عاطف الغمري –
تتكشف أسرار خفية، وتحل ألغاز عالقة، حين تمر السنين، التي يمنع القانون في كثير من الدول، الكشف عنها، قبل مرور مدة زمنية يحددها، لدواعي المحافظة على الأمن القومي، وينزاح الستار عن الخفايا، على يد ضباط سابقين في مخابرات دول أجنبية، أو كتاب وخبراء متخصصين، فينشرون مؤلفات ودراسات.لقد ظل بمثابة لغز كبير، تتراص أمامه علامات استفهام بلا حصر، التساؤل الحائر عما إذا كان من قبيل المصادفة، أو هو اتفاق مصالح، أم اختراق مخابرات أجنبية، لجماعات في بلادنا، ما نراه من انتشار منظمات متطرفة، وجماعات ترفع لافتة الإسلام السياسي، وتمارس أعمالا، تحقق حرفيًا نفس أهداف استراتيجيات أجنبية معروفة، منها استهداف الجيش، الذي هو أول أعمدة الدولة، وتلحق به مؤسسات تمثل بقية الأعمدة، التي لا تقوم لأي دولة قائمة بدونها، وحسبانها لكل هذه الأهداف عدو لها.. هنا تكون للمعلومات الموثقة أهميتها، قبل أي اجتهاد أو تحليل.
يكشف جانبا من أسرار إستراتيجية إسرائيل، ضابط الموساد السابق فيكتور أوسترفسكي فى كتابه «الجانب الآخر للخداع»، الصادر عن دار هاربر فى نيويورك عام 1995. ويقول. إن ضابطاً عالي الرتبة بالموساد، أبلغه عن قرار اتخذ لإحداث حالة من عدم الاستقرار تصل إلى درجة الفوضى الأهلية الداخلية – وشرح له طريقة تحقيقها، بتسريب أموال، وأسلحة، إلى جماعات تضم عناصر أصولية مثل حماس والإخوان المسلمين، بحيث تتولى اغتيال شخصيات في بلادها تعد رموزا للاستقرار، وإحداث أعمال شغب في الجامعات بالذات، مما يدفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات قمعية.ويقول: إن الخطة تهدف إلى زعزعة الاستقرار في مصر، بينما يقوم الموساد بتسهيل وصول أسلحة إلى العناصر المتطرفة في مصر، بجلبها من أفغانستان.
ولم يكن من قبيل الأسرار، دعم إسرائيل في مرحلة زمنية سابقة لمنظمة فلسطينية واكثر ، وهو ما كانت صحف إسرائيلية قد كشفت عنه، قبل حوالي عشر سنوات. وطبقا لتقرير نشرته مجلة فورين بوليسي جورنال الأمريكية، فقد كشف مسؤولون حاليون وسابقون في المخابرات الأمريكية، عن أن إسرائيل، وحماس اللتين يدور بينهما الآن صدام عنيف، كانت قد جمعت بينهما مصلحة مشتركة، عندما قدمت تل أبيب أواخر السبعينات، مساعدات مالية مباشرة وغير مباشرة لها ضمن منظمات اخرى.
وأراد الإسرائيليون من هذه المساعدات، إيجاد قوة أخرى توازن بها قوة منظمة التحرير الفلسطينية. وهو ما أكده توني كردسمان الخبير في شؤون الشرق الأوسط، بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن. وقال – نقلاً عن مسؤول سابق بالمخابرات الأمريكية – إن تأييد إسرائيل لحماس كان محاولة لإحداث انقسام في منظمة التحرير الفلسطينية وإضعافها.
وتقول مجلة فورين بوليسي جورنال أن دعم الموساد للمنظمات المتطرفة في الدول العربية تنفيذاً لإستراتيجية زعزعة الاستقرار في الدول العربية، يعود إلى مرحلة مبكرة. فقد سعت إسرائيل لإبقاء المنطقة العربية بكاملها في حالة من عدم الاستقرار، لأن ذلك يضمن لها، عدم إمكان قيام جبهة عربية موحدة ضد طموحات إسرائيل، والتي ليس لها نهاية.
كما كتب واين مادسين دراسة بعنوان «مجتمع واشنطن المدني»، ونشرت في عام 2013، قال فيها إن الولايات المتحدة ساعدت إرهابيين شاركوا في عملية إسقاط القذافي، ثم إرسالهم إلى سوريا لمواصلة الجهاد الأمريكي هناك.
هذه المعلومات تضع النقاط على الحروف، بالنسبة لما كان قد ذكره كتاب ومحللون أمريكيون، من أن الولايات المتحدة، لها الدور الأكبر في بروز المنظمات الإرهابية، التي انتشرت بشكل كبير في سوريا.
يبقى اللغز الأكبر والمحير عن زعيم داعش أبو بكر البغدادي، وما يقوم به من أفعال هدفها تدمير أعمدة الدولة في العراق، وأولها الجيش الوطنى، طامعاً في أن يتحقق ذلك في كل دول المنطقة.
ويشير كيفين باريت في دراسته بعنوان «من هو أبو بكر البغدادي»، إلى الشكوك التي تحيط به. ويقول إن حزاماً من السرية يحيط بالسنوات الخمس التي أمضاها البغدادي في الحبس الأمريكي بالعراق.
وأن ظهور البغدادي على رأس تنظيم داعش ارتبط بخلق أوضاع تقود إلى ما يشبه الانتحار الجماعي لمسلمين، وذلك بجعل المسلمين يقاتلون ضد بعضهم البعض.
وتضيف إلى ذلك مجلة فورين بوليسي جورنال، قولها إن البغدادي تربطه علاقة بالولايات المتحدة، فهو كان في معتقل مدني، داخل مركز أمريكي في أم قصر بالعراق. ثم أفرج عنه بلا شروط في عام 2009.
وحين أعلن البغدادي نفسه خليفة للمسلمين، فقد تحقق بذلك الهدف الإسرائيلي، من إحداث انقسامات، وانشقاقات حتى بين فرق الإسلام السياسي.
إن ما نراه اليوم في عدد من البلاد العربية، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، من انتشار المنظمات الإرهابية المعادية لدولها العربية، يضع أمامنا صورة مجسدة لمؤامرة نسجت خيوطها قبل سنوات. وهي ليست من صنع أي خيال، لكنها مسجلة في كتابات أطراف شاركت في نسج خيوط المؤامرة، أو كانت على اطلاع على خطواتها، من أجل نشر الفوضى، والاقتتال، والإرهاب في بلادنا العربية.
ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة