د. محمد رياض حمزة –
بصدور المرسومين الساميين ( قانون حماية المستهلك 66/2014م) و( قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار 67/2014 ) فإن الهيئة العامة لحماية المستهلك تكون قد خطت ، باقتدار، لتنفيذ مساعيها الحثيثة لتأمين أسواق ملبية لحاجات المستهلكين في إطار أحكام القوانين التي تعزز رؤية الهيئة ورسالتها وأهدافها.
فمنذ إنشاء الهيئة عام 2011 عملت بجهود استثنائية لتوعية المستهلك ( المواطن والمقيم) بأهدافها النبيلة التي انصبت على خدمة المجتمع العماني من خلال العمل على تعزيز وضع السوق وتنميته لتوفير خيارات أكثر للمستهلك بأقل الأسعار. والمتابعة المتواصلة لواقع أسواق السلطنة ومتغيراتها من خلال حملات التفتيش الدوري لمنافذ التوزيع والتأكد من التزامها بقوانين الحماية وتوفيرها للسلع بكميات مناسبة والتزامها بمعايير الجودة وبأسعار تنسجم مع متوسط الدخل الفردي للمواطنين.
كما عملت الهيئة على تجسيد مبادئ المنافسة العادلة ومكافحة الاحتكار. وإعداد الدراسات حول تنظيم السوق للحيلولة دون وقوع الاحتكار، بالإضافة إلى تشجيع المنافسة العادلة بين التجار، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية في الحكومة والقطاع الخاص .فوضعت الخطط والبرامج اللازمة لتفعيل حماية المستهلك وتعزيزها في ضوء الدراسات الميدانية التي تجريها الهيئة على أسس علمية.
وعملت الهيئة على تنفيذ السياسة العامة لحماية المستهلك في السلطنة وتطوير مضامينها وفق المستجدات في الأسواق بالتعاون مع بقية الوحدات الحكومية المختصة لتوحيد مسار العمل منعا لازدواجية تطبيقات معايير الحماية للوصول إلى أهدافها التي تتمحور حول إيجاد أفضل السبل لتنظيم النشاطات المرتبطة بحماية المستهلك.
وبصدر رحب وتفهم ومرونة تلقت الهيئة شكاوى المستهلكين والعمل على إنصاف المتضررين منهم في ضوء أحكام القانون . فكانت الصحف المحلية توثق يوما بيوم رد المظالم التي أعادتها الهيئة لمستحقيها من المستهلكين .
وعملت الهيئة بحرفية عالية على رصد، ومحاربة الاحتيال والتلاعب الذي يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني وبالمواطن ووقفت بصلابة مع الحق في إنصاف المستهلك أمام أي جهة أغفلت أو تعمدت التجاوز على حقوق المستهلك.
وبذلك فإن رؤية الهيئة العامة لحماية المستهلك قد راهنت على صدق و نزاهة عملها في خدمة المجتمع العماني من خلال التعامل الواقعي مع الأسواق واستقرارها وموازنتها وتطوير وغرس الثقة لدى المستهلك في قدرة الهيئة على القيام بحمايته والدفاع عن حقوقه واعتبارها مصدرا للمعرفة لتثبيت حقوق المستهلك والرقي بوعيه وإرشاده في التعامل السليم مع السوق. وإن رسالتها تتلخص في العمل بنزاهة وتجرد وموضوعية في تحقيق الأهداف وفق الصلاحيات التي منحت لها وفي إطار القوانين المرعية في السلطنة والترفع عن الإضرار بمصالح طرفي السوق المستهلك والتاجر على أسس العدل والقوانين المنظمة للعلاقات في السوق. فكانت الهيئة تعمل بأمانة على حماية المستهلك من تقلبات الأسعار .ومراقبة أسعار السلع والخدمات في الأسواق والحد من ارتفاعها.وضمان تحقيق قواعد حرية المستهلك في الاختيار والمساواة والمعاملة العادلة والأمانة والمصداقية. وتنمية الوعي العام لدى المستهلك واستخدام الوسائل العلمية السلمية لنشرها على أسس صحيحة ومتوازنة لدى جميع فئات المجتمع.وإيجاد حلول سريعة لشكاوى المستهلكين. ومكافحة الغش التجاري والتقليد ومحاربة الاحتكار.وتشجيع إنشاء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية والعمل على دعمها. وبذلك فإن الهيئة من خلال القيام بواجباتها المحددة بالقانون تلعب دورًا مهمًّا في تنمية الاقتصاد الوطني .
