في إجمالي الناتج المحلي العالمي الذي شهد ازديادا مؤخرا سيصل إلى 27.8% في عام 2014 وسيبلغ نصيب الولايات المتحدة 15.3 استنادا إلى حسابات الصندوق.
وقال أوري دادوش، الباحث البارز بمعهد كارنيجي إندومنت للسلام الدولي والمسؤول السابق بالبنك الدولي، إن نمو الصين بنسبة تتجاوز 7 في المائة خلال العام الماضي قدم قوة دفع ملحوظة لإجمالي الطلب العالمي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ نمو الصين في عام 2015.
وذكر ناثان شيتز وكيل وزارة الخزانة الأمريكية للشؤون الدولية أن الاقتصاد الصيني سيواصل نموه المعتدل في السنوات المقبلة نظرا لطريق إعادة التوازن الذي يسلكه من الصادرات والاستثمار إلى الاستهلاك الخاص والطلب الاستهلاكي.
ويعد الاقتصاد الأمريكي نقطة مشرقة في الاقتصادات المتقدمة في عام 2014 حيث يواصل سوق العمل في هذا البلد تحسنه.
فحتى نوفمبر الماضي، أتاحت الولايات المتحدة في عام 2014 عددا أكبر من فرص العمل مقارنة بأي عام ميلادي كامل وذلك منذ أواخر تسعينات القرن الماضي.
ومازال الاستهلاك الشخصي قويا ومازالت توقعات التخضم مستقرة.
ونظرا لهذا الأداء القوي، أنهى الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) برنامج شراء الأصول في أكتوبر، ما يدل على خطوة أخرى نحو عودة السياسة النقدية إلى طبيعتها.
وتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.2% في عام 2014 وأن يتسارع إلى 3.1% في عام 2015.
وقال دادوش إن العديد من العوامل ستدفع الاقتصاد العالمي للأمام في عام 2015، بما في ذلك النمو السريع في أجزاء كبيرة من العالم النامي مثل الصين والهند واندونيسيا، والانتعاش في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والسياسات النقدية الفضفاضة، وخفض أقل في الإنفاق الحكومي، وانخفاض أسعار النفط.
وأضاف دادوش أن “تلك المحركات قوية بما يكفي لضمان أننا سنبتعد تماما عن ركود عالمي آخر”.أوجه عدم اليقين ماثلة ورغم أن الاقتصاد العالمي سيواصل انتعاشه في هذا العام، إلا أن الطريق سيظل وعرا وهشا.
فقد ذكر صندوق النقد الدولي أن المخاطر التي يواجهها الانتعاش العالمي الهش تنبثق عن عدة مصادر وهي: التوترات الجيوسياسية المتزايدة، والصدمات الناشئة في الأسواق المالية، وخيبات الأمل المتعلقة بالاقتصاد الكلي في الدول أو المناطق المؤثرة في النظام.
وقد ذكرت ماري ديرون، وهي من النواب البارزين لرئيس وكالة موديز، أن معظم العوامل مثل أوجه العجز الهيكلية في منطقة اليورو، والتي أثرت على نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي في عام 2014، ستظل قائمة في العامين المقبلين.
كما حذر صندوق النقد الدولي من أن الاقتصادات المتقدمة الكبري، ولا سيما منطقة اليورو واليابان، قد تواجه فترة ممتدة من انخفاض النمو ربما تتحول إلى ركود يكون له مزيد من التأثير المعاكس على نمو محتمل.
وبالرغم من الأوضاع المالية الداعمة، إلا أن منطقة اليورو مازال أمامها طريق طويل عليها أن تقطعه للخروج من أزمة الديون، إذ أصيب انتعاشها الاقتصادي بحالة من الشلل في منتصف عام 2014 مع وصول التضخم إلى ما دون الهدف الذي حدده البنك المركزي الأوروبي واقتراب البطالة من ارتفاع قياسي.
