العالم يئن من قبضات المتطرفين

إسماعيل بن صالح الأغبري –

alaghbari12@hotmail.com –

يبدو أن العالم الإسلامي خاصة والعالم بصفة عامة وخلال السنوات المقبلة سيشهد سنوات عجافا، ذلك أنه رغم بلوغ الإنسان مراحل من التمدن والتحضر ورغم تداخل وتشابك العلاقات والمصالح المتبادلة بين بني الإنسان كافة إلا أن موجات من التشدد تعصف وبشدة هذا العالم وللأسف الشديد فإن هذه العواصف تأبى إلا أن تتركز على مناطق من عالم الإسلام، ثم لم يسلم منها العالم الآخر، ومما يضاعف المشكلة أن رواد هذه الأعاصير هم مسلمون يزعمون الرغبة في سيادة الإسلام وتحكيم شرعه؟ وتطبيق حدوده؟

لقد راع العالم بأسره ما يتم ارتكابه من اعتداء على الأنفس البريئة من قتل واعتداء على الطفولة بزهق الأرواح عبر تفجيرات الأحزمة الناسفة وزرع القنابل الموقوتة في الأماكن العامة من أسواق ومجمعات تجارية ومقاهي شبكة المعلومات العالمية العنكبوتية، وما يرتكبه هؤلاء من عمليات اختطاف للناس بحجة الكفر؟ أو بحجة البدعة والزندقة؟ أو بحجة الانتقام؟

لقد راع العالم بأسره مشاهد قيام هذه الجماعات الزاعمة الغيرة على الإسلام؟ ما تقوم به من عمليات تهجير الناس ونسف منازلهم، ومن أبشع ما يتم ارتكابه على يد هذه الجماعات والأحزاب ذات الصبغة الدينية في القرن الحادي والعشرين هو إعلان نشأة أسواق ما يسمى (بالرق) وبيع النساء وبأسعار متفاوتة بناء على الجمال والفئة العمرية؟ وهو مشهد لا يزيد الإسلام إلا تشويها، ولا يعرض الحياة الإنسانية إلا لمزيد من الامتهان والانتهاك لحقوق الإنسان.

إن هذا البيع لبني البشر تقوم به هذه الجماعات التي تزعم أنها تبغي حاكمية الشريعة على غيرها من الأحكام البشرية؟ فهي تعلل تلك الأعمال المنافية للمواثيق والأعراف والقوانين الدولية بأنها تبيع (كفارا) وتسترق (كفارا)؟ وهذه الكلمة بين القوسين يطلقها المتشددون على كل من خالفهم في الفكر ولو كان موحدا مقرا بالشهادتين غير منكر لمعلوم من الدين بالضرورة، وكذلك لا يتورعون عن التنكيل بالمخالف في الدين.

لقد تحولت قرى بأسرها على يد من يزعم التمسك بالإسلام إلى قرى أشباح بسبب تهجير أهلها وكل ذلك للأسف باسم الإسلام؟

رأينا كيف أن اعراض الناس تنتهك وحرماتهم على يد هذه الأحزاب لا قيمة لها، ولعل كثير منا لم ينس ذالك الخطب الجلل الذي قامت به مجموعة دينية باختطاف أكثر من مائتي فتاة من مدرستهن في إحدى دول غرب أفريقيا والتهديد ببيعهن ولم تزل تلك الفتيات منذ شهور خلت لم يتمكن أحد من فكاك أسرهن، ثم تكرر المشهد في إحدى الدول العربية فيا ترى كم شوه هؤلاء الإسلام؟ وكم اعتدوا على الطفولة؟ وكم روعوا الآمنين؟ وكل ذلك باسم الإسلام والرغبة في تطبيق ما يسمونه بأحكام الإسلام؟

ثم تكرر المشهد المرعب في مدينة بيشاور الباكستانية بإقدام مجموعة دينية على اقتحام مدرسة لأطفال واحتجاز من فيها وذلك يوم الثلاثاء 16/12/2014م وقد أسفر ما قامت به المجموعة عن مقتل 130 تلميذا وكل ذلك يتم ارتكابه ممن يرفع شعار الإسلام.

