بكين -(وكالات): سيتم تشغيل خط أنابيب الصين- ميانمار للنفط وميناء عميق المياه في نهاية يناير الجاري، حيث يمكن نقل النفط من منطقة الشرق الأوسط إلى جنوب غربي الصين عن طريق جزيرة ماداي الميانمارية الواقعة على بحر أندامان.
وفي السابق كان يتم نقل حوالي أربعة أخماس من النفط عبر مضيق ملقا، وهي نقطة ساخنة دائما ما تتسم بعلاقات دولية متشابكة ومعقدة، علاوة على ظهور عدد ليس بقليل من القراصنة بها.
بالنسبة إلى الصين، تعد خطوط أنابيب الصين- ميانمار للنفط والغاز رابع أكبر الخطوط لتصدير الطاقة بعد خطوط أنابيب آسيا الوسطى للنفط والغاز وخطوط أنابيب الصين-روسيا للنفط وخطوط الأنابيب البحرية (عبر مضيق ملقا). تتألف خطوط أنابيب الصين-ميانمار من جزأين خطوط أنابيب نفط وخطوط أنابيب غاز.
تم إنشاء خطوط أنابيب الغاز في يوم 30 سبتمبر عام 2013.
ووفقا لما أكدته جمارك مدينة كونمينغ حاضرة مقاطعة يوننان جنوب غربي الصين، تم نقل 613 ألف طن من الغاز الطبيعي عبر خطوط أنابيب الصين-ميانمار للغاز في النصف الأول لعام 2014، وبلغ حجم التجارة 2.27 مليار يوان (حوالي 366 مليون دولار أمريكي). وتمتد خطوط الأنابيب أكثر من 2500 كيلومتر وتدخل إلى الصين من مدينة رويلي الواقعة في جنوب غربي مقاطعة يوننان وتصل إلى بلدية تشونغتشينغ التي دائما ما تعاني من نقص في إمدادات النفط.
ومن المتوقع أن تنقل خطوط أنابيب الصين-ميانمار أكثر من 12 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي و22 مليون طن من النفط بعد إتمام إنشاء الخطوط كلها.
يساعد برنامج خطوط أنابيب الصين-ميانمار في تحقيق تنوع في طرق نقل النفط وضمان توفير الطاقة في الصين، كما يساعد في تخفيف درجة اعتماد الصين على مضيق ملقا وتخفيض أخطار تصدير النفط عن طريق البحر.
وبالنسبة للجانب الميانماري، من المحتمل أن يدفع برنامج خطوط أنابيب الصين-ميانمار تطور الصناعة البتروكيميائية في البلد، ويسد حاجات ميانمار لكمية كبيرة من المازوت والبنزين وغيرهما من مشتقات الطاقة.
كما ينشط البرنامج التنمية الاقتصادية ويزيد فرص العمل ويدفع عملية المدننة في المنطقة على طول الخطوط.
وفي الحقيقة، ليست الصين أول دولة تنشئ خطوط أنابيب في ميانمار، فقد جذبت خطوط الأنابيب التي بنتها شركة ميانمارية تايلاندية في وقت سابق جذبت رؤوس أموال أجنبية تتجاوز ملياري دولار أمريكي.
ومن حيث مصالح المنطقة، سيعزز تطوير ميانمار للتعاون الاقتصادي والتجاري مع تايلاند ولاوس والهند وغيرها من الدول المجاورة، ويؤدي إلى الازدهار المشترك للمنطقة.
وعلى المدى الطويل، يمكن للصين أن تبني طرقا وسككا حديدية على طول خطوط أنابيب الصين-ميانمار، حيث من المؤكد أن يسرع هذا التخطيط من تنمية المنطقة.
كما انه لا شك أن تهاوى أسعار النفط دون سابق إنذار سيطر تماما على اهتمام العالم أجمع في الفترة الماضية، وليس مفاجئا أن يتصدر هذا الموضوع أجندة الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد في منتجع دافوس بجبال الألب السويسرية تحت شعار «الوضع العالمي الجديد» في الفترة من 21 إلى 24 يناير الجاري للبحث في آفاق كيفية إيجاد حلول للتحديات العالمية الكبرى.
فقد شهدت أسعار النفط انحدارا حادا في الآونة الأخيرة على نحو قد يؤثر تأثيرا شديدا على نمو الاقتصاد العالمي ويدفع بعض الدول إلى الاعتقاد بأن ذلك سيخلق أزمة كارثية قد تفضي إلى تدمير التنمية الاقتصادية العادية.
ولكن في الوقت ذاته، تبقى دول الخليج، التي تعد جزءا هاما من منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، على أسعار الذهب الأسود عند هذا المستوى المنخفض ولا تعتزم خفض إنتاجه، ليظل الكثيرين في حيرة بشأن الدافع من وراء هذه التحركات؟ فدول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، تلعب دورا موازنا في سوق النفط، إذ تعمل على زيادة الإنتاج عندما تصل الأسعار إلى مستوى مرتفع وتفعل العكس حال وصول الأسعار إلى مستوى منخفض، ما يحافظ على توازن توافر الطاقة في السوق العالمية.