وإذا كانت الهيئة العامة لحماية المستهلك برهنت قدرتها على تخطي الصعاب وأرست نهجا قويما في التصدي لأي خلل تناله رقابتها لحماية المستهلك ، فإنها أمام تحد حقيقي يتمثل في تطبيق (قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار) القانون الذي شُرِّع ليتصدى لعدد من حالات الاحتكار في السوق العمانية ولعل أكثرها وضوحا في سوق المشروعات المتوسطة والصغيرة في تجارتي الجملة والتجزئة التي يحتكرها ويسيطر على معظمها وافدون في إطار « التجارة المستترة» التي تعرفها وزارة التجارة والصناعة بـ « قيام العامل الوافد بممارسة نشاط تجاري أو مهني لحسابه، أو بالاشتراك مع غيره متستراً تحت اسم وهوية شخص أو مواطن عماني مع عدم سماح القوانين التجارية أو التي تنظم الأعمال المهنية في السلطنة بهذا الأمر».
وتشير وزارة التجارة والصناعة الى أن المواطن يعتبر متستراً في حالة تمكين العامل الوافد من استخدام اسمه أو سجله التجاري أو الرخصة التجارية أو المهنية لممارسة النشاط التجاري أو المهني ، ويعتبر كذلك كل أجنبي قام بتمكين عامل وافد آخر من العمل لحسابه خلافا للقوانين واللوائح المنظمة للاستثمار الأجنبي.
وتوضح وزارة التجارة والصناعة في موقعها على شبكة « الإنترنيت» الآثار الاقتصادية للتجارة المستترة بما يلي:
1-معظم الأرباح الناجمة من التجارة المستترة تحول للخارج.
2-الإخلال والتشويه لمؤشرات ومعدلات النمو الاقتصادي.
3-تساعد التجارة المستترة في ضعف فرص التوظيف للعمانيين وتزايد نمو أعداد الباحثين عن عمل، حيث تشير الحقائق الى أن العامل الوافد يقوم بتشغيل عمالة وافدة من جنسيته مما يؤثر على قواعد التعمين.
4-التأثير نحو توجيه التجارة وفق مصالح ورغبات العاملين الأجانب.
5-المنافسة غير المشروعة للمواطنين ولا سيما أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
6-التورط في تعاملات وديون تقع أعباؤها على صاحب العمل دون علمه.
7-تزايد حالات الغش التجاري.
8-استحواذ الوافدين على بعض الأنشطة التجارية.
ومن الآثار الاقتصادية إلى الآثار الاجتماعية:
1- الإخلال بالبنية الديموغرافية ( السكانية) بالسلطنة نتيجة تزايد أعداد العمالة الوافدة.
2- انتشار التجارة المستترة يؤدي إلى ظهور فئة اتكالية في المجتمع يرضيها الحصول على مبالغ مالية زهيدة من الوافد فتكون فئة غير منتجة.
3- التجارة المستترة بيئة ملائمة لانتشار حالات الخروج عن القانون والأعراف السائدة في المجتمع العماني.
4- تكوين شرائح وفئات في شكل مجتمعات صغيرة تؤثر على أصالة وثقافة المجتمع.
5- مزاحمة العمال الوافدين على المرافق الخدمية بالسلطنة.
أما القوانين التي تحظر ممارسة التجارة المستترة:
أولاً : ممارسة التجارة المستترة يعتبر مخالفا لقانون التجارة الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم ( 55 / 90 ) كل من :
استعمل الاسم التجاري غير صاحبه أو استعمله صاحبه على صورة تخالف القانون.
