حيدر بن عبدالرضا اللواتي –
haiderdawood@hotmail.com –
تعمل دول مجلس التعاون الخليجي منذ مدة طويلة على إصدار مجموعة من التشريعات التي تستهدف تحسين البيئة الاقتصادية بدولها في إطار تحسين القوانين التي تهدف إلى جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، والعمل في البئية المنافسة، ودعم الصناعة، وحماية المستهلك، ومكافحة الغش التجاري والحد من الاغراق التجاري الذي يؤدي إلى تضرر الصناعات الوطنية والخليجية في إطار العمل بمشروع القانون الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول مجلس التعاون الخليجي.
وكما هو معروف فان المشكلة الأساسية للاغراق بدول مجلس التعاون الخليجي تتمثل في أن أسواقها مفتوحة على مصراعيها بحيث تصل إليها كل السلع والمنتجات الجيدة والرديئة في آن واحد، ومن ضمنها أحيانا المنتجات المقلدة التي تنافس المنتجات الوطنية في سعرها بالرغم من المخاطر الكامنة في تلك المنتجات، الأمر الذي يؤدي أحيانا إلى إجهاض الصناعات الوطنية بقصد أو دون قصد، وتعرّض الأسواق المحلية للتحديات بصورة أو بأخرى، بالاضافة إلى إغراق الأسواق الخليجية ببعض المنتجات التي تعرض الصناعات الوطنية للمخاطر أيضا.
ويتحقق الاغراق- كما هو معروف- إذا كان سعر تصدير المنتج أقل من قيمته العادية ويكون الفرق بينهما هو هامش الاغراق، أي أن يكون سعر المنتج للاستهلاك في بلد التصدير أقل كثيرا، ويمكن تثبيت ذلك من خلال التحقيقات بوجود إغراق من ذلك المنتج، وكذلك وقوع ضرر مادي على الصناعة المحلية التي تنتج منتجا مثيلا، وأن يكون وقوع ذلك الضرر بسبب وجود الاغراق من ذلك المنتج وليس من أمر آخر، الأمر الذي يتطلب لاحقا اتخاذ إجراءات كفرض رسوم لا تزيد عن هامش الإغراق عند دخول المنتج من المنافذ الجمركية للبلد المستورد، بحيث تسمى تلك الرسوم برسوم مكافحة الاغراق.
وقد كشفت المسوحات الصناعية التي تجرى أحيانا على المصانع الوطنية في دول المجلس عن وجود شكاوى الاغراق بجانب المشاكل والقضايا الاخرى التي تعاني منها والمرتبطة بمشكلة توافر الأراضي والتمويل ومشاكل الأيدي العاملة الوطنية والأجنبية وغيرها من الأمور الأخرى.
وتعتبر مسألة الإغراق إحدى المسائل المهمة في احباط الصناعات الخليجية نتيجة لمنهج الاغراق الذي تتبعه بعض الدول التي تتنتج الصناعات المثيلة للصناعات الخليجية، بحيث تمارس عددا من الطرق منها تحديد الأسعار للأسواق الخليجية من جانب المنتج المصدر لسلعة ما إلى ذلك السوق الخارجي بحيث يكون سعره أقل من السعر الذي يبيعه بها في داخل بلده، أو أقل من تكلفة إنتاجها.
وينظر إلى الإغراق على أنه نوع من التمييز السعري Price Discrimination الذي يقوم به المنتج بسبب أوضاعه الاحتكارية في السوق، وعلى النحو الذي يمكنه من فرض أكثر من سعر للسلعة نفسها استنادا إلى طبيعة الأسواق الذي يتم البيع فيها، الأمر الذي يؤدي إلى التخلص من فوائض الإنتاج أو إخراج المنافسين من السوق في الخارج.
ومثل هذه الممارسات- بلا شك- تضر بالمنتجين المحليين في دول مجلس التعاون الخليجي، وبذلك يعد الإغراق من الممارسات التجارية غير العادلة وفقا للقانون التجاري الدولي.
ومن هذا المنطلق ترى دول مجلس التعاون الخليجي أنه من حقها من أن تتخذ الإجراءات المضادة تجاه أي جهة تعمل على إضرار الصناعات الوطنية، بحيث يمكنها فرض رسوم جمركية على السلع المماثلة المستوردة من الخارج بهدف تفويت أي فرصة من عملية التسعير المنخفض للسلع المستوردة التي تهدف إلى إغراق الأسواق المحلية، خاصة وأن الشكاوى التي وردت من الصناعيين الخليجيين تؤكد بأن الجهات المعنية في دول المجلس لا تحمي الصناعات الوطنية من المنافسة الأجنبية كما يجب، وأن السوق الخليجية تتعرض بصورة مستمرة لحالات إغراق أو عدم التزام بالمواصفات، أو غير ذلك من الممارسات التجارية الضارة من جانب الصناعات الأجنبية، سواء على أيدي الوكلاء المحليين أو المصدرين الأجانب، الأمر الذي يضع الصناعات الوطنية في وضع تنافسي أسوأ.