ولا تتوقع الكثير من المؤسسات والخبراء الاقتصاديين أي انتعاش ملحوظ في نمو إجمالي الناتج المحلي على المدى القريب.
ووفقا لأحدث التوقعات الصادرة عن وكالة موديز، من المتوقع أن يرتفع اقتصاد المنطقة بواقع 0.9% و1.3% في عامي2015 و2016 على التوالي بعدما بلغ 0.7% في عام 2014، وهو أقل من توقعاتها السابقة.
واتخذ صناع السياسات في أوروبا خطوات لدعم الطلب ودرء المخاطر الناجمة عن التضخم المنخفض بشكل مستمر مثل قيام البنك المركزي الأوروبي بالإعلان عن عمليات شراء مباشرة وهامة لأصوال خاصة. ولكن يسود الاعتقاد بين الخبراء الاقتصاديين بأن منطقة اليورو ينبغي أن تفعل أكثر من ذلك.
فقد قال الخبراء الاقتصاديون بمعهد بيترسون للاقتصادات الدولية إن السياسات النقدية والمالية في المنطقة لابد أن تعمل بشكل أكثر نشاطا جنبا إلى جنب الإصلاحات الهيكلية المعززة للإنتاجية، مثل رفع القيود وتعميق السوق الموحدة، لتحويل منطقة اليورو تجاه درب من النمو الأكبر والأسعار المستقرة.
وتقع اليابان أيضا في قلب المخاوف.
ففي اليابان، أصبح الانتعاش في الاستهلاك الخاص أبطأ من المتوقع وقوة الدفع الكامنة وراء الاستثمارات الخاصة ضعيفة.
وساعدت سياساتها النقدية على رفع توقعات التضخم، ولكن السياسات النقدية وحدها لن تنجح وتحتاج إلى دعم من النمو والإصلاحات المالية حتى تصبح نافذة المفعول، على حد قول الصندوق.
وتتوقع وكالة موديز أن يكون الطلب العالمي الباهت بمثابة عبء على نمو إجمالي الناتج المحلي لليابان، ليحد بشكل ملحوظ من الفوائد الاقتصادية الناتجة عن ضعف الين.
وتتوقع وكالة التصنيف الإئتماني أن تؤدي سياسات مالية أكثر صرامة، بما فيها الزيادة الثانية المزمعة في ضريبة المستهلك في العام المقبل، تؤدى إلى تقلص الطلب المحلي في السنوات القليلة المقبلة.
ولكن النشاط الاقتصادى سيدعمه تحفيز نقدي، الأمر الذي سيفسح المجال لتنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية.
ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الياباني بنسبة 0.9% هذا العام و0.8% في العام المقبل.
السياسات المتباينة تشكل مخاطر وبالإضافة إلى مخاطر الركود المحتملة في اليابان ومنطقة اليورو، فإن حالة عدم يقين اقتصادي رئيسية في العام المقبل تحدث تباينا في السياسات النقدية للاقتصادات المتقدمة.
ففي الوقت الذي من المتوقع أن يقوم فيه الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفائدة في وقت ما من عام 2015، ستواصل منطقة اليورو واليابان انتهاج سياسات نقدية فضفاضة لدعم الطلب الضعيف.
ويتابع المستثمرون عن كثب المسارات المستقبلية للتضخم الأمريكي ونمو الاقتصاد الأوروبي، حسبما أفادت مؤسسة “ستاندرد أند بورز”.وإن مسار تضخم أسعار المستهلك بالولايات المتحدة هو ما سيملي توقيت رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة ودرجته، فيما قد يعرض خطر الركود في أوروبا انتعاش الاقتصاد الأمريكي للخطر ويؤثر أيضا على الاحتياطي الفيدرالي.
وذكرت وكالة موديز أنه في الوقت الذي تشدد فيه الولايات المتحدة من سياستها النقدية، قد يحدث تصحيح عريض النطاق في أسعار الأصول، ليتسبب في زيادة حادة وبعيدة المدى في تقلب السوق المالية ورفع تكاليف التمويل في الأسواق، وتقييد تدفقات رؤوس الأموال في الأسواق الناشئة وهذا بدوره يثبت النمو الاقتصادي.