ومن الواضح أن دول الخليج تود أن تضمن حقها في المشاركة في عملية تقاسم الآراء وصنع القرار ليس في مجال الطاقة فحسب وإنما أيضا على المسرحين الاقتصادي والسياسي مستخدمة في ذلك «سلاح النفط». بيد أن مع استئناف بعض الدول لقدرتها على إنتاج النفط وتصديره، باتت حصة دول الخليج السوقية تواجه تحديات كبيرة.
وفي هذا الإطار، تقوم دول الخليج من خلال انخفاض تكلفة التنقيب عن النفط وضخامة احتياطيات النقد الأجنبي بزيادة الإنتاج وخفض الأسعار بصورة تساعدها في الحفاظ على مصالحها.
وبالإضافة إلى ذلك، قد يهدف رفض دول الخليج خفض الإنتاج إلى مواجهة «ثورة الغاز الصخري» في الولايات المتحدة، حيث ارتفع إنتاج النفط المحلي الأمريكي في ضوء سعي الحكومة الأمريكية للتنقيب عن الغاز الصخري، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض واردات الولايات المتحدة من النفط.
وحال بلوغ الانخفاض الشديد في أسعار النفط حدا معينا، فسيوجه ذلك لطمة شديدة لصناعة الغاز الصخري.
كما قد يؤثر ذلك على تنمية المصادر الجديدة للطاقة ويعرقل أيضا عملية إحلال طاقات أخرى محل النفط حيث حذرت المديرة التنفيذية لوكالة الطاقة الدولية ماريا فاندر هوفن من أن تراجع أسعار النفط قد يؤثر على الاستثمارات في الطاقات المتجددة.
وعلى المدى القصير، يبدو أن تحركات دول الخليج تساعد على ضمان مصالحها وحق العالم العربي في المشاركة في عملية تقاسم الآراء وصنع القرار، ولا سيما وأن الدول المنتجة للنفط هذه قادرة على تحمل أسعار النفط المنخفضة لأوقات أطول.
لكن ذلك سيفضى حتما إلى تراجع عائدات النفط، ما قد ينعكس سلبا على تنميتها الاقتصادية، وهذا ليس في صالح العالم العربي بصفة عامة ودوله التي تعتمد اقتصاداتها بدرجة كبيرة على الصادرات النفطية بصفة خاصة.
وفضلا عن ذلك، فإن من شأن انخفاض عائدات النفط أن يحد من قدرة دول مثل العراق وسوريا على مكافحة الإرهاب مع تزايد نفوذ تنظيم داعش لدرجة أنه صار يهدد منطقة الشرق الأوسط وحتى العالم بأسره.
وعلى المدى الطويل، يجب الإشارة إلى أن «حرب أسعار النفط» لا تمثل خيارا ممتازا لتعزيز مشاركة العالم العربي في عملية صنع القرار.
فالأوضاع التي شهدها العالم العربي في السنوات الأخيرة برهنت على أن تنمية الاقتصاد والرخاء هما الأساس الذي يتركز عليه الاستقرار السياسي.
ويمكن القول إن معضلات التنمية الاقتصادية التي تعذر في ظلها رفع مستوى معيشة الشعوب العربية ربما كانت سببا هاما وراء اندلاع الاضطرابات في بعض بلدان العالم العربي.
كما أن تعدد المشكلات السياسية والاجتماعية في العالم العربي تسببت في إفراط اقتصاداته في الاعتماد على النفط، ومن ثم باتت الدول العربية في حاجة ملحة إلى تنوع مصادر نموها والبحث عن نقاط نمو جديدة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية دون الارتكاز على قوة واحدة.
ومع تراجع أسعار النفط وتزايد تهديد الإرهاب، اللذان من المرجح أن يصبحا موضوعين هامين في منتدى دافوس، تتسلط أعين المجتمع الدولي على الوطن العربي الذي يمكنه اغتنام فرصة هذا اللقاء لتحويل نمط التنمية الاقتصادية وتنويع الاقتصاد، ما يسهم في خفض درجة اعتماده المفرط على الطاقة ويشجعه على تطوير القطاع الخاص وإقامة نظام تعليمي حديث وتعزيز بناء هيكله القانوني وتهيئة مناخ استثماري تنافسي لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاعاته غير النفطية بغية رفع مستوى معيشة المواطنين، ومن هذا يتسنى تدعيم ركائز البلاد والنجاح فعليا في تعزيز حق العالم العربي في صنع القرار.
ولا ينبغي أن يكون الشاغل الرئيسي للمجتمع الدولي بشأن العالم العربي هو مكافحة الإرهاب فحسب، وإنما تقديم يد العون له في شتى المجالات ودعمه في مسيرته إلى تحقيق النهوض الاقتصادي وإحلال السلام الدائم.