وهذه الشكاوى ليست حديث اليوم وإنما مضى عليها الكثير من الزمن، الأمر الذي أدى إلى إصدار النظام الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية بقرار من المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون في دورته الرابعة والعشرين، المنعقدة في الكويت في ديسمبر عام 2003.
ويفرض مشروع هذا النظام الموحد لمكافحة الإغراق لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عند اعتماده تدابير مكافحة الإغراق أو التدابير التعويضية على السلع المستوردة للدول الأعضاء، حيث إذا ثبت أن السلعة المستوردة تسببت في الإغراق، أو تم تقديم دعم لها، وألحقت ضررا ماديا بصناعة خليجية قائمة، أو هددت بوقوع مثل هذا الضرر، أو حدث ضرر نتيجة لذلك يتعذر إصلاحه، يتم اتخاذ تدابير مؤقتة وفقا للشروط والأوضاع المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية، بما في ذلك فرض الرسوم الجمركية أو القيود الكمية أو الشكلين معا.
كما نص على الإجراءات والتدابير التي ستتخذ لمواجهة الحالات الناشئة عن الإغراق، الإجراءات التي تتخذ لمواجهة الدعم المحظور أو الدعم المقابل للتقاضي، وكذلك التدابير التي تتخذ في حالة الزيادة غير المبررة في الواردات.
ورغم مرور زمن بعيد على إصدار هذا القانون إلأ أنه مؤخرا تمت مناقشة مشروع هذا القانون في اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى لدينا في السلطنة، بحيث استضافت اللجنة في إطار دراستها للمشروع عددا من المختصين ورجال الأعمال بغرفة تجارة وصناعة عمان وذلك للاستئناس بآرائهم حول مواد المشروع.
والمجتمعون يرون أن القانون يهدف إلى تمكين دول المجلس من اتخاذ التدابير اللازمة ضد الإغراق والدعم والزيادة في الواردات التي يترتب عنها ضرر لأي صناعة خليجية.
كما قدم الأعضاء عددا من الاستفسارات والملاحظات أهمها المعوقات والتحديات التي يواجهها القطاع الخاص فيما يتعلق بالممارسات الضارة في التجارة الدولية والإجراءات المتبعة في حال تعرض أي مصنع أو شركة لأي نوع من هذه الممارسات، بجانب مناقشتهم لدور بعض الجهات المعنية في نشر الوعي، وتنمية المعرفة في السلطنة بمفاهيم وآليات الإغراق والدعم والزيادة في الواردات.
كما تطرقوا أيضا إلى التدابير والإجراءات التي تقوم بها الجهات المختصة في حال واجهت الصناعة العمانية أيًا من حالات الإغراق أو الدعم أو الزيادة في الواردات.
الفترة المقبلة تتطلب تفعيل النظام الموحد لمكافحة الاغراق في دول المجلس ليحمي الصناعات الوطنية ويوفر الحماية المناسبة للمنتجات الوطنية ضد جميع المخاطر التي يتسبب فيها الإغراق.
فالسنوات السابقة توحي بأن دول المجلس لم تقم بالدور المطلوب في مقاومة الإغراق بالشكل المناسب، الأمر الذي أدى بأن تتضرر العديد من الصناعات الوطنية الخليجية على الرغم من أن قضية الإغراق يتم تناولها سنويا في المحافل والمؤتمرات والمنتديات الصناعية الخليجية.
وعلى دول المجلس تزويد المؤسسات التي تعني بهذه القضايا بالكوادر والفرق اللازمة التي تستطيع اكتشاف حالات الإغراق، ومحاصرة تلك العمليات، وضرورة إثبات تلك الحالات من الناحية الفنية والقانونية، ومعرفة وتقييم حجم الآثار السلبية التي تترتب على ذلك.
وهذه القضايا ليست بسهلة وتحتاج إلى خبراء ذوي قدرات فنية وقانونية جيدة لمتابعة تلك القضايا دوريا.
كما أن هذه القضايا تحتاج إلى تحديث الانظمة الصناعية لتتمكن الصناعات الخليجية من زيادة رقعتها في إطار السياسات التي تضعها دول المجلس فيما يتعلق بالتنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي.
إن من حق دول المجلس مكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية من خلال قيامها مجتمعة باتخاذ التدابير اللازمة ضد أي ممارسات خاطئة في التجارة الدولية الموجهة اليها من خارج دول مجلس التعاون، وفي الوقت نفسه العمل على وضع الإجراءات الإدارية التي تتناسب ودول مجلس التعاون وبما تتماشى مع قواعد وأحكام منظمة التجارة العالمية W T O.