وقال رئيس الاحتياطي الفدرالي في نيويورك وليام دودلي إن البنك سيتوخى الحذر في خطى تشديد السياسات النقدية، التي لن تعتمد على الآفاق الاقتصادية فحسب، وإنما أيضا على كيفية استجابة أوضاع السوق المالية حيث بدأ بنك الاحتياطي الفدرالي في إلغاء عملية تكييف أوضاع السياسات النقدية.
وذكرت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي جانيت يلين في مؤتمر صحفي عقد في ديسمبر أن الاحتياطي الفيدرالي يرى أنه من غير المرجح بدء عملية التطبيع خلال اجتماعي السياسات المقبلين على الأقل.
وسيعقد اجتماع السياسات المزمع القادم للبنك المركزي يومي 27 و28 يناير.
وسيعقد الاجتماع التالي يومي 17 و18 مارس.
استمرار انخفاض أسعار النفط
ويشكل انخفاض التضخم تهديدا محتملا للاقتصاد العالمي، وقد يؤثر الانخفاض الحاد الأخير في أسعار النفط على التضخم الذي يتصدر عناوين الصحف في بعض الدول.
ولكن على نحو مغاير للسيناريوهات السابقة والتي عكس فيها انخفاض أسعار النفط فتورا في الطلب وأثر بشدة على آفاق النمو، يعتقد معظم خبراء الاقتصاد والهيئات التنظيمية أن انخفاض أسعار النفط سيدعم الطلب من جانب مستوردي النفط وسيعطي دفعة للنمو العالمي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يعطي الانخفاض الملموس الأخير في أسعار النفط، إذا ظل مستداما، يعطي دفعة للنمو.
وقالت جانيت يلين إنه لن يمارس سوى ضغط هبوطي عابر على التضخم الأمريكي وسيعطي دفعة للطلب الاستهلاكي شأنه شأن خفض الضرائب.
ويقلل بنك اليابان أيضا من شأن أية مخاوف من تهديد محتمل على تعهده بتسجيل نمو نسبته 2%، دون الترحيب بالدفعة الناتجة عن ذلك للنمو.
ولفت ديفيد ستوكتون الزميل البارز بمعهد بيترسون للاقتصادات الدولية والرئيس السابق لقسم البحوث الاقتصادية في الاحتياطي الفدرالي إلى أن انخفاض التضخم يشكل في الواقع شاغلا للاقتصادات الكبرى في العالم. ولكنه لا يعتقد أن مخاطر انكماش ستظهر في العام القادم، إذ أن الدفعة الإيجابية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط سترفع تدريجيا مستوى الأسعار ولكن بوتير أقل بكثير.
وقالت وكالة موديز إن النمو المعتدل في الطلب على النفط الذي تصاحبه زيادة مطردة في العرض سيبقي على أسعار النفط مستقرة بصورة عامة عند المستويات المنخفضة الأخيرة في العام المقبل.
وسيعود انخفاض أسعار النفط بالفائدة على معظم اقتصادات مجموعة ال20 التي تميل إلى أن تكون مستوردة للنفط، ولكن سيكون له تأثير سلبي على النمو في دول مصدرة للنفط مثل روسيا وإلى حد أقل على المكسيك.
وبالإضافة إلى ذلك، يسود الاعتقاد بأن المخاطر الجيوسياسية ستظل تشكل تحديا للاقتصاد العالمي في العام المقبل.
ولكن مؤسسة “ستاندرد أند بورز” ترى أن تأثير معظم بؤر التوتر الجيوسياسية الحالية سيتم على الأرجح احتوائه إقليميا ولن يمتد إلى المشهد العالمي إلا في أندر الأحوال ليؤثر على الاقتصادات الغائبة عن الأنظار.