لقد تم محاصرة واحتجاز الطلاب بحجة الانتقام من آبائهم العسكر؟ وهي حجة واهية وضعيفة فما ذنب البريء؟ ولكن لعل قتل الأطفال نابع من تلك الأحكام الرهيبة التي سطرها بعض الفقهاء من أن أطفال المشركين تبع لآبائهم، وهذه الجماعات غالبا ما تحكم على الناس بالشرك ولو شهدوا كلمة التوحيد.

إن تلك الحادثة حركت الضمير العالمي مما استوجب إدانة واسعة النطاق أمميا.

لقد سبق تلك الحادثة بيوم واحد قيام مجموعة ممن ترفع شعار الإسلام بالسيطرة على مبنى واحتجاز أشخاص في استراليا، وكذلك أسفر الحادث عن مقتل أشخاص.

إن الشغب الذي تثيره هذه الجماعات سياسيا وأمنيا ساهم مساهمة سلبية في الإساءة للإسلام كما ساهمت في تدمير اقتصاديات الدول والعبث بمقدرات الأمة، وتسببت هذه الجماعات الدينية إلى خلخلة النسيج الاجتماعي، بل لعلها تساهم في تشظي الدولة الواحدة لما تثيره من نعرات طائفية وعرقية.

إن هذه الأحزاب السياسية ذات الصبغة الدينية استطاعت للأسف الشديد العزف على الوتر الحساس، فرفعت شعار الإسلام وحكم الإسلام والانتصار للإسلام، وعالمنا للأسف عاطفي مزاجي شاعري، فجلبت لها أنصارا ولكن حينما تتمكن ينكشف الغطاء عن أعمال مخيفة حتى صار المسلم أشد خوفا من الإسلام؟ بسبب ما رآه على يد تلك الأحزاب التي تدعي تحكيم الإسلام؟ ومع ذلك يبقى قسم كبير من المسلمين يرفض انتقاد من يسمون (بالإسلاميين)؟ بل يحاول البعض تبرير أعمالهم؟ وبعض يحاول إلقاء الكرة في ملعب الآخر، والمقصود بالآخر هو (الغرب) أو (العلمانيين) أو (الملحدين) أو (القوميين) أي أن البعض يريد أن يجعل من هؤلاء (الإسلاميين) والأحزاب السياسية ذات الصبغة الدينية ملائكة لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم؟ وكأنهم تنزيل من عزيز حكيم؟

بعض من الناس بدأ يعيد الحسابات ويتنبه لخطورة تأييد هذه الحركات، ويعي الأبعاد الخطيرة على السلم الأهلي الاجتماعي لو وصلت لسدة الحكم، ويعي أكثر أن هذه الجماعات ليس لها برنامج لإدارة حكم البلدان إلا الخطب الرنانة الطوال والكلام المعسول والعبارات الفارغة عن حقيقة الواقع، والبعض بدأ يستشعر خطورة سيادة هذه الجماعات على اقتصاديات البلدان وأمن واستقرار العالم، لما تمارسه من خطاب صدامي ناري، ينذر بنشأة حروب دينية، ومن المعروف فإن أشد الحروب فتكا، وأطولها مدى ما بُني على أسس طائفية؟

ولم يزل بعضنا عليه غبش من التصور فهو يتمنى وصول كل من رفع شعارا دينيا إلى السلطة تحت تبريرات شتى، وأن من انتقد جماعة ذات توجه ديني وبصبغة سياسية هو معاد للدين؟ يكره الشرع الشريف؟ ولا يستبعد أن يرميه بالإلحاد؟ والزندقة والكفر؟

عموما بدأ يتشكل رأي عام واعٍ بخطورة هذه الجماعات، فالعين لا تكذب فما يجري على يديها، ليس خدعة سينمائية، وليس المخرج غربيا أو عدوا من خارج عالم المسلمين.