استعمل طرق التدليس والغش في تصريف بضاعته أو أن ينشر بيانات كاذبة من شأنها أن تضر بمصلحة تاجر آخر .
نشر وإعطاء أمور مغايرة للحقيقة تتعلق بمنشأ بضاعته أو أوصافها أو تتعلق بأهمية تجارته.
ثانياً : تعتبر ممارسة التجارة المستترة مخالفة لقانون الشركات التجارية رقم ( 4 / 74 ) في الجوانب التالية:
كل شخص يدرج أو يستعمل بنية الغش معلومات كاذبة في عقد تأسيس شركة تجارية أو في نظامها.
كل شخص يحمل آخر على الانتماء إلى شركة تجارية باستعمال الطرق الاحتيالية.
كل شخص يشترك مع علمه بالأمر في توزيع أرباح صورية لشركة تجارية على أساس ميزانية مغشوشة أو دون ميزانية أو على أساس قائمة جرد أو حساب أرباح وخسائر مغشوشين.
ثالثا: كما تعتبر مخالفة لقانون استثمار رأس المال الأجنبي رقم ( 102/94 ) المادة رقم ( 1 ) والتي تنص على:
يحظر على غير المواطنين العمانيين سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً مزاولة أية أعمال تجارية أو صناعية أو سياحية أو المشاركة في شركة عمانية داخل السلطنة ، إلا بترخيص من وزارة التجارة والصناعة يصدر وفقا لأحكام هذا القانون.
ولتوضيح الواقع بالأرقام في حجم التجارة المستترة ، التي حذر من ممارستها عاهل البلاد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه ، يمكن الرجوع إلى (الكتاب الإحصائي السنوي) ، الإصدار 42 لسنة 2014 ( المركز الوطني للإحصاء والمعلومات ) ، وفي قسم « التجارة الداخلية والصناعة ) ، جدول « إجمالي عدد المؤسسات المسجلة في السجل التجاري حسب فئة رأس المال ( بدون فروع) ، فإن عددها بلغ 362 آلاف و 338 مؤسسة صغيرة ومتوسطة وكبيرة ، وإذا اعتبرنا أن المؤسسات الكبيرة تلك التي رأس مالها (500 ) ألف ريال عماني فأكثر فإن عددها 2104 مؤسسات ، وإن المؤسسات المتوسطة والصغيرة تلك التي رأس مالها يقل عن ( 500) ألف ريال فإن عددها 336 الفا و358 مؤسسة متوسطة وصغيرة وذلك حتى نهاية عام 2013 . ولم تتغير تلك الأرقام كثيرا نهاية عام 2014. علما بأن عدد المؤسسات الكبرى التي رأس مالها 5 ملايين فأكثر بلغ 268 مؤسسة. ووفق ما تقدم فإن عدد المؤسسات المتوسطة والصغير تكون 99.4% من جملة الأنشطة الاقتصادية الصغير والمتوسطة في السلطنة والتي يديرها ويملكها وافدون من خلال «اسم وهوية شخص أو مواطن عماني».
وتحديثا للأرقام الواردة أعلاه يمكن الرجوع إلى البيان الصحفي الذي أدلى به معالي الشيخ عبدالله بن ناصر البكري وزير القوى العاملة في 17 فبراير 2014 والذي ورد فيه توضيح لأعداد القوى العاملة الوافدة وتوزيعها بين مختلف الأنشطة الاقتصادية فإن عدد منشآت القطاع الخاص المصنفة من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة التي تشغل قوى عاملة وافدة والتي يمكن أن تعتبر أنشطتها في عداد التجارة المستترة بلغ 147 ألفا و438 منشأة تشغل أكثر من مليون و 300 ألف عامل وافد وإن نسبة التعمين فيها فقط 14.7% .وذلك حتى نهاية عام 2013.