بل تتبنى تلك المجموعات العمليات وتفاخر بها بالإصرار على تصوير ما تقوم به حتى تدخل الرعب في القرى والمدن الأخرى فتسلم لها من غير مقاومة تذكر؟

لقد تعدى ضرر هذه الأعمال العالم الإسلامي إلى أقليات العالم الغربي، بات الغرب يخشى على مجتمعاته أن تنتقل إليها حمى صراعات عالمنا الإسلامي، وبات يسارع إلى سن قوانين فيها تضييق على الجاليات المسلمة رغم تنديد كثير من المسلمين بتلك القوانين إلا أن الغرب قد يكون معذورا لأن خطر هذه التصرفات بلغ أعتاب أبوابه بل دخل عقر داره، ومن أبشع ما كنت أسمعه أن يوفر الغرب الملاذ واللجوء والعمل والسكن ثم يخطب الخطيب وتجند الشرطة في الغرب أفرادها لتنظيم الشوارع وحراسة الخطيب والمصلين المسلمين خلال خطبة الجمعة ومع ذلك يقول البعض منهم في خطبة الجمعة للجمهور إنكم في مجتمع كافر نجس؟ ويُسأل أحدهم ماذا تعتبر الغرب؟ فيقول اعتبره كدورة المياه لقضاء الحاجة؟ فأي نكران للجميل هذا؟ وأي إجابة مقززة هذه؟

يبقى أن الأحزاب الدينية كافة ثبت بما لا تخطئه عين ناقد بصير ومحلل سياسي خبير أنها لا يمكن أن تدير البلدان، وأنها فشلت في سيادة القانون، وأنها لا تمتلك برنامجا اقتصاديا، وأنها غير قادرة على نسج شبكة علاقات إقليمية وعالمية بسبب خطابها الناري، وأنها فاشلة في جلب استقرار البلدان، لأنها ذاتها صارت تدخل في حروب داخلية هي نارها وأوارها ودعامتها الأساس.

لقد أحست دول عديدة بخطورة تصاعد تيار التشدد وأنه سيجلب للإسلام شرا مستطيرا كما سيؤدي هذا الخطاب إلى صدام حتمي إقليمي وأممي، بل سيقطع أوصال البلد الواحد لذلك عمدت إلى عقد مؤتمرات وندوات إقليمية ودولية منها ما هو خاص فقط بالمسلمين ومنها ما يشترك في حضوره لفيف من المسلمين وغير المسلمين، ذلك أن أمن العالم بأسره ضرورة ملحة، لتداخل المصالح وتشابك المنافع، ولأن العالم لم يعد قرية صغيرة بفضل التقدم العلمي والتقني فحسب بل صار غرفة واحدة ما يحدث في أقصى الشرق يتردد صداه في أقصى الغرب.

المطلوب من الشعوب الوعي من خطورة تأييد هذا النمط من الخطابات والجماعات، وذلك عن طريق تحكيم العقل لا العواطف والأمزجة، وعلي الشعوب الحذر ممن يدغدغ مشاعرها باسم ما يسمى (الجهاد) من منظور تلك الجماعات.

على الحكومات التي قد تدعم تيارات التشدد نكاية في دول أخرى، أو محاولة منها إسقاط أنظمة، لأن عواقب ذلك الدعم لتيارات التشدد سوف يرتد سلبا على تلك الشعوب والأنظمة.

لا بد من توافق أممي على إيجاد خطة واستراتيجية قابلة للتطبيق في محاصرة تيار التشدد.

لا بد للعالم الإسلامي أن يواجه هذا التشدد بخطة إعلامية وتربوية ولكن بشرط لا بد أن تسير على ذلك كافة دول منظمة التعاون الإسلامي أما قيام بعض الدول بذلك بينما دول أخرى تدعم هذا التشدد من خلال قنواتها المبثوثة ومناهجها المتشددة فإن ذلك ينذر بتفريخ قوى التشدد.